تُشارف أيام هذا العام على الانتهاء، وبحلول يوم السبت، تكون الدنيا بأسرها مستعدّه لوداع عام 2022، واستقبال عام 2023 حسب التأريخ الغريغوري لميلاد المسيح عليه السلام.
ولربما يتنفّس ناس كثيرون، بل الغالبية العظمى، الصعداء، لكثرة ما شهد العام 2022 من أحداث كبيرة، أحالت حياة البشرية كلها إلى حالة من الخطر واللا أمن في كثير من مناحي معاشهم، بدءاً من تهديد البقاء بسبب اشتعال الحروب، أو زيادة العداوة بين الدول الكبرى والقوى الإقليمية، أو بسبب اللجوء بحثاً عن حياة أفضل، أو زيادة الدول المستبدّة في قهرها لمن هم تحت سيطرتها، أو بسبب نقص الغذاء والدواء أو بتقطع سلاسل التزويد، وغيرها من أمور، مثل ارتفاع نسب الفقر، والغلاء، والبطالة، في دول كثيرة، يشهد جزء كبير منها إضرابات واحتجاجات لا تنتهي.
وما كاد العالم يعلن، عبر منظمة الصحة العالمية، عن السيطرة على داء كوفيد -19 وتحوراته، حتى أطلت برأسها اعراض جديدة تشي بانتشار أنواع جديدة من الإنفلونزا (الإنفلونزا المخلوية)، وانفلونزا الطيور، وانفلونزا الحيوانات كالبقر والخنازير، وحتى سمعنا بعودة انتشار الكوليرا وإيبولا. وكلها أمراضٌ ظنّ العالم أنه قد تخلّص منها أو كاد.
واشتدّت في هذا العام مظاهر العنف الطبيعية، مثل ارتفاع درجات الحرارة، وتقلبات الطقس، وزيادة البراكين والزلازل والأعاصير (cyclones) و(Tornadoes). وبالكاد نتذكّر اسم واحده منها، حتى ننساها ونركّز على العاصفة الموسومة التالية.
والأنكى أن شعوب الأرض بدأت تعتاد على سماع هذه الأخبار، وتتعايش معها وكأنها جزء من هذه الحياة النكدة، فأخبار الحرب في أوكرانيا، وتناقض الروايات عن مسيرتها، وتصريحات الجانبين، الأميركي والروسي، وصور رئيس أوكرانيا، زيلينسكي، بملابسه الزيتية وذقنه غير الحليقة، ما عادت تثير الاهتمام الذي تستحقه.
في بداية الحرب، ثارت الأسعار للسلع الأساسية صعوداً مثل القمح والنفط، ثم هبطت العملات، ثم جاء التضخّم، ثم عادت الأسعار المرتفعة إلى الهبوط، ثم أخذت تتقلب بسرعة، ولكن ضمن سقوفٍ أعلى. وحكاية تزويد الغاز لأوروبا، ونقص المياه، وتردّي البيئة وتآكل الثروات ما عادت تثير اهتمام الناس.
ولم يعد تناقض المواقف، وتطبيق المعايير المزدوجة، وقصص الأطفال المشرّدين تثير ردود فعل كبيرة، فالناس قد اقتنعوا أن الدول الكبرى في العالم لا تريد ذلك، فالإعلام الأميركي المؤيد للأوكرانيين ضد الروس يستخدم المفردات نفسها لإدانة روسيا بأنها تمارس التمييز العنصري، ولا تحترم حقوق الانسان، وأنها تهاجم المدنيين وتضرب المنشآت المدنية.
وتعتبر الولايات المتحدة هذه كلها أعمالاً ترقى إلى حد الجريمة ضد الإنسانية، ولكنها لا تحرّك ساكناً لإنصاف أهل فلسطين القابعين تحت الاحتلال، وتتحكّم في حياتهم حكومة هي أكثر حكومات العالم عنصرية وقتلاً وتخريباً للحياة، وهي حكومة إسرائيل.
وكذلك رأينا في وطننا العربي تراجعاً في الممارسات الأساسية وحرية التعبير، كما تقول معظم المنظمات غير الحكومية الدولية. انظر إلى تونس وما جرى من انتخابات هزيلة لا تزال الرئاسة التونسية مصمّمة على أن نسبة المشاركة المتدنية (11.3%) مقبولة إن لم تكن جيدة، وتتجاهل نداءات الأحزاب والنقابات والتظاهرات التي جعلت من عدم المشاركة تعبيراً عن عدم رضاها على الوضع السياسي وتريد تغييره.
