صناعة مكانس القش.. حرفة يدوية تخوض صراع البقاء في الأردن

17 سبتمبر 2023
لا تزال مكنسة القش تستخدم في بعض المنازل والمحلات التجارية (الأناضول)
+ الخط -

في باحة منزله التي لا تتعدى مساحتها بضعة أمتار مربعة، في قرية عمراوة التابعة للواء الرمثا شمالي الأردن، يجلس مأمون الوردات بين أكوام من القش، ليشكّل من خلالها "مكنسة" تقليدية، عرفتها الأرياف، وباتت سلعة مهددة بالاندثار لحرفة تصارع البقاء في ظل تطور الحياة وحداثتها.

يربط الوردات (53 عاماً) حزاماً على خصره، وقد صممه بطريقته الخاصة، مضيفاً له قطعة من الخشب، يثبتها بين قدميه، كخطوة من خطوات تصنيع مكانس القش، وقد التصق شعره الأبيض على جبينه من شدة تعرقه، نافثاً عبر دخان سيجارته هموماً أثقلت كاهله، تعكس صعوبة ومشقة الحياة التي أجبرته على تحمل هذا العناء.

قصة كفاح للخمسيني الأردني، وما يعيشه من كدّ وتعب يومي، في سبيل تأمين لقمة عيش كريمة له ولزوجته وأبنائه الستة (4 أولاد وابنتان)، من خلال حرفة أصبح وجودها والعمل بها أمراً نادر الوجود.

فما إن يبدأ مأمون العمل حاملاً على كتفه حزمةً كبيرةً من القش، ينقلها من غرفة صغيرة تابعة لمنزله يستخدمها كمستودع، حتى يهرع الأطفال إلى مكان عمله، يتابعون ويراقبون ما يقوم به، في محاولة جادة منهم لاستحضار ماضٍ عاشه آباؤهم وأجدادهم.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

أبو محمود، وهذه كنيته، لم يكمل تعليمه الذي اقتصر على المرحلة الابتدائية، ويعمل منذ عقود في مهنة البناء، ولكنه أضاف لها حرفة تصنيع مكانس القش؛ ليعزز دخله، بما يعينه على تحمل أعباء الحياة، وفق ما يروي لوكالة الأناضول.

بدأ مأمون تعلم تلك الحرفة من تلقاء نفسه قبل ثماني سنوات، حتى أتقنها وبات يعرف بأنه "شدّاد مقاش"، ليبدأ بزراعة القش لإنتاجه الخاص، ومقصداً للراغبين بتحويل محاصيلهم إلى "مكانس".

وأشار "هذه الحرفة توفر لي دخلاً جيداً، والناس يأتون إلي من كل مكان؛ إذ أقوم بشد المقاش (تسمية متعارف عليها في منطقته للقش) لهم، كما أقوم بزراعته أيضاً".

وأضاف "هي ليست عملي الأساسي، وإنما عمل إضافي ولكنه أصبح بالنسبة لي شبه أساسي، خاصة عندما لا يكون هناك أعمال بناء أقوم بها".

وبين "هذه الحرفة تراثية، وعلى حد علمي، ليس هناك غيري يعملها بالمنطقة، وأستمر بالعمل لساعات طويلة ما دام هناك عمل".

"شغلة (عمل) الفلاحين".. بهاتين الكلمتين وصف الوردات ما يقوم به، معتبراً أنّ المنتج وهي مكنسة القش "أفضل من مكنسة الكهرباء، ونحن نستخدمها باستمرار"، بحسب ما قال.

أما عن كمية الإنتاج، فقال: "80 مقشة (مكنسة) باليوم، وسعر الواحدة منها ديناران (2.8 دولار)، ومن يأخذ ثلاثاً يكون السعر خمسة دنانير (7 دولارات)".

وأوضح أن "مكنسة القش تُباع في محلات البناء، ويستخدمها عمال قصارة المنازل، والبدو، وتستخدم أيضاً كعسافة (مكنسة قش تستخدم لتنظيف جدران المنازل) ولكن تضاف لها عصا طويلة".

وفيما يتعلق بخطوات التصنيع، بين أبو محمود: "نقوم أولاً بقص القش من مكان زراعته، ثم نقوم بنقعه بالماء ليسهل علينا عملية التشكيل والتجميع".

وزاد "بعد ذلك نقوم بترتيبه وتجميعه على شكل خصل صغيرة، بحيث تكون الطويلة لوحدها والقصيرة كذلك، ثم نبدأ بخياطتها مع بعضها إما بأسلاك معدنية أو خيوط، وأخيراً ندقها بمطرقة خشبية حتى تتفتح خصل القش، وبهذا تكون جاهزة للاستعمال البشري".

وتابع "أولادي يساعدونني، وخاصة الصغير (عمره 14 عاماً)، وواضح لي أنه سيرث هذه المهنة، والوضع صعب ويعود للوراء"، في إشارة منه إلى صعوبة ظروفه المعيشية.

وعن نظرة الناس لما يقوم به، قال: "أكثرهم يقولون لي، من أين أتيت بهذه الصنعة، وبأنني أعدتهم إلى قديم الزمان".

ولفت: "لا أعتمد بالإنتاج على ما أزرعه، ولكنني أقصد أيضاً بعض المزارع الأخرى، والحقيقة إنتاجي كبير ولكن التسويق ضعيف".

وكانت مكانس القش تعد أحد اللوازم المنزلية في جميع البيوت، ولكنها مع انتشار المكانس الكهربائية، أصبحت سلعة لا يقتنيها إلا من يحاول عيش تجربة الماضي، والحفاظ على إرث بات في عداد النسيان.

(الأناضول)

المساهمون