- الجزء الأكبر من الإيرادات الضريبية يُوجه الآن لسداد الديون الخارجية والأعباء المالية، بما في ذلك ديون صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، مما أدى إلى ارتفاع الديون الخارجية لمصر إلى 168 مليار دولار بنهاية 2023.
- العبء المالي للديون يحد من الإنفاق على الخدمات الأساسية، مما يترك مبلغاً ضئيلاً للصحة والتعليم والدعم الاجتماعي، ويطرح تساؤلات حول استدامة النظام المالي وقدرته على تحسين مستوى معيشة المواطنين.
لو سألت واحداً من مموِّلي الضرائب في مصر سؤالاً بسيطاً: ما مصير مئات أنواع الضرائب والرسوم التي تقوم بسدادها ليل نهار سواء عن دخلك وراتبك، أو السلع التي تشتريها من محال البقالة، أو الرسوم الحكومية وغيرها؟ سيردّ عليك بأن الإجابة الطبيعية للسؤال هي أن المصريين يدفعون ضرائبهم للخزانة العامة للدولة.
ومن هذه الحصيلة يتم الإنفاق على بنود الموازنة المختلفة، وفي مقدمتها سداد الرواتب والأجور، وتمويل مخصصات التعليم والصحة والدعم والمنح والمزايا الاجتماعية، وإقامة مشروعات البنية التحتية ومدّ شبكات المياه والطرق والكهرباء وتحسين الخدمات العامة وغيرها.
لكن هذه الإجابة تبقى ناقصة، وربما باتت غير دقيقة أصلاً في ظل التطورات التي جرت بشأن الالتزامات الخارجية المستحقة على الدولة المصرية والتي قفزت بمعدلات غير مسبوقة في السنوات الأخيرة بسبب السفه في الاقتراض الخارجي والمحلي على حد سواء، وإهدار المال العام على بعض المشروعات والفعاليات التي لا تمثل قيمة مضافة للدولة والمواطن.
الحقيقة تقول إن المصريين باتوا يدفعون الجزء الأكبر من ضرائبهم لسداد أموال الدائنين الدوليين، وأقساط قروض صندوق النقد والبنك الدوليين، وقيمة الأعباء المستحقة على ودائع دول الخليج وقروض البنك الأفريقي للتنمية والدول الدائنة وغيرها من الجهات التي لها مستحقات على مصر بلغت قيمتها 168 مليار دولار حتى نهاية العام الماضي 2023 وفق الأرقام الرسمية. هذا السداد يظهر في شكل غلاء متواصل في أسعار السلع والخدمات وخصم متواصل من دعم سلع مهمة كالوقود والكهرباء والمواصلات العامة وغيرها.
تعالوا نضرب مثلاً بأعباء الدين الخارجي في عام واحد، فنظرة لأحدث الأرقام، فقد رفع البنك المركزي المصري تقديراته لقيمة أقساط وفوائد الديون المستحقة على الدولة خلال العام الجاري 2024 إلى 36.362 مليار دولار؛ بارتفاع 1.4 مليار دولار مقارنة بتقديراته السابقة في مارس الماضي البالغة نحو 34.921 مليار دولار.
وهذا يعني أن 1705 مليارات جنيه من أموال دافعي الضرائب في مصر ستوجه لسداد بند واحد هو سداد أعباء الديون الخارجية للعام الجاري بأسعار صرف يوم الأربعاء وهو 47.89 جنيهاً للدولار، وهو ما يعني أن المواطن لن يستفد شيئا من تلك الأموال الضخمة التي يقوم بسدادها لخزانة الدولة، لا في شكل تحسن خدمات، أو حتى صورة زيادة راتب، أو زيادة بنود الدعم أو حتى الإبقاء على رقمه.
أما بالنسبة إلى الكارثة الأكثر، فإن الأرقام تقول إن أعباء الدين العام للدولة فلت عيارها، وباتت تلتهم الجزء الأكبر من حصيلة الضرائب التي تمثل أكثر من 70% من إيرادات الدولة.
فوفق الأرقام الرسمية أيضاً فقد قفزت فوائد الدين العام في مشروع موازنة السنة المالية الحالية (2024-2025) من 1.120 تريليون جنيه إلى 1.834 تريليون جنيه، بزيادة 714.4 مليار جنيه، وبارتفاع نسبته 63.77%، على خلفية توسع الحكومة في الاقتراض الخارجي، وتراجع قيمة الجنيه، أي إن ما يزيد على 1.8 تريليون جنيه من أموال الضرائب سيوجه لسداد بند واحد فقط هو أعباء الدين العام لهذا العام. وهذا الرقم مرشح للزيادة مع قفزة دين مصر إلى 8.6 تريليون جنيه في نهاية يونيو الماضي بزيادة 36.5% عن العام الماضي.
هذا يعني أن ما يتبقى من الإيرادات الضريبية للدولة المقدرة لهذا العام بنحو 2.2 تريليون جنيه يبلغ أقل من 400 مليار جنيه، وهو مبلغ لا يغطي بنداً واحداً هو مخصصات الأجور وتعويضات العاملين التي قفزت في موازنة الدولة من 470 مليار جنيه إلى 575 ملياراً لهذا العام.
السؤال: ماذا تبقى من إيرادات الدولة لإنفاقه على المواطن، سواء في شكل صحة وتعليم أو دعم وحماية اجتماعية؟ وهل ستظل الخزانة العامة تعتمد على الاقتراض في تسيير نشاطها، مع تحميل الكلفة كاملة للمواطن دون احداث قفزة في الخدمات المقدمة له ومستوى المعيشة والأسعار.