صراع جديد على نفط ليبيا... البرلمان يطالب باحتجاز الإيرادات

17 مارس 2022
المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس (فرانس برس)
+ الخط -

عادت ورقة النفط وإيراداته إلى دائرة الصراع من جديد في ليبيا، ولكن هذه المرة بين الحكومتين، المكلفة من مجلس النواب برئاسة فتحي باشاغا، وحكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، ما ينذر بتأزم الوضع الاقتصادي، بينما يسيطر القلق على المواطنين من صعوبات معيشية أكثر حدة في ظل الصراع السياسي، الذي يتخوف من وصوله إلى حد الاحتراب، وكذلك تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا على إمدادات السلع الأساسية إلى ليبيا ومستويات أسعارها.

وطلب رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح من رئيس المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله، احتجاز إيرادات النفط في حساب مصرف ليبيا الخارجي وعدم تحويلها إلى حسابات الإيرادات العامة بالمصرف المركزي.

وتستهدف الحكومة المكلفة من مجلس النواب، قطع التمويل على حكومة الوحدة الوطنية، إذ جاءت مطالب احتجاز إيرادات النفط في مصرف ليبيا الخارجي "تبعا لقرار البرلمان يوم 1 مارس/آذار بشأن منح الثقة للحكومة الليبية وإلى أدائها اليمين الدستورية، وانتهاء ولاية حكومة الوحدة الوطنية"، وفق نص الرسالة التي حصلت "العربي الجديد" على نسخة منها.

وجاء في الرسالة: "يطلب منكم (رئيس المؤسسة الوطنية للنفط) الاحتفاظ بالإيرادات الناتجة عن بيع النفط في الحسابات السيادية لمؤسسة النفط في مصرف ليبيا الخارجي وعدم إحالتها إلى حسابات الإيرادات العامة مؤقتا، إلى حين اعتماد قانون الميزانية العامة وصدور قرار بالصرف من قبل البرلمان".

ورفض مصدر مسؤول في المؤسسة الوطنية للنفط التعليق على ما جاء في رسالة مجلس النواب، قائلا: "لا يوجد أي تعليق في الوقت الحاضر"، فيما قالت مصادر مقربة من رئيس حكومة الوحدة الوطنية لـ"العربي الجديد" إن خطوة مجلس النواب مخالفة إدارياً، ولا يحق له مخاطبة جهة تابعة للحكومة إلا بعد العودة إليها.

وشددت على أن تجميد الإيرادات النفطية لا يأتي إلا بعد التشاور مع المجلس الرئاسي، وذلك وفق اتفاقات جنيف والصخيرات برعاية الأمم المتحدة. وتابع أن هذا تصعيد خطير يهدد معيشة الليبيين.

وسبق أن شهد الصراع على موارد النفط في ليبيا جولات عدة بين الأطراف المتناحرة خلال السنوات العشر الماضية، إلا أنها تعرضت للاحتجاز من جانب مؤسسة النفط نهاية 2020 في حساباتها لدى المصرف الليبي الخارجي "بشكل مؤقت"، مبررة ذلك حينها بانتظار الوصول إلى تسوية سياسية شاملة بين حكومة الوفاق الوطني في طرابلس حينها والكيانات الموازية شرق البلاد.

وجرت محاولات عدة لتوحيد عمل المؤسسات المالية والاقتصادية للحد من الأزمات التي تعاني منها البلاد، إلا أنه مع تجدد أي صراع بين الأطراف المتناحرة تدخل موارد النفط الذي تعتمد عليه البلد بشكل رئيسي في بؤرة التجاذبات.

ويسيطر قطاع النفط منذ ستينيات القرن الماضي على الأنشطة الاقتصادية التقليدية في ليبيا، حتى أصبح المصدر الرئيسي للدخل القومي في البلاد، إذ يوفر نحو 95% من الإيرادات المالية، حسب بيانات رسمية.

وتباينت آراء المحللين الاقتصاديين حول خطوة مجلس النواب الرامية إلى احتجاز أموال النفط بعيداً عن حكومة الوحدة الوطنية، فهناك من يؤكد أن عودة استخدام ورقة النفط في الصراع قد تسبب في توقّف إنتاج الخام كما حدث في سنوات سابقة، بينما يعد النفط المصدر الرئيسي للعملة الصعبة في البلاد، محذرين من هذا الصراع له آثار سلبية واسعة على معيشة المواطنين بينما هناك بالأساس أزمة غلاء في الأسعار نتيجة الحرب الروسية في أوكرانيا وقرب شهر رمضان (يحل مطلع إبريل/ نيسان المقبل)، فيما يرى البعض الآخر أنه يجب وضع حد للإنفاق من قبل حكومة عبد الحميد الدبيبة في الظروف الراهنة.

وقال الخبير الاقتصادي عبد الحكيم عامر غيث لـ"العربي الجديد" إن "الوضع حرج للغاية.. تعطيل الإيرادات يعني شل الحياة الاقتصادية، وهذا الإجراء سبق حدوثه في فترة حكومة الوفاق الوطني برئاسة فائز السراج السابقة، ما أدى إلى تداعيات على الاقتصاد، منها فرض قيود على مبيعات النقد الأجنبي والصرف من الاحتياطي النقدي الاجنبي، ما نتج عنه خفض قيمة الدينار من 1.4 دينار للدولار الواحد إلى 4.48 دنانير للدولار حينها قبل أن يصل حاليا إلى حوالي 4.6 دنانير للدولار".

وطالب غيث بضرورة مراعاة مصلحة المواطن المتضرر من غلاء المعيشة وعدم الاستقرار السياسي بين الحكومتين.

في المقابل، قال المحلل الاقتصادي محمد الشيباني، في تصريحات لـ"العربي الجديد" إن "قرار مجلس النواب صائب، لأن حكومة الدبيبة لا ترغب في تسليم السلطة بينما تتوسع في الإنفاق، واستمرار الوضع الحالي يعني أنه لن يبقى في الخزانة العامة فلس أحمر".

وأضاف الشيباني أن "الاحتفاظ بموارد النفط لا يعني توقف الإنتاج، بل بقاء الإيرادات النفطية مجمدة، خاصة في ظل وجود حكومتين في البلاد وهذا غير مقبول".

لكن الكثير من المواطنين يعربون عن ضجرهم من الوضع الحالي، إذ يتخوفون من تأزم الأوضاع المعيشية، بينما تعاني البلاد بالأساس من نقص في إمدادات الوقود المدعوم وارتفاع أسعار السلع الأساسية إلى مستويات حادة باتت ترهق كاهل الأسر.

ويشكل قطاع الهيدروكربونات العمود الفقري للاقتصاد، إذ تمثل صادرات النفط أكثر من 90% من الإيرادات الحكومية وأكثر من 95% من عائدات التصدير، حيث تنتج ليبيا حاليا نحو 1.1 مليون برميل يوميا.

المساهمون