صندوق النقد والحكومات العربية والضحك على الذقون

11 يناير 2024
"الروشتة" الإصلاحية من الصندوق تنتهي دوماً بمزيد من الفقر والقشف والضرائب (Getty)
+ الخط -

يوم الخميس، خرجت علينا وزارة المالية الأردنية وصندوق النقد الدولي ببيان مشترك أعلنا فيه عن إتمام الأردن الاتفاق مع الصندوق على برنامج الإصلاح الاقتصادي الجديد، وأن المجلس التنفيذي للصندوق وافق على برنامج "تسهيل الصندوق الممدد" (EFF) الجديد والذي تم الاتفاق عليه على مستوى الخبراء خلال شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 بقيمة تبلغ حوالي 1.2 مليار دولار يمتد حتى 2028 وذلك لدعم برنامج الإصلاح المالي والنقدي الذي وضعته حكومة المملكة وتعمل على تنفيذه. 

هذا الكلام يعني ببساطة أن الأردن حصل على قرض جديد من الصندوق بقيمة 1.2 مليار دولار مقابل تنفيذ عدد من الالتزامات منها خفض الدعم الحكومي المقدم لبعض السلع والخدمات رئيسية، وزيادة الأسعار والضرائب.

وقبلها خرجت علينا الحكومة المصرية مرات عدة في السنوات السبع الأخيرة " 2016-2023" بنسخة مكررة من تلك البيانات البراقة.

المرة الأولى في أكتوبر/تشرين الأول 2016 حيث زفت للشعب المصري نبأ إبرام اتفاق تمويل مع صندوق النقد الدولي بقيمة 12 مليار دولار، وموافقة مجلس الصندوق على طلب مصر لدعم "برنامج الإصلاح الاقتصادي الطموح" الذي سيساعد على استعادة استقرار الاقتصاد الكلي كما قالت، ومؤكدة أن هذا الاتفاق يعد شهادة من الصندوق على نجاح البرنامج وقوة الاقتصاد المصري وقدرته على جذب استثمارات خارجية.

وفي وقت لاحق قيل إن جزءا من الاتفاق يهدف إلى معالجة نقاط الضعف في الاقتصاد الكلّي، ومنها اضطرابات سوق الصرف وتواجد السوق الموازية للعملة، وتعزيز النمو الشامل وتوليد فرص عمل لملايين الشاب العاطلين.

وفي نهاية العام 2022 تكرر المشهد حينما خرجت علينا الحكومة المصرية والصندوق ببيان أكدا فيه الموافقة على منح مصر تمويلا بقيمة 3 مليارات دولار يسدد على 46 شهرًا، وذلك بهدف دعم البرنامج الإصلاحي للاقتصاد المصري ومساندته.

كما أكدت الحكومة أن هذا البرنامج المتفق عليه مع صندوق النقد يستهدف تنفيذ حزمة شاملة من السياسات الهادفة إلى الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي، واستعادة الاحتياطيات الوقائية، وتمهيد الطريق نحو تحقيق نمو مستدام وشامل بقيادة القطاع الخاص.

تعني الاتفاقات تخفيضا في قيمة العملة المحلية مقابل الدولار عبر تعويمات متواصلة، وزيادات قياسية في أسعار السلع الرئيسية، وإزالة الدعم الحكومي المقدم لسلع مهمة وحيوية للمواطن مثل البنزين والسولار وغاز الطهي

والآن يجري الحديث عن مفاوضات جديدة بين الجانبين تستهدف زيادة قيمة قرض ديسمبر/كانون الأول 2022 من 3 مليارات إلى 6 مليارات دولار وربما أكثر وذلك بهدف استكمال برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي.

يحلو للحكومات العربية التلاعب بالألفاظ والضحك على المواطنين عندما تتحدث عن العلاقة الغامضة مع صندوق النقد الدولي، فتلك الحكومات تمهد للمفاوضات بعناوين براقة وكبيرة، منها مثلا أن الدخول في اتفاق مع الصندوق هو بهدف الاستفادة من خبرات المؤسسة المالية الدولية في مجال إعادة الهيكلة.

أو أن الاتفاق يفتح الباب أمام الحكومة لزيادة إيرادات الدولة من النقد الأجنبي، أو أن الاتفاق يزيد إيرادات الصادرات والاستثمارات الأجنبية المباشرة وغيرهما من موارد النقد الأجنبي.

أو أنه بمثابة اعتراف بقوة الاقتصاد المحلي، أو يساهم في تقوية العملة المحلية والقضاء على السوق السوداء، وكلها عناوين براقة الهدف منها هو خداع المواطن الذي يتحمل وحده كلفة هذه الاتفاقات المكلفة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.

أو القول بأن القرض الجديد سيدعم جهود السلطات الأردنية نحو الحفاظ على الاستقرار الكلي، ومواصلة بناء القدرة على الصمود، وتسريع الإصلاحات الهيكلية والنمو الاقتصادي واسع النطاق، والوصول إلى الأسواق، وتعزيز شبكات الأمان الاجتماعي" وفق بيان صندوق النقد الصادر اليوم الخميس.

النتيجة إغراق الدولة المدينة في وحل الاستدانة والغلاء والبطالة والفقر وإهمال الخدمات العامة والاعتماد على جيب المواطن في تمويل الخزانة العامة ومعالجة أي خلل أو عجز بها

بيانات مكررة بات المواطن يحفظها عن ظهر قلب، لا تختلف في صياغتها وبريقها من حكومة لأخرى سواء كانت مصر أو الأردن أو تونس والمغرب واليمن والسودان وغيرها من الدول التي استنجدت بالصندوق لإنقاذها من أزمة مالية واقتصادية حادة، وللأسف وجدت نفسها أمام أزمات أكثر حدة.

دخول الحكومات في اتفاقات مع صندوق النقد الدولي وغيره من الدائنين يعني شيئاً واحداً هو خضوع الدولة لشروط وإملاءات وضغوط تفرضها المؤسسات الدائنة وبرمجة نفقاتها وفق تصورات تلك المؤسسات وليس وفق احتياجات المواطن والأسواق.

وفي التفاصيل تعني الاتفاقات تخفيضا في قيمة العملة المحلية مقابل الدولار عبر تعويمات متواصلة، وزيادات قياسية في أسعار السلع الرئيسية، وإزالة الدعم الحكومي المقدم لسلع مهمة وحيوية للمواطن مثل البنزين والسولار وغاز الطهي.

كما تعني إلغاء دعم الكهرباء والمياه وربما رغيف الخبز وزيادة الضرائب والرسوم الحكومية، وبيع أصول الدولة من بنوك وشركات وأراضي، وتخارج الدولة من المشهد الاقتصادي.

والنتيجة إغراق الدولة المدينة في وحل الاستدانة والغلاء والبطالة والفقر وإهمال الخدمات العامة والاعتماد على جيب المواطن في تمويل الخزانة العامة ومعالجة أي خلل أو عجز بها.

المساهمون