هناك صراع حاد ومستمر بين الحكومات والبنوك المركزية، بين السياسات المالية والاقتصادية التي تتبناها الحكومات، وبين السياسة النقدية التي تتبناها البنوك المركزية.
صحيح أن هذا الخلاف التاريخي لا يخرج للعلن في أغلب الأوقات حفاظاً على الوضع الاقتصادي للدول واستقرار الأسعار، خاصة أسعار صرف العملات، وتفادياً لإرباك المستثمرين والمستهلكين، لكنه في بعض الأحيان يخرج للعلن وقد يتحول لحرب تكسير عظام، وهو ما يحدث حالياً في تركيا، حيث الخلافات على أشدها بين الرئيس أردوغان والبنك المركزي التركي.
ووصلت الخلافات ذروتها حينما قال أردوغان قبل أيام إن أي شخص يعارض خفض أسعار الفائدة ويدافع عن الأسعار العالية يعد خائناً لهذا الشعب، في إشارة لعدم استجابة البنك المركزي لاقتراح الحكومة خفض أسعار الفائدة لتشجيع الاستثمار.
وتدور الخلافات بين الطرفين (الحكومات والبنوك المركزية) عادة حول أسعار صرف العملات واتجاهات أسعار الفائدة وطباعة البنكنوت أو الأوراق النقدية ومعدلات التضخم والتوسع في الإقراض الحكومي وتمويل عجز الموازنة من خلال البنوك، فالحكومات تريد عادة خفض أسعار الفائدة حتى تقلل تكلفة الأموال والاقتراض داخل المجتمع، وبالتالي تنعش الاستثمار وتجذب مزيداً من الاستثمارات الخارجية، وهو ما يساعدها في خلق فرص عمل تحد من البطالة وتزيد الإنتاج والصادرات، وهذا يعني في النهاية زيادة موارد البلاد من النقد الأجنبي ورفع قيمة الاحتياطيات لدي البنك المركزي.
اقرأ أيضا: أردوغان يتهم لوبي أسعار الفائدة بالخيانة
والحكومات تفضل أيضاً خفض أسعار الفائدة حتي تقلل أعباء الدين العام وعجز الموازنة العامة، لأن الحكومات أكبر مقترض من القطاع المصرفي، وبالتالي فإن أي خفض للفائدة يعني خفض أعباء خدمة الدين العام.
وبعض الحكومات تفضل أيضاً سوق صرف مرناً، ولذا لا تمانع من خفض قيمة عملاتها لجذب مزيد من السياح وزيادة الصادرات الخارجية، والحكومات في البلدان الفقيرة قد تضغط على البنوك المركزية لطباعة بنكنوت إضافي، في حال وجود نقص سيولة في السوق حتى لو لم تقابل الطباعة زيادة في الإنتاج أو تحسن في معدل النمو الاقتصادي للبلاد.
أما البنوك المركزية فمن أبرز أولوياتها استهداف التضخم، أي العمل على استقرار الأسعار، ولذا قد تسحب السيولة من السوق لكبح جماح أسعار السلع، وقد ترفع أسعار الفائدة على الودائع للدفاع عن العملة المحلية مقابل العملات الرئيسية وفي مقدمتها الدولار واليورو، عبر تحويلها لعملة جاذبة للاستثمار.
وقد تخفض البنوك المركزية قيمة عملاتها المحلية للحفاظ علي ما لديها من احتياطيات خارجية.
ومع استمرار هذه المعركة المستمرة بين الحكومات والبنوك المركزية لا نستطيع أن نجزم أن هذا الطرف علىي حق والأخر علي باطل، فلكل دولة لها ظروفها، ولكل اقتصاد خصوصيته
ولأن التجاذبات مستمرة وإدراكاً لخطورة هذا الخلاف منحت معظم تشريعات العالم استقلالية للبنوك المركزية، في إدارة السياسة النقدية وحصّنت محافظيها من العزل من مناصبهم.
اقرأ أيضا: المركزي التركي يتحدي أردوغان بتثبيت "الفوائد"
اقرأ أيضا: خلافات حادّة بين الحكومة التركية والبنك المركزي
اقرأ أيضاً: مصر تقترض 1.5 مليار دولار من الأسواق الدولية