طفرة النفط الإيراني.. إعادة توزيع حصص السوق دون خفض الأسعار

03 مارس 2024
تبلغ تقديرات احتياطيات النفط في إيران نحو 340 مليار برميل (Getty)
+ الخط -

واصل إنتاج النفط الإيراني طفرة صعوده ليبلغ نحو 3.45 ملايين برميل في فبراير/شباط الماضي، ما عظم من صادرات طهران، التي يتوجه 90% منها إلى الصين، ما أثار تساؤلات المراقبين حول تأثر حصة دول الخليج من النفط المورد إلى أكبر مستورد للنفط في العالم.

ويمثل هذا الارتفاع في إنتاج النفط الإيراني على مدى العامين الماضيين نسبة 60% رغم العقوبات الأميركية على طهران، بحسب الرئيس التنفيذي لشركة النفط الوطنية الإيرانية "نيوك"، محسن خوجاشمهر، مشيرا إلى خطط لزيادة إنتاج بلاده من النفط إلى 5.7 ملايين برميل يوميًا، بالإضافة إلى 1.5 مليار متر مكعب يوميًا من الغاز، حسبما أوردت وكالة الأنباء الإيرانية "إرنا". 

ويعتمد رفع الإنتاج الإيراني على تطوير حقول النفط، وعلى رأسها حقل آزادكان المشترك مع العراق، والمصنف ضمن أكبر 10 حقول عالمية، ولذا يكتسب أولوية في التطوير لدى طهران، إذ تجري عملية تطويره على مساحة 440 كيلومترًا مربعًا بمرحلتين تستهدفان إنتاج 320 ألف برميل يوميًا و280 ألف برميل يوميًا على الترتيب، عبر حفر 185 بئرًا جديدة، بحسب خوجاشمهر.

وبلغت صادرات إيران من النفط والغاز، خلال الأشهر الـ 10 الأولى من العام المالي الجاري الذي بدأ في 21 مارس/آذار الماضي، نحو 30 مليار دولار، بزيادة 23 مليار دولار عما كانت عليه قبل 3 أعوام؛ إذ كانت تُصدر حينها بـ7 مليارات دولار، وفقا لما نقلته وكالة "شانا" الإيرانية عن وزير النفط، جواد أوجي. 

وتبلغ تقديرات احتياطيات النفط في إيران نحو 340 مليار برميل من النفط المكافئ، بجانب احتياطيات غير تقليدية، بحسب خوجاشمهر، مشيرا إلى توقيع عقود كبيرة لزيادة إنتاج بلاده من النفط في المستقبل. 

الطلب الصيني على النفط الإيراني

غير أن الخبير الاقتصادي، نهاد إسماعيل، لا يرى في زيادة إنتاج النفط الإيراني تهديدا للطلب الصيني على نفط الخليج، مشيرا إلى أن التصدير الإيراني للصين ارتفع إلى 1.45 مليون برميل في الشهور الماضية، ومع ذلك لم يتأثر الطلب الصيني على النفط السعودي والإماراتي، حسبما صرح لـ "العربي الجديد". 

ويوضح إسماعيل أن السعودية تصدر حوالى 1.9 مليون برميل نفط يوميا للصين، وقد يرتفع هذا الرقم أو ينخفض قليلا حسب حركة المصافي الصينية، كما أن التصدير الإماراتي ارتفع بنسبة 6% عام 2023 مقارنة بعام 2022. 

ورغم أن إيران لديها طموح لرفع الإنتاج النفطي الى ما يزيد على 5 ملايين برميل يوميا بعد إكمال 50 مشروعا بقيمة 48 مليار دولار، إلا أن إسماعيل يلفت إلى أن نسبة ما تستورده الصين من النفط الإيراني تمثل 10% فقط من إجمالي وارداتها، بينما تأتي 90% من تلك الواردات عبر مصادر بديلة، على رأسها: روسيا والسعودية والإمارات والعراق والكويت.

ويتوقع إسماعيل أن تتسبب عودة إيران الكاملة لأسواق النفط في "تأثير قليل" على حصص الإنتاج في منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك"، دون تعدي ذلك إلى انخفاض في الأسعار.

