صندوق النقد يرسم صورة وردية للاقتصاد العالمي رغم التوترات الجيوسياسية

30 يناير 2024
المقر الرئيسي لصندوق النقد الدولي في العاصمة الأميركية واشنطن (Getty)
+ الخط -

حدّث صندوق النقد الدولي توقعاته للاقتصاد العالمي هذا العام، متصوراً نمواً مرناً لاقتصادات العالم، بقيادة الولايات المتحدة، مع تباطؤ ملحوظ في وتيرة التضخم في معظم البلدان، رغم التوترات الجيوسياسية في العديد من البقاع حول العالم.

وفي تقرير آفاق الاقتصاد العالمي، قالت مؤسسة الإقراض التي تضم 190 دولة، اليوم الثلاثاء، إنها تتوقع الآن نمو الاقتصاد العالمي بنسبة 3.1% هذا العام، دون تغيير عن عام 2023، ولكن أفضل من 2.9% التي توقعتها في تقديرها السابق في أكتوبر/تشرين الأول.

وتوقع صندوق النقد الدولي انخفاض التضخم العالمي من 6.8% في عام 2023 إلى 5.8% في عام 2024، و4.4% في عام 2025. وفي معظم الاقتصادات المتقدمة، توقعت المؤسسة انخفاض التضخم هذا العام إلى 2.6%، وفي العام المقبل إلى مستوى 2%، وهو المستوى المستهدف من العديد من البنوك المركزية، وفي مقدمتها بنك الاحتياط الفيدرالي الأميركي.

وكان الجمع بين النمو المطرد وانخفاض التضخم، على النحو الذي شهدته الاقتصادات الكبرى، سبباً في رفع الآمال في ما يسمى الهبوط الناعم للاقتصاد العالمي، والذي يقصد به تحقيق التباطؤ في الاقتصاد بدرجة كافية لاحتواء التضخم، من دون التسبب في الركود.

وقال بيير أوليفييه جورينشاس، كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي، للصحافيين قبل صدور التقرير: "نحن الآن في المنحدر النهائي نحو الهبوط الناعم".

وتتخلف توقعات النمو العالمي الإجمالي هذا العام والعام المقبل، والأخير قدره الصندوق بمعدل 3.2%، عن المتوسط البالغ 3.8% في الفترة من عام 2000 إلى عام 2019. ويرجع هذا جزئيا إلى قيام بنك الاحتياط الفيدرالي والبنوك المركزية الأخرى باتباع أكثر السياسات النقدية تشددا في عقود، لمحاربة التضخم المرتفع، وما نتج عن ذلك من ارتفاع تكاليف الاقتراض وتباطؤ الإنفاق والاستثمار.

وقال جورينشاس إنه يتوقع أضرارا اقتصادية "محدودة نسبيا" من هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر. وقد أجبرت الهجمات سفن الحاويات التي تحمل بضائع بين آسيا وأوروبا على تجنب قناة السويس، وبدلا من ذلك قطعت شوطا طويلا حول رأس الرجاء الصالح في جنوب القارة السمراء، ما أدى إلى تأخير وصول الشحنات ورفع رسوم الشحن. لكن جورينشاس قال إنه في الوقت الحالي لا يبدو أن الاضطرابات في البحر الأحمر هي "مصدر رئيسي لإعادة إشعال التضخم في جانب العرض"، على غرار ما حدث عند تراكم الشحنات في عامي 2021 و2022.

وبالنسبة للولايات المتحدة، صاحبة أكبر اقتصاد في العالم، رفع صندوق النقد الدولي بشكل حاد تقديراته للنمو هذا العام إلى 2.1% من 1.5% التي توقعها قبل ثلاثة أشهر. ونما الاقتصاد الأميركي بنسبة 2.5% في عام 2023 بعد موجة غير متوقعة من النمو في نهاية العام، غذتها رغبة المستهلكين في الإنفاق، على الرغم من ارتفاع تكاليف الاقتراض.

وحسن صندوق النقد أيضاً توقعاته للاقتصاد الصيني المتراجع، حيث يتوقع الآن نمو ثاني أكبر اقتصاد في العالم بنسبة 4.6% هذا العام، ارتفاعًا من 4.2% التي توقعها في أكتوبر، ولكن بانخفاض عن نمو 5.2% الذي تحقق في عام 2023، حين ساعد الإنفاق الحكومي في تعويض الأضرار الناجمة عن انهيار سوق الإسكان الصيني.

وقال جورينشاس: "كان هناك قدر كبير من المرونة في أجزاء كثيرة من العالم"، مشيراً إلى البرازيل والهند وجنوب شرق آسيا وروسيا، التي ظلت اقتصاداتها قوية بشكل غير متوقع في مواجهة العقوبات الغربية التي فرضت بعد غزوها لأوكرانيا.

لكن صندوق النقد الدولي خفض توقعاته لأوروبا، حيث تواصل القارة العجوز صراعها مع المستهلكين المحبطين والآثار المتبقية من صدمة أسعار الطاقة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا. ويتوقع الصندوق حالياً نمو الدول العشرين التي تشترك في عملة اليورو بشكل جماعي بنسبة ضئيلة لا تتجاوز 0.9% هذا العام. وسيكون ذلك أعلى من نمو بنسبة 0.5% الذي تم تحقيقه في عام 2023، ولكنه أقل من توقعات الصندوق في أكتوبر، والتي انتظرت نمواً بنسبة 1.2% لمنطقة اليورو هذا العام.

كما خفض صندوق النقد الدولي بشكل متواضع توقعاته للاقتصاد الياباني إلى 0.9%، وهو انخفاض من نمو 1.9% في عام 2023.

وقال الصندوق إن تحسن توقعات التضخم هو نتيجة لارتفاع أسعار الفائدة والقضاء على التأخيرات في سلسلة التوريد في العامين الماضيين، ودخول المزيد من العمال إلى سوق العمل، وانخفاض أسعار الطاقة بعد الارتفاع الناجم عن الحرب في أوكرانيا. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن تنخفض أسعار النفط، التي انخفضت بنسبة 16% في عام 2023، بنسبة 2.3% أخرى هذا العام وبنسبة 4.8% إضافية في عام 2025.

ولم يغفل الصندوق المخاطر المحيطة باقتصادات العالم، مشيراً بصورة أساسية إلى الثقة المبالغ بها من قبل مستثمري الأسهم في عكس بنك الاحتياط الفيدرالي مساره، والبدء في تيسير السياسات، في وقت مبكر من العام الحالي. وقال جورينشاس إنه لا يتوقع أن يبدأ خفض أسعار الفائدة حتى النصف الثاني من عام 2024.

ويمكن للمستثمرين المحبطين أن يدفعوا أسعار الأسهم إلى الانخفاض إذا لم يروا أسعار فائدة أقل في أقرب وقت كما يأملون.

وأشار الصندوق أيضاً إلى التوترات الجيوسياسية، وخاصة بين الولايات المتحدة والصين، محذراً من تسببها في تعطيل التجارة العالمية. وأشار جورينشاس إلى أن بعض السياسات الاقتصادية للرئيس جو بايدن، بما في ذلك تلك التي تفيد مصنعي رقائق الكمبيوتر والتكنولوجيا الخضراء الأميركيين، يمكن أن تنتهك قواعد منظمة التجارة العالمية.

ويتوقع صندوق النقد الدولي أن تنمو التجارة العالمية بنسبة 3.3% فقط هذا العام و3.6% في عام 2025، وهو ما يعد أقل من المتوسط التاريخي البالغ 4.9%.

المساهمون