"طوفان الأقصى": الاقتصاد الإسرائيلي ينزف والمستثمرون يهربون للملاذات الآمنة

13 أكتوبر 2023
غزة بدون ماء وكهرباء تحت نيران الاحتلال (Getty)
+ الخط -

يتزايد القلق العالمي من ضربات القوات الإسرائيلية المميتة على قطاع غزة، والتي قطعت حتى الآن الكهرباء والماء والغذاء عن السكان، بينما تنوي تنفيذ غزو بري لكامل القطاع. وقالت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغيفا الخميس، إن الحرب الحالية بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية تهدد بإضافة المزيد من القتامة على أفق الاقتصاد العالمي الغائم بالفعل.

وأضافت: "نراقب عن كثب كيف سيتطور الموقف، وكيف يؤثر في الأوضاع خاصة أسواق النفط". وتابعت، في مؤتمر صحافي خلال الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين المنعقدة في مراكش بالمغرب، أن أسعار النفط شهدت تقلبات، وأن الأسواق تشهد ردود فعل، لكن من السابق لأوانه التنبؤ بالأثر الاقتصادي الكامل للأمر. وقالت أيضا إنه "من الواضح أن تلك غيمة جديدة في أفق ليس هو الأكثر إشراقا بالمرة للاقتصاد العالمي. غيمة جديدة تزيد قتامة هذا الأفق وبالطبع كنا في غنى عنها".

ويوم الأربعاء الماضي، قالت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين إن الوضع في إسرائيل يثير مخاوف إضافية على الاقتصاد الأميركي. كما قال رئيس البنك الدولي أجاي بانغا يوم الثلاثاء إن "الصراع بين إسرائيل وغزة صدمة اقتصادية عالمية لا ضرورة لها، وسيجعل من الصعب على البنوك المركزية تحقيق خفض سلس للتضخم في اقتصادات عديدة، إذا انتشر" ذلك الصراع.

ومن هنا يتخوف المستثمرون في أنحاء من طول أمد الحرب الإسرائيلية ضد القطاع وتداعياتها الخطرة على الأسواق العالمية. في هذا الصدد، قال خبراء ماليون إن "أي تمديد للحرب من المرجح أن يثير المخاوف من انقطاع إمدادات النفط وزيادة الطلب على أصول الملاذات الآمنة مثل الذهب والدولار".

وقال محللون في بنك "بي أن واي ميلون" الأميركي في مذكرة بهذا الشأن، إن المستثمرين يتوقعون المزيد من التقلبات في السوق في حال تمديد الحرب على قطاع غزة، بعد التقلبات التي شهدتها أسواق النفط والعملات والمعادن يومي الاثنين والثلاثاء. ويقول المصرف الأميركي في مذكرته، إن قواعد اللعبة المتمثلة في تدفق المستثمرين على أصول الملاذ الآمن ليست جديدة في أوقات الصراع.

وكانت أسعار النفط قد قفزت بنسبة 4% يوم الاثنين قبل أن تتخلى عن تلك المكاسب في الجلسات اللاحقة، وارتفعت أسعار الذهب بما يزيد قليلاً عن 1% منذ عملية "فيضان الأقصى"، كما تراجعت عائدات سندات الخزانة الأميركية القياسية بنحو 13 نقطة أساس إلى 4.657%.

على صعيد الاقتصاد الإسرائيلي، منذ تنفيذ عملية "طوفان الأقصى"، استدعت قوات الدفاع الإسرائيلية أكثر من 300 ألف جندي احتياطي للخدمة، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ دولة الاحتلال. ويتكون الجيش الإسرائيلي الدائم والقوات الجوية والبحرية من 150 ألف فرد فقط.

وتضم قوة الاحتياط، التي تتكون من شريحة واسعة من المجتمع الإسرائيلي، حوالي 450 ألف عضو. ويتكون الاحتياطي بالجيش الإسرائيلي من المعلمين والموظفين في قطاع التقنية وأصحاب المشاريع الناشئة والمزارعين والمحامين والأطباء، والممرضات وعمال السياحة والمصانع.

ووفق محللين، فإن تداعيات استدعاء هذه القوة الضخمة من الموظفين والعمال، سيكون لها تأثير كبير على الاقتصاد الإسرائيلي الذي أصيب بالشلل بعد عملية "طوفان الأقصى".

في هذا الصدد، يقول أستاذ الاقتصاد في الجامعة العبرية في القدس المحتلة، إيال وينتر، "إن التأثير سيكون كبيراً على الاقتصاد ... لكن حجم الضرر الاقتصادي سيعتمد على مدة بقاء جنود الاحتياط بعيدًا عن وظائفهم في البلاد".

ويمثل هذا العدد من القوة الاحتياطية في الجيش نسبة كبيرة من الكيان الإسرائيلي الذي يقدر عدد سكانه بنحو 9 ملايين نسمة. ويقدر الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد الإسرائيلي بنحو 521.69 مليار دولار.

ويقدر مصرف هبو عليم الإسرائيلي كلَف العملية العسكرية في قطاع غزة بنحو 6.8 مليارات دولار على أقل تقدير، دون حساب الكلَف البشرية في حال الغزو البري للقطاع.

