مع مواصلة روسيا اتصالاتها مع حركة "طالبان" الأفغانية التي سيطرت على كابول بعد الانسحاب الأميركي، وصدور إشارات إيجابية من موسكو حيال الحركة، تتجه عيون الشركات الروسية العملاقة إلى أفغانستان من جهة تقييم المخاطر والمكاسب جراء تحقيق مشاريع في هذا البلد الذي مزقته الحروب والتدخلات الخارجية على مدى عقود طويلة.
ولكن مع تصاعد الفوضى والتفجيرات الأخيرة حول مطار كابول، زادت التهديدات لطموح روسيا الاقتصادي بأفغانستان.
ورغم ذلك تواصل موسكو مساعيها من أجل تعزيز التعاون من جارتها، ومن بين المجالات التي قد تجد روسيا فيها موطن قدم في أفغانستان، استخدام الأراضي الأفغانية لنقل الغاز الروسي إلى أسواق جنوب آسيا وتطوير المناجم في أفغانستان نفسها.
وكانت "طالبان" قد أعلنت عن عزمها استكمال مشروع خط أنابيب الغاز "تابي" الممتد من جمهورية تركمانستان السوفييتية السابقة مروراً بأفغانستان وباكستان ووصولاً إلى الهند.
وفي ظل الترابط بين المنظومتين الروسية والتركمانية لنقل الغاز منذ الحقبة السوفييتية، فإن مشروع "تابي"، في حال تحقيقه، سيتيح لروسيا تصدير الغاز إلى أسواق جنوب آسيا مثل الهند وباكستان من دون تسييله، وفق ما يوضحه رئيس المركز الأوراسي للتحليل في موسكو، نيكيتا ميندكوفيتش، قائلاً في حديث لـ"العربي الجديد": "قد تشارك روسيا في مشروع "تابي" من جهة إعادة تصدير الغاز الروسي عبر تركمانستان، مما سيتيح لها نقل غاز الأنابيب وليس المسال إلى جنوب آسيا".
وحول رؤيته لتأثير تعاون روسيا مع حركة "طالبان" المصنفة أممياً إرهابية على صورة موسكو على الساحة الدولية، يضيف: "في جميع الأحوال، من المستبعد أن تتعاون روسيا مع الإرهابيين، وإنما مع الشعب الأفغاني. كانت موسكو تتمنى التعامل مع الحكومة الأفغانية المعترف بها، ولكن الانسحاب الأميركي لم يترك لها خياراً سوى التواصل مع من هو المتحكم الفعلي على الأرض".
وفيما يتعلّق بالمجالات التي يمكن لروسيا وأفغانستان التعاون فيها، يضيف: "نظراً لضعف قوتها الشرائية، لن تكون أفغانستان وجهة مهمة للصادرات الروسية، ولكن شركات التعدين الروسية قد تهتم باستثمار مناجم الحديد الخام والليثيوم وغيرهما من الموارد في أفغانستان، ولكن فقط بعد بسط الأمن، إذ إن التعدين سيتطلّب وجوداً روسياً دائماً مقارنة مع نقل الغاز. وفي الوقت الحالي، أصبحت التنظيمات الإرهابية تشعر بحريتها في أفغانستان، مما يستبعد إمكانية عمل الشركات الروسية على الأرض".
وانطلقت أعمال بناء خط "تابي" البالغة طاقته التمريرية 33 مليار متر مكعب سنوياً في عام 2018، ولكنها تعثرت سريعاً. وفي فبراير/ شباط الماضي، عُقد في العاصمة التركمانية عشق آباد لقاءٌ لمناقشة مصير الخط.
إلا أن نائب مدير صندوق أمن الطاقة الوطني في موسكو، أليكسي غريفاتش، يقلل من واقعية استكمال المشروع، قائلاً في تعليق لـ"العربي الجديد": "أعتقد أن آفاق المشروع ليست مبشرة، سواء قبل تغيير السلطة في أفغانستان أو بعدها. يتطلب تحقيق مشاريع نقل الغاز مجالاً من التعاون والأمن الدوليين، وهذان المكونان غير متوفرين في أفغانستان حالياً".
ولا تنظر روسيا إلى أفغانستان من جهة التحديات الاقتصادية البحتة فحسب، وإنما أيضاً الاجتماعية منها نظراً للحدود المشتركة بين أفغانستان وثلاث جمهوريات سوفييتية سابقة، تركمانستان وأوزبكستان وطاجكستان، مما يزيد من مخاوف تصاعد المشكلات الاجتماعية مثل حركة اللاجئين والمهاجرين عبر الحدود.
إلا أن رئيس المركز الأوراسي للتحليل في موسكو يعتبر أن أكبر تهديد اجتماعي لروسيا والدول المحيطة جراء الوضع في أفغانستان هو تهريب السلاح والمخدرات.
ويقول: "المهاجرون حالياً هم المشكلة الأقل حدة، إذ إن "طالبان" تفرض قيوداً على مغادرة البلاد. ولكنه قد تتشكل مجموعات جديدة لتجارة المخدرات لتهريبها إلى دول الجوار.
كما أن هناك مشكلة كثرة السلاح بين أيدي "طالبان" التي حصلت عليه متروكاً من قبل الولايات المتحدة".
وعلى الصعيد الرسمي، أكد السفير الروسي لدى أفغانستان، دميتري جيرنوف، في أثير قناة "سولوفيوف لايف" على "يوتيوب" الأربعاء الماضي، انفتاح "طالبان" على المشاركة الروسية في الاقتصاد الأفغاني، بما في ذلك استثمار أعماق الأرض، محوّلاً الأمر إلى قطاع الأعمال الروسي.
من جهتها، لفتت صحيفة "فيدوموستي" الروسية المتخصصة في الشأن الاقتصادي إلى أن بدء "طالبان" الحوار مع الأجانب والحصول على العون الاقتصادي مرهونان بشطب الحركة من قائمة الأمم المتحدة للتنظيمات الإرهابية، مما دفع بـ"طالبان" بتقديم وعود بتشكيل حكومة ائتلافية، والعفو عن جميع الموظفين والعسكريين بالجيش السابق المتعاون مع الولايات المتحدة، والكف عن التمييز بحق المرأة.
وأشار مدير صندوق فرانكلين روزفلت لدراسة الولايات المتحدة بجامعة موسكو الحكومية، يوري روغوليف، إلى أن الاقتصاد الأفغاني ضعيف ومن المستحيل استخراج أموال منه من دون دعم خارجي، وحتى استثمار المكامن الطبيعية غير وارد من دون خبراء أجانب.