تواجه حكومة الاحتلال الإسرائيلي مأزقاً شديداً في إقناع شركات الطيران العالمية باستئناف رحلاتها إلى إسرائيل، إذ تتمسك الشركات بالحصول على ضمانات للتعويض في ظل عدم تغطية شركات التأمين الرحلات في الوجهات التي تشهد حروباً، في حين تراهن إسرائيل على عودة الطيران لإحياء الكثير من الأنشطة الاقتصادية التي تعرضت للشلل وكذلك ضمان عدم استبعادها من جداول الرحلات للشركات العالمية للعام المقبل والتي يجري إعدادها في هذه الفترة من العام.
ودعا الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، الاثنين الماضي، شركات الطيران الأجنبية إلى تجديد رحلاتها إلى إسرائيل من أجل تحفيز النشاط الاقتصادي، وتعزيز العلاقات الاقتصادية بين إسرائيل ودول هذه الشركات، لكن يبدو أن شركات الطيران الأجنبية لن تستجيب للنداء طالما استمرت الحرب على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة مع لبنان وقطاع غزة جنوباً، في ظل نقص التأمين وانخفاض الطلب.
ومنذ وقوع عملية "طوفان الأقصى" التي شنتها المقاومة الفلسطينية على مواقع عسكرية إسرائيلية ومستوطنات عدة متاخمة لقطاع غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي وشن جيش الاحتلال حربا وحشية على القطاع، تم إلغاء آلاف الرحلات الجوية لشركات الطيران الأجنبية من وإلى إسرائيل. وقد أعلنت معظم الشركات بالفعل أنها لن تستأنف رحلاتها حتى نهاية ديسمبر/كانون الأول المقبل على الأقل.
ومعظم الشركات لا يغطيها تأمين الرحلات الجوية من وإلى إسرائيل. ومن غير المتوقع أن تستأنف الرحلات الجوية حتى يتغير الوضع القائم، بينما تواصل حوالي عشر شركات طيران تسيير رحلات، ثلاث منها إسرائيلية هي العال، يسرائير، أركيا.
أما الشركات الأخرى فهي أجنبية، مثل أيبيريا الإسبانية، وفلاي دبي والاتحاد للطيران الإماراتيتين، والخطوط الجوية الأوزبكية، إلى جانب الخطوط الجوية الصربية وبلو بيرد، التي تطير بشكل مخفض إلى اليونان وقبرص. كما أعلنت الخطوط الجوية الإثيوبية، الاثنين الماضي، أنها ستستأنف رحلاتها إلى إسرائيل الشهر المقبل.
تقول شيرلي كاتسير، الشريكة ورئيسة قسم الطيران والسياحة والفنادق في شركة "FBC"، التي تمثل شركات الطيران الأجنبية في تصريحات لصحيفة "ذا ماركر" الاقتصادية الإسرائيلية: "هناك عدد صغير من الشركات الدولية التي تواصل الطيران، لأنها اشترت تغطية تأمينية في زمن الحرب مقدماً أو أن هذه الشركات عادة ما تسافر إلى مناطق صعبة بالأساس أو غنية مثل شركات الطيران في الإمارات".
وبحسب أوري سركيس، الرئيس التنفيذي لشركة "يسرائير" للطيران، فإن ما يسمح لشركات الطيران الإسرائيلية بمواصلة العمل هو الضمانة التي تمنحها لها الحكومة، موضحا أن "شركات الطيران الإسرائيلية مؤمنة من قبل الدولة، وبعبارة أخرى، قامت الدولة بدور شركة التأمين وتعويض الشركات في حالة حدوث ضرر".
يقول سركيس للصحيفة الإسرائيلية إنه كان قد تم منح شهادة مماثلة لشركة "العال" في الأيام الأولى من الحرب الروسية الأوكرانية، للسماح لها بالاستمرار في الطيران من وإلى روسيا، وكان هذا ضروريا لأن سياسات التأمين الخاصة بشركات الطيران لا تنطبق أيضا على الرحلات الجوية التي تنتهك العقوبات مثل تلك التي فرضتها الدول الغربية على روسيا.
وبحسب رئيسة قسم الطيران والسياحة والفنادق في شركة "FBC"، يمكن للحكومة نظرياً منح ضمانات للشركات الأجنبية أيضاً. وتقول: "حتى الآن لم توافق على القيام بذلك، على الرغم من أنني أعلم أن هناك أصدقاء طلبوا ذلك". "إذا كان هرتسوغ (الرئيس الإسرائيلي) يريد إضافة المزيد من القوة إلى تصريحه، فيمكنه التصرف في مسألة التأمين".
انخفاض الطلب على السفر
ومع ذلك، فإن التأمين ليس هو الاعتبار الوحيد. وإنما هناك سبب آخر لعدم استئناف الشركات الأجنبية رحلاتها إلى إسرائيل وهو انخفاض الطلب من الركاب. ومنذ الأسبوع الثاني من الحرب، وبعد عودة أعداد كبيرة من الإسرائيليين إلى إسرائيل، ومغادرة السياح والعمال الأجانب، بدأ النشاط في إسرائيل يتلاشى بسرعة. وقامت شركات الطيران الإسرائيلية الثلاث بخفض جدول الرحلات الجوية وألغت المسارات التي لم تعد ضرورية.
ومنذ ذلك الحين، استمر جدول الرحلات بالعمل بشكل مخفض، وأصبح متوسط عدد الركاب اليومي في إسرائيل (المسافرون القادمون والمغادرون) أقل من 16 ألف مسافر يومياً، بدلاً من 80 ألفاً في اليوم العادي في نفس الموسم، بهبوط تبلغ نسبته 80%.