وحتى الآن، تراوحت الآثار الآنية المترتبة على الاقتصاد الإسرائيلي بعد عملية "طوفان الأقصى"، بين هروب المستثمرين من السوق الإسرائيلي، وتنفيذ صفقات المبيعات المكثفة للأسهم والسندات والشيكل الإسرائيلي الذي تعرض لهجمة مبيعات شرسة اضطرت البنك المركزي الإسرائيلي إلى التدخل في السوق بنحو 45 مليار دولار لحمايته من الانهيار، حسب البيانات التي نشرتها صحيفة "ذا ماركر" الإسرائيلية.

كما أن قطاعات مثل الطيران والسياحة الإسرائيلية لا تزال تنزف حتى الآن. لكن محللين يرون أن أكبر الخسائر التي تكبدها الاقتصاد، هي خسارة ثقة المستثمرين الأجانب التي تبخرت بعد عملية "طوفان الأقصى"، وأنهم باتوا ينظرون إلى إسرائيل على أنها دولة غير مستقرة وآمنة، وبالتالي ستجد حكومة نتنياهو صعوبة في الحصول على تمويلات جديدة من الأسواق العالمية، كما أن شركات التقنية الأميركية ستكون مترددة في الاستثمار والإبقاء على مقارها في إسرائيل.

على هذا الصعيد، يقول البروفسور وينتر: "العملية سببت ضربة مؤقتة لصناعة الشركات الناشئة، ولكن عندما يعود الجنود، فإن الاستثمار والطلب سيتأثران أيضاً".

وتمتلك كل شركة تقنية أميركية كبرى تقريبًا مكاتب إنتاج أو بحث وتطوير كبيرة في إسرائيل، بما في ذلك مايكروسوفت وإنتل.

وفي الشأن ذاته، رأى محللون أن منطقة البحر الميت الغنية بالمعادن وميناء أشدود، الذي يقع على بعد 20 ميلا فقط شمال قطاع غزة، ربما يتعرضان لمخاطر أمنية في حال طول أمد الحرب على قطاع غزة. ويعد ميناء أشدود مركزاً رئيسياً لصادرات البوتاسيوم.

ويقول تحليل بقناة "سي أن بي سي" الأميركية، إن سوق "وول ستريت" قلقة للغاية بشأن احتمال حدوث مشكلة في إمدادات البوتاسيوم المستوردة من إسرائيل. وأدى هذا القلق لحدوث قفزات كبيرة في وقت سابق من هذا الأسبوع في أسعار البوتاسيوم، إذ ارتفعت بنسبة 7% بعد عملية "طوفان الأقصى" يوم السبت.

وحتى نهاية تعاملات الأربعاء، تراجع مؤشر الأسهم الإسرائيلية الرئيسي بنسبة 6%، ولا يستبعد محللون أن تقدم وكالات تصنيف دولية على خفض تصنيف السندات السيادية الإسرائيلية. وكانت هناك تحذيرات من وكالات التصنيف بشأن ديون إسرائيل حتى قبل انطلاق عملية "طوفان الأقصى".

وعلى مستوى الأصول الآمنة، ترى الخبيرة المالية الأميركية، كاثلين بروكس في تحليل بموقع "أتش أل" الأميركي، المتخصص في تحليل الأسواق المالية، أن العوامل الجيوسياسية التي ترتبت على عملية "طوفان الأقصى" يمكن أن تؤدي إلى تدفق الأموال إلى أصول "الملاذ الآمن"، وهي مجموعة من الاستثمارات التي من المتوقع أن تحافظ على قيمتها أو تزيد في حالة حدوث أزمة جيوسياسية أو إرهاب أو كوارث طبيعية.

 

وتشمل استثمارات الملاذ الآمن الأكثر شيوعاً الذهب، وسندات الخزانة الأميركية قصيرة الأجل، وبعض العملات مثل الدولار والين الياباني، والفرنك السويسري. كما تعتبر بعض الأسهم الدفاعية أيضًا ملاذات آمنة، على سبيل المثال، أسهم المرافق والطاقة والسلع الاستهلاكية الأساسية. ومن غير المستغرب أن ترتفع أسهم الطاقة في مختلف أنحاء العالم بشكل حاد في أعقاب الهجمات مباشرة. ويلاحظ ارتفاع أسهم قطاع الطاقة بأكثر من 3% في الولايات المتحدة.

وتقول الخبيرة بروكس، إن أصول الملاذ الآمن تميل إلى أن تكون أكثر سيولة، مما يعني أنها أسهل في الشراء والبيع. ولكن هناك دلائل تشير إلى أن أصول الملاذ الآمن التقليدية، بما في ذلك ديون الحكومة الأميركية والدولار، بدأت تفقد قوتها في الأزمات في الآونة الأخيرة.

وتشير في هذا الشأن، على سبيل المثال، إلى أن بحثاً أجراه المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية في الولايات المتحدة أظهر ارتفاع قيمة الدولار في مارس/آذار من العام 2020 في ذروة الوباء، ولكنه لاحظ أن درجة ارتفاع قيمته مقابل العملات الأخرى كانت أقل مما كانت عليه خلال الأزمة المالية في العام 2008.