بإعلان تويتر، يوم الإثنين، الموافقة على بيع الشركة إلى إيلون ماسك في صفقة تعد واحدة من الصفقات الأضخم في عالم المال والأعمال، تسارعت الأسئلة داخل أسواق المال ودوائر صنع القرار: هل هي صفقة تجارية وذات دوافع استثمارية بحتة يسعى ماسك من خلالها إلى حصد مليارات الدولارات الإضافية التي تضاف إلى ثروته الضخمة، أم أن هناك طموحات سياسية يسعى الملياردير الأميركي الشهير وأغنى رجل في العالم لتحقيقها، خاصة وأن ماسك قال: "لست مهتماً بالجوانب الاقتصادية للصفقة وإنما نفذت الصفقة لأهميتها لمستقبل الحضارة الإنسانية"؟
ومن بين الأسئلة كذلك، ما علاقة عملاق صناعة السيارات الكهربائية "تسلا"، أبرز شركات ماسك، بصفقة موقع التواصل الاجتماعي الشهير، خاصة مع إعلان الملياردير الأميركي أنه تفاوض من أجل شراء "تويتر" بصفته الشخصية، وأن تسلا لا تشارك في الصفقة؟ ومن أين سيتم تمويل الصفقة الضخمة التي تقدر قيمتها بنحو 44 مليار دولار؟
وعلى الرغم من أن الصفقة أثارت الكثير من المخاوف والقلق وسط دوائر النفوذ في العاصمة الأميركية واشنطن وغيرها من العواصم الغربية، إلا أن إعلان الصفقة كانت له ردود فعل إيجابية داخل أسواق المال الأميركية، فقد أدى إلى إغلاق المؤشر ناسداك في بورصة وول ستريت على ارتفاع حاد يوم الإثنين، مع تسجيل أسهم النمو موجة صعود في أواخر جلسة التداول، بعدما وافقت تويتر على أن يشتريها ماسك. وظل المؤشر ستاندرد أند بورز 500 منخفضاً في معظم الجلسة، لكنه تحول إلى المنطقة الإيجابية بعد إعلان تويتر.
وعلى الرغم كذلك من موافقة مجلس إدارة تويتر على العرض المالي الذي قدمه الملياردير إيلون ماسك لشراء تويتر والبالغ 44 مليار دولار وبواقع 54.2 دولارا للسهم نقداً، فإن هنالك القليل من المعلومات حول الأهداف الحقيقية التي دفعت أغنى رجل في العالم لشراء تويتر التي باتت واحدة من أهم منصات التواصل الاجتماعي.
إذا كانت الأمور واضحة لدى كبار المساهمين في تويتر، فإنها لا تبدو كذلك لدى موظفي منصة التواصل الاجتماعي الشهيرة
وبحسب تحليلات، فإن الصفقة ستزيد من نفوذ الملياردير ماسك في السوق الأميركي والدوائر الغربية، لكنها تظل صفقة محفوفة بالمخاطر المالية. وحسب مجلة فوربس الأميركية، فإن الملياردير ماسك قال إنه غير مهتم بالجوانب الاقتصادية للصفقة أو بالمخاطر المالية المترتبة عليها، وإنما نفذ الصفقة بسبب أهمية تويتر كمنصة تواصل اجتماعي لـ"مستقبل الحضارة الإنسانية". وبشأن تمويل شراء الصفقة، فإن ماسك لا تتوافر لديه السيولة النقدية الكافية لسداد القيمة كاملة، لذا فإنه سيلجأ للبنوك العالمية الكبرى لتدبير جزء مهم من قيمة الصفقة الضخمة.
تقول "فوربس" إن ماسك رصد تمويلات بلغت 46.5 مليار دولار لتمويل صفقة تويتر، من بينها الحصول على قرض بنكي بقيمة 12.5 مليار دولار وذلك بضمان أسهمه في شركة تسلا، كما أن نحو 66% من قيمة الصفقة تم دعمها بأصوله المالية الخاصة.
وستنضم تويتر بعد موافقة المساهمين على الصفقة إلى إمبراطورية الملياردير ماسك التجارية التي تضم شركة تسلا التي يقدر حجم رأسمالها السوقي بنحو تريليون دولار ويرأس مجلس إدارتها الملياردير بنفسه. وذلك إضافة إلى شركة "سبيس أكس" التي تقدر قيمتها السوقية بنحو 100 مليار دولار. وهنالك شركات ناشئة أخرى يملكها ماسك من بينها شركة "نيورا لينك".
ومن بين التساؤلات الأخرى في أسواق المال التي تبحث عن إجابة حتى الآن: من سيدير تويتر بعد إكمال الصفقة التي تنتظر موافقة المساهمين، أي من سيصبح الرئيس التنفيذي للشركة؟ وما هو الدور الذي سيلعبه الملياردير ماسك في السيطرة على الرسائل والمحتوى المنشور في تويتر؟ وهل سيحتفظ ماسك بالإدارة الحالية للمنصة؟
يستبعد محللون في قناة "سي أن بي سي" الأميركية أن يحتفظ ماسك بالرئيس التنفيذي الحالي للشركة، باراغ أغروال والذي عانى بعض الصعوبات في التعامل مع الملياردير ماسك، الذي أصبح عضواً بمجلس الإدارة في الآونة الأخيرة بعد تملّكه 9% من أسهم تويتر، وبالتالي لا يبدو أن هنالك علاقات ودية بينه وبين المالك الجديد ماسك. وكان مجلس الإدارة الحالي للمنصة قد حاول في البداية عرقلة الصفقة، إلا أنه تراجع عن موقفه مع زيادة العرض المالي من قبل ماسك.
