ضربة موجعة من الدولار لليوان الصيني: أكبر انخفاض منذ 14 عاماً

28 سبتمبر 2022
توقعات متفاوتة حول مصير اليوان (Getty)
+ الخط -

تلقى اليوان الصيني، الأربعاء ضربة قاسية جداً مع هبوطه إلى أدنى مستوى خلال 14 عاماً مقابل الدولار، كما انخفض اليوان المتداول دولياً إلى أدنى مستوى له منذ أن أصبحت البيانات متاحة لأول مرة في عام 2011، فيما وصل الدولار اليوم إلى أعلى مستوى له في 20 عاماً مقابل مجموعة من العملات العالمية الرائدة.

يأتي التراجع رغم جهود البنك المركزي الصيني لوقف التراجع بعدما دفع ارتفاع أسعار الفائدة الأميركية المتداولين إلى تحويل أموالهم إلى دولارات بحثاً عن عائدات أعلى. وانخفض اليوان بأكثر من 11% مقابل الدولار الأميركي المعزز هذا العام.

ويساعد ضعف اليوان المصدرين الصينيين على خفض أسعار منتجاتهم في الخارج، لكنه يتسبب في الوقت ذاته في هروب رأس المال خارج البلاد، ما يرفع التكلفة أمام المقترضين الصينيين ويعيق جهود الحزب الشيوعي الحاكم لتعزيز النمو الاقتصادي.

وانخفض اليوان إلى 7.2301 أمام الدولار، وهو أدنى مستوى له منذ يناير/ كانون الثاني 2008. وتجاوزت العملة التوقعات بالانخفاض بعد أن بدأ الاحتياطي الفيدرالي رفع أسعار الفائدة بشكل كبير لخفض التضخم الذي بلغ أعلى مستوى له خلال أربعة عقود.

انزلاق بسبب الدولار

ورفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة خمس مرات هذا العام، مشيراً إلى احتمال حدوث المزيد من الرفع.

وعلى النقيض من ذلك، خفض بنك الصين الشعبي أسعار الفائدة لتعزيز النمو الذي انخفض إلى 2.2 بالمائة خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2022، أي أقل من نصف الهدف الرسمي بالوصول إلى 5.5 بالمائة.

وتسمح السلطات الصينية لليوان بالتذبذب صعوداً أو هبوطاً بنسبة 2 بالمائة عن سعره الأساسي يومياً في تداول خاضع للسيطرة، وهو ما يحول دون وقوع تقلبات يومية كبيرة، لكن الأيام التي تشهد انخفاضاً لليوان يمكن أن تشكل تغييراً كبيراً بمرور الوقت.

لدعم سعر الصرف، خفضت بيكين مقدار الودائع بالعملات الأجنبية المطلوب من البنوك الصينية الاحتفاظ بها كاحتياطيات من 8 إلى 6 بالمائة اعتباراً من 15 سبتمبر/ أيلول. وهذا يزيد من مبلغ الدولارات والعملات الأجنبية الأخرى المتاحة لشراء اليوان، الأمر الذي من شأنه أن يرفع سعر الصرف.

وترى إيريس بانغ، من شركة آي إن جي، أنه من غير المرجح أن يوقف خفض الاحتياطي هذا الانزلاق الذي يحركه "الدولار الأميركي القوي وتوقع قيام الاحتياطي الفيدرالي برفع الفائدة عدة مرات".

تعارض السياسات

وتتعارض سياسات الصين تماماً مع تلك التي تتبعها الولايات المتحدة الاميركية في التعامل مع أزمة التضخم، وتباطؤ النمو.

وقام بنك الشعب الصيني بتخفيض أسعار الفائدة لإحياء النمو في اقتصاد دمرته عمليات الإغلاق، بينما يتحرك بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بقوة في الاتجاه المعاكس حيث يحاول السيطرة على التضخم.

وقال جوزيف كابورسو، رئيس قسم الاقتصاد الدولي والمستدام في بنك الكومنولث الأسترالي، لشبكة "بي بي سي"، إن "مثل هذا الاختلاف ليس مشكلة بالكامل. إن انخفاض قيمة العملة يمكن أن يكون في الواقع مفيداً للمصدرين داخل الصين، لأنه سيجعل سلعهم أرخص، وبالتالي قد يزيد الطلب".