وقدرت وكالة الطاقة الدولية الإنتاج النفطي الإيراني عام 2023 بنحو 3 ملايين برميل يوميا، "ومع تفعيل بعض المشروعات سيرتفع هذا الرقم لكنه لن يهدد معدلات تصدير الدول الخليجية"، حسب ترجيح إسماعيل. 

النفط الإيراني يتجاهل العقوبات

ويشير الخبير الاقتصادي، وضاح طه، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أن تأثير طفرة إنتاج النفط الإيراني مرتبط بالتوجهات الأميركية "التي لا تستند إلى مبررات تلتزم بها الولايات المتحدة"، حسب تعبيره، موضحا أن هناك جانبا سياسيا يتحكم بالقرارات الأميركية، خصوصا تلك المتعلقة بالعقوبات على إيران.

"فالعقوبات جرى فرضها لأسباب لا تزال قائمة، لكن التساهل الأميركي تجاه تلك العقوبات بات واضحا جدا، ليس فقط على إيران، بل على فنزويلا أيضا كلاعب أساسي في سوق النفط، إذ تملك أكبر احتياطي عالمي من الخام"، بحسب طه. 

ويرى طه أن "الهدف الأساسي من التساهل الأميركي بشأن العقوبات على إيران يتمثل في السماح للمعروض من النفط الخام بالارتفاع لتقليل تأثير قرارات تكتل "أوبك+" على السوق النفطية، وبالتالي المساهمة بشكل فعال في تخفيض أسعار النفط عالميا".

"فلدى الغرب مشكلة تضخم، ترتبط بارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، وكلاهما سلعتان تؤثران على معدل التضخم، وبالتالي تحاول الولايات المتحدة التأثير على هذا المعدل بتقليل أسعار الوقود والطاقة من خلال زيادة المعروض"، بحسب طه.

ويضيف أن "زيادة المعروض النفطي تعني تجاهل العقوبات الأميركية على إيران بشكل خاص، لأن الحالة في فنزويلا جرى ترتيبها بشكل مباشر عبر أعضاء من الكونغرس ليتم تنظيم عملية تصدير النفط حتى إلى الولايات المتحدة نفسها". 

"وإيران بالتأكيد مستفيدة من هذا الوضع، إضافة إلى الصين التي تحصل على نفط خاضع للعقوبات بأسعار مخفضة تماما كما تحصل على النفط الروسي بأسعار مخصومة، بحسب طه"، مشيرا إلى أن "ذلك أثر على الدول التي كانت عادة تحتل مراكز مهمة في واردات الصين النفطية، ومنها السعودية".

تبديل مراكز بين كبار مصدري النفط

ويشير طه، في هذا الصدد، إلى أن "كوريا الجنوبية لا تستخدم النفط الإيراني، بينما كانت إيران قبل العقوبات بين كبار المصدرين إليها، وبالتالي فمن الواضح أن هناك "تبديلا للمراكز" بين المنتجين المصدرين للنفط الخام"، مضيفا أن "إيران كانت تستخدم أساليب مختلفة للتهرب من العقوبات عبر تهريب النفط، منها تصديره باسم دول محيطة بإيران أو قريبة منها".

"ولذا فإن إيران تشعر بارتياح كبير لتمكنها من التصدير للصين، التي لا تكترث بالعقوبات، خاصة في ظل تساهل الولايات المتحدة، التي أصبحت تغض النظر عن كثير منها"، بحسب طه، الذي يرجح "حدوث تغيير في خارطة مزودي النفط الرئيسيين للدول الآسيوية بوجه عام وللصين بوجه خاص". 

ومع ذلك، يلفت طه إلى أن "دول الخليج العربية المنتجة للنفط، والمنضوية تحت مظلة تكتل "أوبك+"، وعلى رأسها السعودية، ليس لديها مشكلة في مستحدثات السوق طالما أن الطلب على النفط مستمر، ولم تصل السوق إلى حالة تشبع أو انخفاض للصادرات".

المساهمون