بينما يواجه رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون المزيد من الضغوط السياسية والانتقادات من داخل حزبه ويطالب برلمانيون بعزله بسبب عدم تقيده بالقوانين الخاصة بمكافحة كورونا، يراقب خبراء في شؤون المال وأسواق الصرف تداعيات مستقبل جونسون السياسي على سعر صرف الجنيه الإسترليني الذي جنى أكبر مكاسبه مقابل الدولار واليورو ومعظم العملات الرئيسية بسوق الصرف العالمي خلال الأسابيع الماضية.
ويرى محللون أن عزل رئيس الوزراء البريطاني ربما سيعقد في بريطانيا، أكثر من أنه سيكون مفيداً للاقتصاد.
الخبيرة الاقتصادية بمؤسسة "كابيتال إيكونومكس"، روث غريغوري، ترى في تحليل أن "استقالة جونسون، أو عزله، من منصب رئاسة الوزراء لن تحدث تغييراً يذكر في مسار النمو الاقتصادي البريطاني"، ولكنها تشير إلى أن عزله سيقود إلى فترة من عدم الاستقرار السياسي في البلاد، وبالتالي ستكون مضرة للاقتصاد".
بل إن الخبير الاستراتيجي لدى "رابوبنك" في لندن، جين فولي، يرى أن احتمالية استقالة "بوريس جونسون من منصبه قد تدعم الجنيه الإسترليني مقابل الدولار، وفقًا لما ذكرته وكالة بلومبيرغ". وقال فولي إن "القيادة القوية والمستقرة قد تضع الإسترليني على مسار أفضل، لأن العملات تميل إلى القادة الأقوياء".
في ذات التحليل تقول مؤسسة "كابيتال إيكونومكس"، إن أداء سوق المال البريطاني وسعر صرف الإسترليني يتأثران أكثر بسياسات بنك إنكلترا المركزي، من تأثرهما بمستقبل بقاء جونسون في الحكم أو عدمه.
ويحتاج الاقتصاد البريطاني في الوقت الراهن إلى جرعة كبيرة في الإنفاق، ولكن الحكومة تواجه مشكلة الارتفاع الكبير في الضرائب التي بلغت أعلى مستوى لها منذ 70 عاماً.
وحتى الآن تجاهل الإسترليني عبر الأداء القوي أزمة جونسون السياسية، حيث تمكن من الصعود القوي مقابل اليورو طوال الأسابيع الماضية، وارتفع الإسترليني في تعاملات الأسبوع الماضي فوق مستوى 1.20 يورو لأول مرة منذ فبراير/شباط العام 2020.
توقعات بمواصلة الصعود
ويتوقع خبراء صرف أن يواصل الإسترليني مستواه المرتفع وسط الصعوبات التي تعاني منها منطقة اليورو، والضغوط الجيوسياسية للحشود العسكرية الروسية على حدود أوكرانيا.
ويتوقع محللون بموقع "باوند ستيرلنغ" اللندني، أن يواصل سعر صرف الإسترليني التأرجح حول 1.195 يورو خلال الأسبوع الجاري. كما من المتوقع أن يستفيد الإسترليني من ثبات التضخم لدى مستوى 5.1% الذي بلغه في ديسمبر/ كانون الأول الماضي. ويلاحظ أن الارتفاع الذي شهدته أسعار المواد الغذائية والسيارات تم تعويضه بانخفاض أسعار الملابس.
ويرى رئيس وحدة العملات بمؤسسة "بانثيون ماكرو أيكونومكس"، صامويل تومبس، أن الإسترليني سيحافظ على مستواه المرتفع مقابل اليورو خلال الشهور المقبلة.
على صعيد الدولار، يرى العديد من خبراء الصرف أن الإسترليني سيستفيد من هروب المضاربين المتوقع من الأصول الأميركية في بداية فترة تشديد السياسة النقدية وانتظارهم لردة فعل سوق المال والسندات الأميركية على السياسة النقدية الجديدة بعد فترات من ضخ الدولارات وشراء السندات التي سحبت مخاطر الاستثمار.
ويشير محللون لموقع "باوند ستيرلنغ"، إلى أن العديد من المضاربين سيلجأون إلى تنفيذ صفقات مبيعات للأصول الأميركية لجني أرباح، خاصة أن أداء الدولار لم يكن بنفس القوة التي كانت متوقعة.
وكان المضاربون الكبار على الورقة الخضراء قد راهنوا على استمرار قوة الدولار لفترة ستة شهور على الأقل بعد تأكيد مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) على أنه سيتجه لتشديد السياسة النقدية لمكافحة التضخم المرتفع، ولكنهم لاحظوا أن الدولار اعتراه الضعف بين منتصف ديسمبر/ كانون الأول ومنتصف يناير/كانون الثاني الجاري.
إلى جانب ذلك يستفيد الإسترليني من هروب المستثمرين من أسواق آسيا التي تتفشى فيها سلالة المتحور أوميكرون بسرعة وترفع من مخاطر الأصول في الكثير من كبرى دول آسيا مقارنة بالدول الغربية.
أسواق جاذبة لرؤوس الأموال
ومعروف أن لندن من الأسواق المالية التي يعرفها المستثمرون الآسيويون جيداً ولديهم فيها شركات وبنوك، وبالتالي قد تكون من الأسواق الجاذبة لرؤوس الأموال الهاربة من أسواق آسيا.
ويرى محللون أن الانخفاض الكبير في سعر صرف الين الياباني الذي بلغ نسبة 30% حسب بيانات نيكاي، ربما ستدعم الإسترليني خلال الشهور المقبلة.
وكان المستثمرون في آسيا يشترون الين وأصوله من أدوات مالية كـ"ملاذ آمن". على صعيد تعزيز جاذبية سوق المال البريطانية التي تعد ماكينة الجذب الرئيسية للاستثمارات الخارجية، تعمل البورصة على ابتداع آليات جديدة لتنشيط السوق. وحسب صحيفة "وول ستريت جورنال" اقترحت بورصة لندن إطلاق سوق متخصصة للشركات الخاصة لطرح أسهمها للتداول العام.
وحسب الصحيفة الاقتصادية الأميركية، فإن الشركات الخاصة سيكون بإمكانها إدراج أسهمها للتداول العام لما يتراوح بين يوم واحد وخمسة أيام، في كل فترة من فترات التداول، التي قد تعقد مرة واحدة شهرياً أو مرة كل ربع سنة، أو كل ستة أشهر.
وقال متحدث باسم بورصة لندن للصحيفة إن هناك "إمكانية لطرح مسارات إضافية للسوق حتى تدعم هذا النطاق الأعرض من الشركات خلال دورة حياتها التمويلية، بما في ذلك مساعدتها على الانتقال من سوق التداول الخاصة إلى السوق العامة، وكذلك العودة إليها مرة أخرى".