أعادت العاصفة الثلجية التي ضربت الولايات المتحدة، خلال الأيام الأخيرة، القلق إلى أسواق الطاقة العالمية، لا سيما في أوروبا، إذ جمدت موجة الطقس السيئة آبار الغاز والأنابيب، ما يزيد القلق من عودة الأسعار إلى الصعود، لا سيما في ظل تزايد الاحتياجات في الشتاء.
وتراجع إنتاج الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة إلى أدنى مستوى له خلال أكثر من عقد من الزمان، يوم الجمعة الماضي، ليبدأ في التحسّن قليلاً بعد ذلك، لكنه لا يزال أقل بنسبة 10% تقريباً مقارنة بالمعدل الطبيعي، بحسب تقديرات نشرتها وكالة بلومبيرغ الأميركية، أمس الثلاثاء، مشيرة إلى أنه من المنتظر وصول إنتاج وقود التدفئة وتوليد الكهرباء إلى 90 مليار قدم مكعبة، وفق جداول زمنية خاصة بخطوط الأنابيب.
وتسبّبت العاصفة الثلجية التي تعرف بـ"إعصار القنبلة" في تعطل العديد من الآبار في مناطق الإنتاج الرئيسية، بما في ذلك أكبر مورّد في تكساس، وتقلصت الإمدادات عبر 48 ولاية، بما يقرب من 10 مليارات قدم مكعبة، في الوقت الذي ارتفع الطلب المحلي إلى أعلى مستوى يومي منذ أوائل عام 2019. وتكفي مليار قدم مكعبة من الغاز لتزويد نحو 5 ملايين منزل أميركي بالطاقة لمدة يوم كامل.
وكانت ولاية مونتانا غرب الولايات المتحدة الأكثر تضرراً من البرد، حيث انخفضت درجات الحرارة إلى 45 درجة مئوية تحت الصفر خلال العاصفة، قبل أن تتحسن قليلاً منذ يوم الاثنين الماضي، بينما لا تزال التوقعات تشير إلى استمرار موجة البرد السيئة.
وقد تؤدي العاصفة الشتوية القاتلة، إلى تعطيل الإمدادات العالمية من أحد أكبر مصدري الغاز الطبيعي المسال، مما يضر بالسوق الذي شهد تقلبات شديدة في الأسعار هذا العام، وفق موقع "أويل برايس" الأميركي المتخصص في الطاقة. وهذه العاصفة هي أحدث مؤثر شديد على سوق الغاز الطبيعي المسال العالمي هذا العام، ما يربك حسابات الأوروبيين، بشكل خاص، في الحفاظ على مستويات المخزون لمواجهة الشتاء العاصف.
ويتزامن تضرر إمدادات الغاز الأميركية بما يوصف أيضا بـ"عاصفة القرن" مع تعليق شركة شل الإنتاج في أكبر محطة عائمة للغاز المسال في العالم بأستراليا، بعد اندلاع حريق، ما يقلص إمدادات الوقود ويهدد بزيادة الاضطرابات في سوق الطاقة العالمية وارتفاع الأسعار، مع بدء موسم الشتاء الذي يشهد ذروة الطلب.
وتمتلك شل 67.5% من محطة الغاز العائمة "بريلود"، في حين تمتلك شركة إنبكس اليابانية 17.5%، وتحتفظ شركة غاز كوريا بـ10% من الأسهم، وتمتلك إنبكس التايوانية 5%. وجاء تعليق الإنتاج نهاية الأسبوع الماضي، بعد أن استأنفت المحطة عملياتها بأيام فقط، بعد ما يقرب من شهرين من الصيانة، ما يمثل انتكاسة أخرى لأكبر محطة عائمة للغاز المسال في العالم، والتي تعاني مشكلات فنية مستمرة منذ أن بدأت الإنتاج في عام 2019.
ولم تذكر شركة النفط والغاز الكبرى، ومقرها لندن، موعد بدء الإنتاج مرة أخرى في أكبر محطة عائمة للغاز المسال، والتي لديها القدرة على إنتاج 3.6 ملايين طن من الغاز الطبيعي المسال سنوياً، إضافة إلى 1.3 مليون طن من المكثفات، و400 ألف طن من غاز النفط المسال. وقد يؤدي انقطاع الإنتاج من محطة "بريلود" إلى إجبار شركة شل على شراء المزيد من إمدادات الغاز الطبيعي المسال من السوق الفورية لتلبية عمليات التسليم للعملاء.
وتعرّضت المحطة لتوقف الإنتاج أكثر من مرة، خلال عام 2022، كانت البداية في يناير/كانون الثاني، حيث جرى تعليق الإنتاج لمدة 4 أشهر، بسبب اندلاع حريق في المحطة أيضا. وفي شهر يوليو/تموز الماضي، توقف الإنتاج في المحطة، بسبب إضراب عمالي استمر لمدة 6 أسابيع.