ومن المتوقع أن يتراجع العدد إلى نحو 11200 مسافر يومياً في الفترة المقبلة فالطلب منخفض في كلا الاتجاهين. فمن ناحية، لا يهتم معظم السياح بزيارة بلد في حالة حرب، ومن ناحية أخرى، تضاءلت رغبة الإسرائيليين بالفعل في السفر إلى الخارج بشكل أكبر بعد تحذير السفر الصادر عن الحكومة الإسرائيلية في الرابع من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، والذي يدعو الإسرائيليين إلى التفكير في أي رحلة إلى الخارج، وذلك في أعقاب التقارير التي تحدثت عن تزايد ملحوظ في مظاهر ما وصفها التقرير بـ"معاداة السامية والتحريض ضد الإسرائيليين واليهود في جميع أنحاء العالم".
وقال مسؤول تنفيذي في صناعة الطيران يعمل مع العديد من الشركات الأجنبية إن "إدارة المخاطر هي أهم شيء في مجال الطيران.. في الحرب، هناك مسائل تأمينية ثقيلة، وتخبر شركات التأمين شركات الطيران أن الرحلة هي في الواقع مسؤوليتها"، مضيفا :"إذا كان لدى الشركات مبرر تجاري، فمن الممكن أن تكون مداولاتها مختلفة، ولكن في الوقت الحالي لا يوجد ركاب، الطلب عند مستوى منخفض، وبالتالي لا يوجد سبب يدعوهم للسفر إلى هنا في مثل هذه الظروف".
وتابع : "إذا لم يتم حل الوضع في الشهر المقبل، ستبدأ الشركات بإلغاء المسارات للعام المقبل، وقد نجد أنفسنا في عام 2024 مع طلب مرتفع على السفر، ولكن من دون توفر الشركات الأجنبية".
وفي السياق، رجح الرئيس التنفيذي لشركة "يسرائير" انخفاض عدد الرحلات الجوية على أي حال في العام المقبل، نظراً لأن الصياغة النهائية للجدول الزمني للعام المقبل تجري هذه الأيام، مضيفا أنه طالما أن "هناك حالة من عدم اليقين، سيسعى المديرون التجاريون لشركات الطيران الأجنبية إلى تقليل المخاطر، لذلك سيضعون الحد الأدنى لجدول الرحلات".
وأيدت كاتسير وجهة النظر هذه قائلة: "في نهاية العام، تبدأ شركات الطيران العالمية ترتيب جدول الرحلات الجوية للعام المقبل ومواعيدها.. لذلك إذا لم يتم حل الوضع في الشهر المقبل ستبدأ الشركات بإلغاء المسارات للعام المقبل، وقد نجد أنفسنا في 2024 مع الطلب، ولكن دون توفر الشركات الأجنبية".
وربما لا تكترث الكثير من شركات الطيران العالمية بإسرائيل كثيراً، في مجرد محطة واحدة على الطريق وهي كيان صغير نسبيا، ويستمر سوق الطيران العالمي في العمل كالمعتاد في معظم الأحيان. بينما في المقابل، هناك شركات أجنبية يؤثر عليها بالتأكيد توقف الرحلات الجوية لاسيما الشركات الأميركية إذ تعد الولايات المتحدة الداعم الأكبر لإسرائيل.
الشركات الأميركية تتضرر
وفي 18 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تراجعت أسهم شركة "يونايتد إيرلاينز" الأميركية بعد أن حذرت الشركة من تضرر أرباحها بسبب تجميد رحلاتها إلى إسرائيل بسبب الحرب في المنطقة، وبسبب ارتفاع أسعار الوقود. ويتوقع المحللون أنه بسبب التأثير المستمر للحرب على الشركة، فإن أرباحها في الربع الأخير من العام الجاري ستنخفض بنسبة 15%.
وبحسب كاتسير فإن "شركات الطيران الأميركية هي الأكثر إلحاحا للعودة، والخط إلى تل أبيب مهم بالنسبة لها لأنه مربح للغاية".
علاوة على ذلك، فإن شركات الطيران التي اعتادت عبور المنطقة في طريقها من الشرق إلى الغرب وبالعكس، تضطر إلى القيام بتحويلات طويلة ومكلفة.
ووفقاً لشركة سيريوم لأبحاث الطيران، إذا كان هناك تصعيد في الحرب بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية، فسيتم إغلاق المزيد من المجال الجوي في الشرق الأوسط وستتأثر حوالي 300 رحلة جوية يومية بين أوروبا ووجهات في جنوب آسيا وجنوب شرق آسيا.
وتقوم شركات الطيران في الاتحاد الأوروبي، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة الأميركية وكندا بالفعل بإجراء تحويلات مكلفة حول المجال الجوي الروسي في طريقها إلى آسيا.
وعلى سبيل المثال، اضطرت شركة "فين إير" إلى تغيير استراتيجيتها للرحلات الطويلة، كما طلبت الخطوط الجوية الفرنسية "كيه ال ام" طائرات إيرباص A350 ذات مدى أطول.
لكن مسؤولا كبيرا في قطاع الطيران يعمل مع الشركات الأجنبية، يرى أن الشركات الأجنبية ستعود إلى نشاطها الكامل تقريباً "عاجلاً أم آجلاً في نهاية المطاف.. قد تكون عملية تدريجية، لكنها ستعود".