عندما ظهر روبوت الدردشة ChatGPT/ في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، لم تفكر أوليفيا ليبكين، مؤلفة الإعلانات البالغة من العمر 25 عاماً في سان فرانسيسكو، كثيراً في الأمر. بعد ذلك، بدأت المقالات حول كيفية استخدام روبوت المحادثة في الوظيفة بالظهور على مجموعات Slack الداخلية في شركة التكنولوجيا الناشئة، حيث عملت ككاتبة وحيدة للشركة.
ويشرح تقرير نشرته "واشنطن بوست" أنه خلال الأشهر القليلة التالية، تضاءلت مهام ليبكين. بدأ المدراء يشيرون إليها باسم "أوليفيا ChatGPT" على سلاك. في إبريل/نيسان، تم التخلي عنها دون تفسير، ولكن عندما وجدت مديرين يكتبون عن أن استخدام الروبوت أرخص من الدفع لكاتب، بدا سبب تسريحها واضحاً.
قالت: "كلما طرح الناس معلومات عن ChatGPT، شعرت بعدم الأمان والقلق من أن ذلك سيحل محليا. الآن لدي بالفعل دليل على أنه كان صحيحاً، وأن هذه المخاوف مبررة، والآن أصبحت بالفعل عاطلة عن العمل بسبب الذكاء الاصطناعي."
ويتوقع بعض الاقتصاديين أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT يمكن أن تحل محل مئات الملايين من الوظائف، في إعادة تنظيم كارثية للقوى العاملة تعكس الثورة الصناعية.
بالنسبة لبعض العمال، هذا التأثير موجود بالفعل. أولئك الذين يكتبون محتوى التسويق في وسائل التواصل الاجتماعي هم في الموجة الأولى من الأشخاص الذين يتم استبدالهم بأدوات مثل روبوتات المحادثة، والتي يبدو أنها قادرة على إنتاج بدائل معقولة لعملهم.
أدار إريك فين أعماله الخاصة بكتابة المحتوى لمدة 10 سنوات، حيث كان يتقاضى 60 دولاراً في الساعة لكتابة كل شيء بدءاً من 150 كلمة لوصف حصائر الحمام وصولا إلى تحرير موقع الويب لشركات القنب. قام الشاب البالغ من العمر 34 عاماً بإنشاء شركة من خلال 10 عقود جارية، والتي شكلت نصف دخله السنوي ووفرت حياة مريحة لزوجته وابنه البالغ من العمر عامين.
ولكن في مارس/آذار، تلقى فين ملاحظة من أكبر عميل له: لن تكون هناك حاجة لخدماتك لأن الشركة ستنتقل إلى ChatGPT. تم إلغاء عقود فين التسعة الأخرى واحدة تلو الأخرى لنفس السبب. اختفت أعماله في مجال كتابة الإعلانات بين عشية وضحاها تقريباً.
قال فين: "لقد قضى عليّ". وحث عملاءه على إعادة النظر، محذراً من أن ChatGPT لا يستطيع كتابة محتوى بمستوى إبداعه ودقته الفنية وأصالته. قال إن عملائه فهموا ذلك، لكنهم أخبروه أن استخدام ChatGPT أرخص بكثير من دفع أجره بالساعة.
ليبكين، مؤلفة الإعلانات التي اكتشفت أنه تم استبدالها بـ ChatGPT، تعيد النظر في العمل المكتبي تماماً. دخلت في البداية في تسويق المحتوى حتى تتمكن من دعم نفسها أثناء متابعتها للكتابة الإبداعية الخاصة بها. لكنها وجدت أن الوظيفة أرهقتها وجعلت من الصعب عليها الكتابة بنفسها.
قالت ليبكين: "تبحث الشركات عن الحل الأرخص، وهو ليس شخصاً، إنه روبوت".
قالت سارة تي روبرتس، الأستاذة المشاركة في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس المتخصصة في العمل الرقمي: "نحن حقاً في أزمة، الذكاء الاصطناعي قادم للوظائف التي كان من المفترض أن تكون مقاومة للأتمتة."
زادت جودة الذكاء الاصطناعي بسرعة خلال العام الماضي، مما أدى إلى ظهور روبوتات محادثة يمكنها إجراء محادثات سلسة وكتابة الأغاني وإنتاج رموز الكمبيوتر. في إطار الاندفاع لتعميم التكنولوجيا، تقدم شركات وادي السيليكون هذه المنتجات لملايين المستخدمين - وفي الوقت الحالي - تقدمهم مجاناً في كثير من الأحيان.
لطالما كان الذكاء الاصطناعي والخوارزميات جزءاً من عالم العمل لعقود. لسنوات، استخدمت شركات المنتجات الاستهلاكية ومحلات البقالة وشركات الخدمات اللوجستية للمستودعات خوارزميات تنبؤية وروبوتات مع أنظمة رؤية مدعومة بالذكاء الاصطناعي للمساعدة في اتخاذ قرارات العمل، وأتمتة بعض المهام. سيطرت الروبوتات على المصانع في معظم القرن العشرين، وتم استبدال عدد لا يحصى من المهام المكتبية بالبرمجيات.
لكن الموجة الأخيرة من الذكاء الاصطناعي التوليدي - التي تستخدم خوارزميات معقدة مدربة على مليارات الكلمات والصور من الإنترنت المفتوح لإنتاج نصوص وصور وصوت - لديها القدرة على خلق مرحلة جديدة من الاضطراب. قال الخبراء إن قدرة التكنولوجيا على إنتاج الأفكار مثل الإنسان يضع العاملين في مجال المعرفة بأجور عالية في مرمى الاستبدال.
قال إيثان مولليك، الأستاذ المساعد في كلية وارتون للأعمال بجامعة بنسلفانيا: "هذه المرة، يستهدف تهديد الأتمتة بشكل مباشر الوظائف ذات الدخل الأعلى والأكثر إبداعاً والتي تتطلب خلفية تعليمية أكثر".
كما دق البيت الأبيض جرس الإنذار، قائلاً في تقرير صدر في ديسمبر أن "الذكاء الاصطناعي لديه القدرة على أتمتة المهام غير الروتينية"، مما يعرض قطاعات كبيرة جديدة لاضطراب محتمل".