ويهدد اضطراب الإنتاج في المحطة بتفاقم النقص العالمي في الطاقة مع بلوغ الطلب الشتوي على الغاز الطبيعي المسال ذروته وارتفاع الأسعار من جديد، بينما كانت أزمة الطاقة في أوروبا، التي تفاقمت حدتها بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا، قد دفعت أسعار الغاز الطبيعي المسال إلى مستويات قياسية خلال العام الجاري.
وارتفع الطلب على الغاز المسال عالمياً إلى 97 مليون طن، خلال الربع الثالث من العام الجاري، بزيادة سنوية قدرها 8%، عن 90 مليون طن خلال المدة نفسها من عام 2021.
وارتفعت أسعار الغاز الطبيعي المسال إلى مستويات قياسية في وقت سابق من هذا العام، حيث كانت أوروبا تتسابق لتخزين الوقود قبل هذا الشتاء. وبين يناير/ كانون الثاني ونوفمبر/ تشرين الثاني، قفزت واردات الغاز الطبيعي المسال إلى الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة مجتمعة بنسبة 65% على أساس سنوي، وفقاً لتقديرات معهد أكسفورد لدراسات الطاقة.
وصعدت الواردات من الولايات المتحدة وحدها بنسبة 176%، بينما نمت الواردات من مصادر أخرى بنسبة 27%. في الفترة نفسها، ونمت صادرات الغاز الطبيعي المسال العالمية بنسبة 5.5% فقط، وجاء ما يقرب من نصف النمو من الولايات المتحدة، بحسب بيانات المعهد.
وفي العام المقبل، ستحتاج أوروبا إلى مزيد من إمدادات الغاز الطبيعي المسال لتعويض نقص الغاز الروسي. ووفق تقرير لشركة "ترافيجورا" لتداول السلع الأولية صادر أخيراً، فإنه مع انخفاض شحنات الغاز عبر خطوط الأنابيب الروسية، ستحتاج أوروبا إلى "كميات ضخمة" من الغاز الطبيعي المسال في 2023، متوقعاً استمرار التقلبات في أسواق الغاز الطبيعي والغاز المسال.
وحاجة أوروبا لكميات ضخمة من الغاز الطبيعي المسال، تدفعها إلى جعل مستويات الأسعار مرتفعة حتى تتمكن القارة الباردة من الاستمرار في جذب معظم شحنات الغاز الطبيعي المسال، في منافسة مع مراكز الطلب الرئيسية الأخرى، وفقاً لشركة "ترافيجورا".
ومع التحول الأوروبي إلى الغاز المسال الأميركي، فإن هناك قلقاً بالغاً من الاعتماد على هذه الإمدادات التي قد تكون غير موثوقة، في ظل غضب الطبيعة المتكرر. فالاعتماد الأوروبي المتزايد على الغاز الأميركي قد يتحول إلى مصدر قلق عميق للأسر والشركات في القارة الباردة، التي تتحمل كلفاً باهظة لفواتير ستصل إلى نحو تريليوني دولار في 2023.
ويقع الجزء الأكبر من منشآت تصدير الغاز الطبيعي المسال الأميركي على طول ساحل خليج المكسيك، إذ يأتي الكثير من الغاز الذي يغذي هذه المرافق من الاحتياطيات الداخلية القريبة، من نيو مكسيكو وتكساس إلى لويزيانا، وهي مناطق معرضة للأعاصير، ما يعني أنه عندما تأتي عواصف ثلجية وأعاصير مدمرة، كما حدث في سنوات ماضية، فإن كل شيء من الاستخراج والتسييل إلى الشحن معرض لخطر الانقطاع، وفق "أويل برايس".
وفي السنوات الأخيرة، تسببت الأعاصير المتعددة بدرجات متفاوتة من الاضطراب في سوق الغاز الطبيعي المسال عالمياً، فقد أدى إعصار "لورا" في عام 2020 إلى تعطل منشأة "سابين باس" في لويزيانا لتصدير الغاز المسال لمدة أسبوعين، بينما تعطلت مصفاة "كاميرون" لأكثر من شهر. وفي العام الماضي، أدى إعصار "إيدا" إلى تقليص كبير وطويل الأمد في إنتاج الغاز من خليج المكسيك.
وهذا العام، أدى انفجار منشأة فريبورت للغاز الطبيعي المسال ومقرها تكساس في يونيو/ حزيران الماضي، إلى إعاقة ما يقرب من 20% من طاقة تصدير الغاز المسال، ما أدى إلى تدهور أسواق الغاز المسال أيضاً.