يعتبر خبراء في صندوق النقد الدولي، أن إدارة المخاطر بشكل أقوى يمكن أن تقلل المفاجآت التي يمكن أن تواجه الموازنة وتتيح للبلدان في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التنمية على نحو أفضل.
تلك خلاصة ورقة بحثية نشرها أمس الاثنين، خبراء في الصندوق ممثلين في أنطوانيت مونسيو ساييه، نائبة المديرة العامة، ومحمود حرب الاقتصادي في إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، وجاك شعراوي، الاقتصادي الأول في إدارة شؤون المالية العامة في المؤسسات المالية الدولية.
ولاحظ أولئك الخبراء، أنه "في عالم يتسم بعدم اليقين، كثيرا ما ينتهي المآل بإيرادات الموازنة ونفقاتها بعيدا عن خطط الحكومة".
وأشارت الورقة إلى أن "تقلب النمو وارتفاع إعانات الدعم والمؤسسات المملوكة للدولة التي تسجل خسائر، عوامل تعرض الكثير من الاقتصادات منخفضة ومتوسطة الدخل في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لتلك المخاطر".
وأضافت الورقة أن "تلك العوامل تقترن بالتطورات الخارجية المعاكسة من قبيل الزيادة الأخيرة في أسعار الفائدة والارتفاعات في أسعار الغذاء والوقود، ما يفرض ضغوطا على الموارد العامة في الكثير من البلدان".
وأكدوا أن "المنطقة المعرضة للمخاطر على المالية العامة خصوصاً، هي تلك التي تضم الاقتصادات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وباكستان ما عدا بلدان الخليج مرتفعة الدخل".
ووفقا للورقة، فإن "المخاطر الصغيرة على المالية العامة تحدث في البلدان كل عام. والأهم من ذلك أن الصدمات الأكبر التي تؤدي إلى ارتفاع الدين بمتوسط نسبته 12% من إجمالي الناتج المحلي تحدث مرة كل 8 سنوات في المتوسط".
وشدد الخبراء على أنه "رغم تواتر تلك الأحداث، فإن صناع السياسات يفاجؤون بها، وتجبرهم الصدمات على اللجوء إلى تخفيضات في الإنفاق على التنمية وأولويات أخرى".
وهو ما يؤدي إلى "الحد من قدرة بلدان كثيرة على استخدام سياسة المالية العامة في تمهيد أثر تباطؤ النشاط الاقتصادي، وذلك تحديدا عندما تكون هناك حاجة ماسة إليها".
3 مخاطر مالية
ويتمثل أول المخاطر، حسب خبراء الصندوق، في النمو المتقلب أكثر منه في المناطق الأخرى من العالم، زيادة على الارتهان الزائد لإيرادات الموارد بين البلدان المصدرة للهيدروكربونات، كما هي الحال في الجزائر والعراق وليبيا، ناهيك عن شيوع الدعم الشامل على الغذاء والطاقة، ما يعرض، في تصورهم، الموازنات لتقلبات أسعار السلع الأولية.
ويحددون، الخطر الثاني، فيما يعتبرونه ملكية الدولة لشركات غير مالية ومصارف، حيث يفضي ذلك إلى التزامات كبيرة تتحملها الحكومة.
وضرب الخبراء مثلا بخسائر تشغيل تتكبدها شركة عامة عاملة في الكهرباء أو المياه، ما يضطر الحكومة إلى تقديم مساعدة مالية كي تستمر في تقديم خدماتها.
كما أن مؤسسات مملوكة للدولة في المنطقة تعرف ضعفا ماليا، ما يستدعي لجوء الدولة إلى ضخ نقدي منتظم، وهو ما يجد سببه في كون تلك المؤسسات تعمد إلى بيع السلع والخدمات بسعر أقل من أسعار السوق أو توفير وظائف بدلا من إدارتها على أساس تجاري سليم.
كما أن بعض عقود الشراكة بين القطاع القطاعين العام والخاص، قد تضطر الدولة إلى تعويض الشريك الخاص في حال كانت الحصيلة أقل من المتوقع.
ويرون أن الخطر الثالث، سيأتي من كون الموارد العامة للمنطقة معرضة للأحداث المتطرفة النادرة، والتي يمكن أن تكون عواقبها وخيمة على المالية العامة، مثل الكوارث الطبيعية والمناخية أو الصراعات الاجتماعية وعدم الاستقرار.
ويمكن أن يؤدي ذلك إلى عرقلة الأنشطة الاقتصادية وتدمير البنية التحتية، وتفضي إلى بروز احتياجات إضافية للإنفاق وتضعف القدرات المؤسسية وتتسبب في نزوح السكان.
وأوصى التقرير بإعداد تقييم للمخاطر على المالية العامة يتسم بالشفافية، وإنجاز اختبارات قياس القدرة على تحمل الضغوط على المالية العامة من أجل الوصول لفهم أعمق للمخاطر على المالية العامة واحتمالية حدوثها وتأثيرها الممكن.
ودعا إلى اتخاذ تدابير لتخفيف آثار المخاطر، من خلال بناء احتياطيات مالية وقائية لتغطية النفقات غير المتوقعة، ووضع أطر للمالية العامة متوسطة الأجل باستخدام ركائز معرفة بوضوح للدين والعجز.
وأضاف التقرير أنه يمكن للأطر الاقتصادية الكلية الأكثر صلابة أن تقلل من تقلبات النمو. بالإضافة إلى الانخراط في إصلاحات الحوكمة وعمليات بيع الأصول أن تكبح الالتزامات الاحتمالية أو تقلل فرص تحققها.
ولا يحيد صندوق النقد الدولي عن توصياته التي تلح على خفض الدين وعجز الموازنة، وهو ما يتجلى، حسب الاقتصادي المغربي محمد الشيكرا، عبر دعوة الصندوق المتواصلة إلى خفض الإنفاق على الدعم والتخفف من الشركات المملوكة للدولة عبر الخصخصة.
وأضاف لـ"العربي الجديد" أن "مقاربة الصندوق تلك منتقَدَة، إذ تركز على مخاطر الإنفاق من دون أن تلتفت كثيرا لمخاطر عدم الحرص على تعبئة الموارد الجبائية عبر العمل على توزيع العبء الجبائي بما يحقق العدالة الجبائية".
وأكد أن "مؤسسات بروتن وودز لا تراجع كثيرا مسلماتها والتوصيات التي تلح على الدول في تطبيقها".