فجأة أعلنت إسرائيل الأسبوع الماضي عن تجميد تنفيذ خططها لتطوير تصدير الغاز إلى أوروبا عبر مصر حتى إبريل/ نيسان 2024.
وحسب موقع "بيز" الاقتصادي الإسرائيلي بررت الحكومة الإسرائيلية قرارها بأن عطلا قد أصاب السفينة التي تعكف على مد الأنبوب بين ميناءي أسدود وعسقلان "الإسرائيليين"، وهو الأنبوب الذي يفترض أن يكون جزءا من الأنبوب الإضافي الذي تقرر أن يتم تدشينه لتطوير نقل الغاز إلى مصر من حقول الغاز الإسرائيلية إلى مرافق الإسالة المصرية على شاطئ المتوسط. وفي القاهرة ألتزمت الجهات المسؤولة الصمت تجاه هذه التطورات.
وعلى الرغم من أن إسرائيل ستواصل ضخ الغاز إلى مصر عبر الأنبوب القديم وعبر أنبوب داخل الأردن، فإن قرار حكومة تل أبيب يعني تجميدا فعليا للاتفاق الثلاثي الذي توصلت إليه في يونيو/ حزيران الماضي كل من إسرائيل ومصر والاتحاد الأوروبي، ونظم تصدير الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا عبر مصر.
ووفق الاتفاق فإنه سيتم ضخ الغاز من حقلي "تمار" و"ليفيتان" الإسرائيليين إلى مرفقي الإسالة المصريين في دمياط وإدكو على ساحل المتوسط، وبعد ذلك يتم شحن الغاز المسال في حاويات من موانئ مصرية إلى أوروبا.
وحسب الموقع الإسرائيلي، فإن الخطوة الإسرائيلية تعني تأجيل تطوير صادرات الغاز إلى مصر ومنها إلى أوروبا لمدة ستة أشهر، حيث إنه كان من المتوقع أن يتم انجاز تدشين الأنبوب الجديد في أكتوبر من العام الجاري.
وحرصت الحكومة الإسرائيلية على توضيح أن قرار التأجيل جاء بعد إعلان شركة "نتيفي هغاز" التي كان من المقرر أن تنجز تدشين الأنبوب الجديد، أنه ليس بوسعها إنجاز المهمة في موعدها المحدد بسبب العطل الذي أصاب السفينة التي تتولى عملية تثبيت مركبات الأنبوب في عمق البحر.
وعلى الرغم من أن الحكومة عزت قرار التجميد إلى أسباب فنية أقدمت عليها شركة بنى تحتية، إلا أن هذا الإعلان يثير الكثير من التساؤلات حول الأسباب الحقيقية لهذا القرار.
فقد راهنت إسرائيل، وعلى كل المستويات السياسية في حكومة بنات لبيد السابقة وحكومة نتنياهو، على دور تطبيق الاتفاق الثلاثي في تعزيز مكانة إسرائيل الجيواستراتيجية على الصعيدين الإقليمي والدولي من خلال لعب دور مهم في ضخ الغاز إلى أوروبا في ظل أزمة الطاقة التي يواجهها العالم في أعقاب تفجر الحرب الروسية الأوكرانية.
فضلا عن دور تطبيق الاتفاق الثلاثي في تعزيز الاقتصاد الإسرائيلي تحديدا في ظل الأزمة الخانقة التي يعاني منها في ظل هروب الاستثمارات الخارجية وسحب الودائع الواسع وتدهور قيمة العملة المحلية نتاج الخوف من تبعات الإصلاحات القضائية الهادفة إلى توفير مسار يعفي نتنياهو من المحاكمة في قضايا الفساد.
وبحسب محللين فإن هذه الاعتبارات كان يفترض أن تدفع الحكومة الإسرائيلية إلى التحرك بسرعة لاستبدال السفينة المسؤولة عن مد الأنبوب بين أسدود وعسقلان لاستغلال حاجة القارة العجوز الماسة للغاز لتأمين عوائد اقتصادية وجيوإستراتيجية كبيرة.
ومما يزيد الاستهجان من الإعلان الإسرائيلي حقيقة أن المسافة بين "أسدود" و"أشكلون" قصيرة نسبيا، حيث تبلغ 47 كلم فقط، مما يعني أن تأجيل المشروع لمدة ستة أشهر لإنجاز مد الأنبوب بين الميناءين لا يبدو منطقيا.
لكن تتبع توجهات الحكومة الإسرائيلية الحالية وسياساتها قبيل الإعلان عن تجميد مشروع تطوير تصدير الغاز إلى مصر قد يبدد بعض من الغموض الذي يكتنف هذا القرار.
وفي مطلع فبراير/ شباط الماضي، وقبل ثلاثة أسابيع على الإعلان عن تجميد المشروع، نشر وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين تغريدة حول فحوى لقاء جمعه بوزير الخارجية اليوناني نيكوس دندياس في أثينا، حيث أكد في هذه التغريدة أنه اتفق معه على "تصدير الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا عبر اليونان وقبرص".
على الرغم من أن حكومة الاحتلال عزت قرار التجميد إلى أسباب فنية أقدمت عليها شركة بنى تحتية، إلا أن هذا الإعلان يثير الكثير من التساؤلات
وأضاف كوهين في تغريدته، التي أرفقها بصورة وهو يتناول طعام الفطور مع دندياس في أحد المطاعم بأثينا: "في ظل أزمة الطاقة العالمية نعكف على تعزيز مكانتنا الدولية وسندر الكثير من الأموال إلى خزانة الدولة".
وعلى الرغم من أن كوهين لم يقدم أية تفاصيل حول آليات تصدير الغاز "الإسرائيلي" إلى أوروبا عبر اليونان وقبرص، فضلا عن أن الصحف والمواقع الاقتصادية في تل أبيب لم تتناول أبعاد هذا التصريح، فإنه يبدو مستهجنا لأنه سبق للولايات المتحدة أن تراجعت عن دعم مشروع أنبوب "إيست ميد" الذي كان يفترض أن ينقل الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا عبر اليونان وقبرص بسبب كلفته الباهظة.
إن تزايد وتيرة التحذيرات والمخاوف التي تعبر عنها مراكز الدراسات ووسائل الإعلام في إسرائيل من تبعات الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الخانقة في مصر وما قد يتبعها من تداعيات على استقرار النظام السياسي في القاهرة قد تكون أحد الأسباب الحقيقية وراء قرار تجميد تطوير صادرات الغاز إلى أوروبا عبر القاهرة، حسب مراقبين.
فلدى إسرائيل تجربة مريرة سابقة في كل ما يتعلق على بالتعاون في مجال الطاقة بين مصر. فقد أوقفت القاهرة، في أعقاب ثورة 25 يناير، وما أعقبها من تحول مؤقت على النظام السياسي، تصدير الغاز المصري إلى إسرائيل.