في ذات الشأن، قال رئيس مجلس الإدارة بتويتر، بريت تايلور، إن المجلس "أجرى عملية مدروسة وشاملة لتقييم اقتراح إيلون مع تركيز مضاعف على القيمة واليقين والتمويل". وأضاف في بيان أن المجلس يعتقد أن الصفقة "أفضل مسار للمضي قدماً لمساهمي تويتر".
على مستوى موقف كبار المساهمين من الصفقة، لقد وافق جاك دورسي المؤسس المشارك لشركة "تويتر" على عرض إيلون ماسك لشراء موقع التواصل الاجتماعي مقابل 44 مليار دولار. وقال دورسي في سلسلة تغريدات إن ماسك هو الحل الوحيد الذي يثق به لإدارة الشركة التي شارك في تأسيسها في عام 2006. أضاف: "من حيث المبدأ، لا أعتقد أن أي شخص يجب أن يمتلك أو يدير تويتر، لا بد أن تكون منفعة عامة وليست شركة". أوضح أيضاً أن هدف ماسك المتمثل في إنشاء منصة موثوق بها إلى أقصى حد وشاملة على نطاق واسع هو الهدف الصحيح. ووجه دورسي الشكر لماسك. مضيفًا: هذا هو الطريق الصحيح.. أنا أؤمن به من كل قلبي.
الملياردير ماسك يسعى لتحويل تويتر إلى شركة خاصة، ولكنه ربما سيحتفظ بعدد من حملة الأسهم الحاليين
يذكر أن دورسي تنحى عن منصبه كمدير تنفيذي لـ "تويتر" في العام الماضي، وتحول تركيزه منذ ذلك الحين إلى إدارة شركته للمدفوعات "بلوك" والتي كانت تعرف في السابق باسم "سكوير". وأثار اقتراح رئيس مجموعة تسلا شراء منصة التواصل الاجتماعي العملاقة مخاوف من توسيع نفوذه في الولايات المتحدة خاصة وأن هنالك اتهامات له بالتنمر، وهذه اتهامات تتعارض مع أهداف شفافية وحرية تويتر التي أعلن عنها بعد تنفيذ الصفقة.
من جانبها تقول صحيفة "وول ستريت جورنال"، إن الملياردير ماسك يسعى لتحويل تويتر إلى شركة خاصة، ولكنه ربما سيحتفظ بعدد من حملة الأسهم الحاليين. وقال ماسك إنه يرغب في تقليل اعتماد تويتر على دخل الإعلانات في التمويل وجعل منصة التواصل الاجتماعي ذائعة الصيت أكثر حرية وشفافية، وتقليل اعتمادها على دخل إعلانات الشركات الذي عادة ما يؤثر على المستوى التحريري للمؤسسات الإعلامية ويقيد شفافية النشر. ويذكر أن دخل الإعلانات بلغ 90% من إجمالي دخل تويتر في العام 2021.
ومن بين الأسئلة الأخرى المطروحة وتبحث عن إجابة، هل سيتخذ الملياردير الشاب ماسك نهج منافسه الملياردير جيف بيزوس الذي اشترى "واشنطن بوست" وعيّن فريقاً مستقلاً لإدارة الصحيفة وباتت إدارة التحرير بعيدة عن نفوذه، أم أن ماسك سيلقي بثقله على إدارة التحرير والمحتوى الذي سينشر في تويتر؟
وإذا كانت الأمور واضحة لدى كبار المساهمين في تويتر، فإنها لا تبدو كذلك لدى موظفي منصة التواصل الاجتماعي الشهيرة. وقال رئيس تويتر التنفيذي باراغ أغراوال للموظفين أمس، إن الضبابية تكتنف مستقبل شركة خدمات التواصل الاجتماعي بعد صفقة الملياردير إيلون ماسك بالاستحواذ عليها. وقالت الشركة للموظفين، وفقاً لوكالة "رويترز"، إن ماسك سيشارك موظفي تويتر في جلسة أسئلة وأجوبة في وقت لاحق.
وعندما طرح الموظفون أسئلة على أغراوال عن خطط ماسك بالنسبة إلى الشركة واحتمالات تسريح عاملين، ومبررات مجلس الإدارة لقبول الصفقة، أجّل المدير التنفيذي الكثير من الأسئلة، باعتبارها أسئلة يجب طرحها على ماسك. غير أنه قال للموظفين إنه ليست هناك خطط حالياً لتسريح عمال.
وقالت شركة "تراست سيكيوريتيز" في مذكرة تحليلية إن أغراوال الذي تولى منصب الرئيس التنفيذي لتويتر أواخر العام الماضي، أحرز تقدماً في وضع خدمات مدفوعة مثل خيارات الاشتراك في الحسابات في الموقع، مضيفة وفقاً لوكالة "فرانس برس" أن "حضور ماسك على المدى القصير في هذه المرحلة ينطوي على مخاطر تعطيل تلك الجهود".