ورأينا بقاء المشكلات داخل الدول العربية على حالها بدون حل، فدولة ليبيا تسعى إلى التفاهم بين شطريها، الشرقي والغربي، واليمن لا يزال يراوح مكانه بين شماله وجنوبه، وسورية لا تزال عاجزة حتى عن حضور مؤتمر قمة عربي، وتفقد السيطرة على أجزاء كبيرة في الشمال والجنوب، والسودان يقترب من حلّ بين العسكر والمدنيين، ثم لا يلبث أن يغيب الحل في ثنايا التعقيدات التي لا تنتهي في جنوب البلاد وشرقها. ولبنان لا يزال، رغم وصوله إلى تفاهم على رسم حدوده البحرية، عاجزاً عن اختيار رئيس جمهورية، وقد عقد حتى تاريخه عشر جلسات برلمانية، انتهت معظمها بالفشل.
ولكن أخبارا طيبة أو مبشرة ظهرت في الوطن العربي قرب نهاية العام، منها على سبيل المثال نجاح دولة قطر في تنظيم كأس العالم، ونتج عنه سمعة رفيعة للوطن العربي كله، واستحقّت قطر الثناء والتقدير على تنظيم وإدارة رفيعتي المستوى.
وقد أمضى المواطنون العرب ساعات من الفرح المسلوب، وهم يراقبون أداء الفريق السعودي في مباراته الأولى، والتي كانت ضد الأرجنتين، وتمكن الفريق العربي السعودي من الفوز. وشاهد الناس بكل كبرياء وصول فريق المغرب إلى المربع الذهبي لأول مرة عربياً وأفريقياً. وكذلك عقدت قمة عربية في الجزائر بدت وكأنها تسعى إلى إعادة الألق إلى العمل العربي المشترك، وفتح باب الحوار العقلاني بين الدول.
ورغم غياب عدة رؤساء دول، إلا ان استمرار عقد القمة ربما يفتح الباب لإعادة هيكلة المؤسسات العربية، كجامعة الدول العربية ومؤسساتها لتصبح أكثر فاعلية وإيجابية في التصدّي للقضايا العربية العالقة. والخبر الثالث انعقاد قمة بغداد على شاطئ البحر الميت في الأردن. وبغض النظر عن ضآلة المشاركة على مستوى الرؤساء، إلا أنها نجحت في تعزيز التعاون العربي، وإنشاء مشروعات مشتركة مع العراق، وإعادة التأكيد على الحقوق الفلسطينية في دولة مستقلة على أرض فلسطين المحتلة وعاصمتها القدس الشرقية.
والخبر الرابع المهم الذكاء الذي تمتعت به الدبلوماسية السعودية بدعوتها إلى مؤتمر قمة مع الرئيس الصيني، شي جين بينغ، وحضور 16 دولة عربية، وتوقيع عقد تعاون استراتيجي بين السعودية والصين.
ها هو عام 2023 قد بدأ يطلّ. وبدأت توقعات الفلكيين تنتشر، بدءاً من البصَّارة البلغارية العمياء والتي توقعت سقوط أميركا في حرب أهلية فيها، إلى الفلكيين العرب في لبنان ومصر والمغرب العربي. ولكن ما لفت نظري بشكل خاص مقال نشرته مجلة فورين أفيرز (Foreign Affairs) في عددها بمناسبة انتهاء عام 2022، للبروفسور مارك لينش (Marc Lynch) أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن، ينصح فيه الولايات المتحدة بعدم النظر إلى الشرق الأوسط بالنظرة التقليدية نفسها.
هنالك تغييرات هامة، فجغرافيا الشرق الأوسط تتغير، والدول الداخلة فيه ليست متجانسة، والعالم أيضاً يتغير وتتغير المصالح فيه، خصوصا مع دول مثل الصين. ويرى الكاتب أن جمود نظرة الولايات المتحدة في سياساتها الخارجية والدفاعية نحو الشرق الأوسط بالنظرة التقليدية سوف يقلّص نفوذ أميركا في المنطقة.
ما هو التغيير المتوقع في الشرق الأوسط (الجديد؟)، وكيف ستؤول العلاقات بين الدول فيه من ناحيه، وبين هذا الشرق الأوسط والعالم؟ أسئلة قيد الإجابة.