غير بعيد عن محطة القطار في مدينة بجاية (شرق الجزائر)، يعترض سائقو سيارات الأجرة طريق المسافرين المتوجهين إلى الشواطئ والمنتجعات السياحية الذين لا يجدون أمامهم سوى هذه السيارات للوصول إلى مبتغاهم، لتنطلق مفاوضات طويلة مع السائقين حول سعر الرحلة، الذي ارتفع في غضون أيام قليلة من بدء موسم الاصطياف بنحو الثلث.
مشاهد لم تكن بجاية وحدها مسرحاً لها، بل كل المدن الساحلية التي تشهد نفس المظاهر مع ارتفاع الإقبال عليها في هذه الأيام، وقد زاد مع هذا الإقبال الطلب على الفنادق والإقامات الشاطئية من قبل الأسر الجزائرية القادمة من المناطق الداخلية، وسط انتقادات للحكومة بالعجز عن تسيير قطاع السياحة وارتفاع التكاليف، ما يجعل الكثيرين يفضلون السفر إلى تونس المجاورة كملاذ أقل كلفة بعد فتح الحدود البرية منتصف يوليو/تموز الجاري.
يقول عبد الرحيم عيسات القادم من مدينة باتنة (منطقة الأوراس الجبلية شرق البلاد) إلى مدينة بجاية، رفقة زوجته وأبنائه الثلاثة إن "الأسعار جد مرتفعة مقارنة مع السنوات الماضية.. الزيادات تطاول كل شيء بدءاً من التنقل حتى المطاعم والفنادق".
لم يتفهم عبد الرحيم في حديث مع "العربي الجديد" سبب ارتفاع الأسعار مقارنة مع السنة الماضية بالرغم من أن المركب السياحي الذي اعتاد المكوث فيه لم يغير شيء في الغرف والخدمات.
لا يختلف الوضع كثيرا في جميع المحافظات الجزائرية المطلة على البحر الأبيض المتوسط والبالغ عددها 14 محافظة على طول 1200 كيلومتر، حيث تقفز أسعار النقل بحوالي 30% وترتفع أسعار الفنادق والإقامات بنسب لافتة.
يقول صالح تادميت مواطن التقت به "العربي الجديد" في أحد المراكب السياحية في مدينة بومرداس السياحية (80 كلم شرق العاصمة الجزائر) إن "سعر الإيجار ارتفع بألف دينار (8.5 دولارات) لليلة الواحدة مقارنة مع السنة الماضية التي كان سعر الليلة فيها 5 ألاف (45 دولارا) مع العلم أن الإيجار لا يشمل الأكل والشرب".
كما يلاحظ صالح أن "أسعار الوجبات قد ارتفعت أيضا مقارنة بالسنة الماضية، ومقارنة أيضا مع باقي أيام السنة"، مضيفا " حتى قارورة المياه المعدنية ارتفعت بخمسة دنانير بالرغم من أن سعرها مقنن من طرف وزارة التجارة".
وتواجه العائلات الجزائرية الباحثة عن السياحة الداخلية غلاءً من نوع أخر يمس أسعار الكراسي والطاولات التي يفرضها أصحاب الشواطئ على المصطافين والتي تكلف المئات من الدنانير يومياً بالرغم من إصرار الحكومة على مجانية الشواطئ.
تقول صفية ياريجان، أم لطفلين، إنها تدفع يومياً 1600 دينار لاستئجار طاولة وثلاثة كراسي بواقع ألف دينار للطاولة و200 دينار للكرسي الواحد، ما يكلفها نحو 20 ألف دينار (140 دولارا) طيلة أيام مكوثها في مدينة بومرداس، وهي مصاريف جعلتها "نادمة على عدم ذهابها إلى تونس لقضاء العطلة بمصاريف أقل وخدمات أحسن" على حد قولها.
في المقابل، تقول الحكومة الجزائرية إنها تراهن على السياحة الداخلية لرفع مداخيل القطاع التي لا تتجاوز عتبة 900 مليون دولار حسب الأرقام الرسمية سنوياً، ما جعل الجزائر الأضعف بين دول الجوار فيما يتعلق بمداخيل قطاع السياحة، في وقت تسجل فيه تونس دخول قرابة المليوني جزائري سنوياً في موسم الصيف فقط.
وحسب إلياس سنوسي، نائب رئيس النقابة الجزائرية للوكالات السياحية، فإن "توجه الجزائريين إلى تونس بالدرجة الأولى وتركيا وإسبانيا لقضاء العطل الصيفية بالرغم من توفر البلاد على شريط ساحلي مبهر، يعتبر أمراً منطقياً حيث إن قضاء عطلة لأسبوعين في مدينة بجاية يكلف عائلة من 4 إلى 5 أشخاص ما بين 2500 دولار إلى 3 آلاف دولار دون احتساب مصاريف جانبية كاللباس والوقود والتنقل، بينما بنصف هذا المبلغ يمكنها قضاء نفس الفترة في فنادق 4 نجوم في تونس".
يقول سنوسي "المشكلة المطروحة في الجزائر هي ثنائية ارتفاع الأسعار وتردي الخدمات، حيث إن كل شيء يرتفع سعره في فصل الصيف في المدن الساحلية من طعام ونقل وإيجار سواء في الفنادق أو الشقق، فيما تبقى نوعية الخدمات رديئة".
وقررت الحكومة الجزائرية في 21 يوليو/تموز الحالي، تسخير الإقامات الجامعية الخاصة بالطلاب في المدن الساحلية، لفائدة وزارة السياحة لإيجار الغرف مقابل أسعار لا تتعدى 1200 دينار (8.27 دولارات) لليلة الواحدة، في خطوة لاستمالة العائلات الجزائرية، إلا أن القرار يبقى ضعيفا حسب ناشطين في مجال السياحة، كون الإقامات الجامعية بعيدة عن الشواطئ وتفتقر إلى المرافق الضرورية.