ومع ذلك، فإن الصادرات لا تشكل سوى 20% من الاقتصاد الصيني هذه الأيام، لذا فإن ضعف اليوان لن يحل المشكلة الأساس محلياً الناجمة إلى حد كبير عن استراتيجية بكين لمكافحة كوفيد وأزمة العقارات، على حد قول كابورسو.

ويمكن أن تؤدي العملة الأضعف أيضاً إلى قيام المستثمرين بسحب أموالهم من البلاد وعدم اليقين في الأسواق المالية، وهو أمر سيرغب المسؤولون الصينيون في تجنبه مع انعقاد مؤتمر الحزب الشيوعي الشهر المقبل.

والأسواق الناشئة في آسيا معرضة للخطر أيضاً، حيث تبيع المواد الخام والمكونات للمصانع الصينية، وبالتالي أصبحت تعتمد بشكل متزايد على اليوان. واتهمت واشنطن في الماضي الصين بتخفيض قيمة عملتها عن عمد للحفاظ على الصادرات رخيصة والواردات من الولايات المتحدة باهظة الثمن.

قال مصدر لوكالة "رويترز" الثلاثاء إن السلطات النقدية الصينية طلبت من البنوك المحلية إحياء أداة تثبيت اليوان التي تخلت عنها قبل عامين في إطار سعيها لتوجيه العملة الآخذة في الضعف بسرعة والدفاع عنها.

وتابع المصدر، المطلع على عملية تحديد سعر اليوان، إن "السلطات النقدية تحث البنوك على تضمين ما يسمى بعامل التقلبات الدورية في عمليات التثبيت اليومية لسعر الصرف المُدار بإحكام".

والتعديل أجراه 14 بنكاً على أسعار اليوان التي يستخدمها بنك الصين الشعبي (PBOC) لتعيين المعدل المرجعي اليومي، مما يؤدي بشكل فعال إلى التحيز لمعدل التثبيت. وتم التخلي عنه في عام 2020 عندما ارتفع اليوان بشكل حاد، وقررت السلطات السماح لقوى السوق بإملاء المعدل الذي يُسمح لليوان بالتحرك حوله.

وقام بنك الشعب الصيني بتطبيق تدابير نقدية هذا الشهر، مما أدى إلى زيادة تكلفة البيع على المكشوف للعملة عن طريق خفض مبلغ العملات الأجنبية التي يجب أن تحتفظ بها المؤسسات المالية كاحتياطيات وإعادة متطلبات احتياطي المخاطر على العملات المشتراة من خلال العقود الآجلة.

توقعات متشائمة

ومثل معظم عملات الأسواق الناشئة، تعرض اليوان لضربات هذا العام بسبب مزيج من سياسات الاحتياطي الفيدرالي والمخاوف بشأن تباطؤ النمو العالمي. ومع ذلك، فإن انخفاض اليوان في الأشهر الأخيرة لافت للنظر، بحسب "وول ستريت جورنال".

ولفتت الصحيفة الأميركية في تحليل إلى أن الجمع بين الصادرات الصينية التي لا تزال قوية، والواردات الهزيلة، بفضل الكساد العقاري، فإن الفائض التجاري للصين كان قريباً من مستويات قياسية في معظم عام 2022. واستناداً إلى بيانات ميزان المدفوعات، فائض تجارة السلع الصينية بلغ في الربعين الأول والثاني 145 مليار دولار و176 مليار دولار على التوالي، أي أقل بقليل من الرقم القياسي ربع السنوي البالغ 187 مليار دولار الذي تحقق في أواخر عام 2020.

ولكن من المرجح جدا أن تفقد الصادرات المزيد من الزخم، فأوروبا على شفا ركود سيئ، وكانت ثقة المستهلك الأميركي، التي تميل إلى التأثير بشكل كبير على نمو الصادرات الصينية، في اتجاه هبوطي حاد منذ أوائل عام 2022. كذلك، أدت عمليات الإغلاق الخاصة بفيروس كورونا والحملة ضد الفساد وغير ذلك إلى وضع الاقتصاد الصيني في مسار مجهول.

وطالما أن بيع اليوان لا يتحول إلى ذعر، فقد لا تعتبره بكين سلبياً. إذ سبق وتراجع اليوان في عام 2019 خلال التوتر التجاري مع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، ليرتفع مجدداً في وقت لاحق، وفق شبكة "آي بي سي" الأميركية.

المساهمون