بيّن تحقيق استقصائي أنّ شركات ألمانية سلّمت الآلاف من المكونات الإلكترونية الدقيقة مثل الترانزستورات والرقائق وقطع أساسية لتصنيع الأسلحة إلى روسيا التي تهاجم أوكرانيا منذ فبراير/ شباط 2022.
وأظهر تحقيق مشترك ما بين شبكة "إيه آر دي" الإخبارية الألمانية، وبرنامج "نيوسور" الهولندي، ومعهد روز للأبحاث في بريطانيا، أمس الخميس، خلال تقييم بيانات الجمارك الروسية لعدة أشهر سابقة، أنّ القطاع العسكري الروسي لا يزال يعتمد على التكنولوجيا الغربية.
ووفقاً للخبراء، فإنّ التكنولوجيات الأساسية لتصنيع أسلحة الحرب تصل من شركات ألمانية عبر مسارات ثالثة، بينها هونغ كونغ وسلوفاكيا، إلى موسكو بواسطة شركة كومبل التي تعتبر من أكبر مستوردي المكونات الإلكترونية في روسيا.
وأوضحت الشبكة أنه، وبعد الاطلاع على المستندات التي تقوم بموجبها شركة كومبل بتسليم قطع صناعاتها، تبيّن أنها تزود الشركات التي تعمل بشكل وثيق في الصناعة الدفاعية الروسية، رغم أنّ الشركة الروسية تفيد رسمياً بأنها تزود القطاع المدني فقط بقطع ورقائق إلكترونية، وأن شركات الصناعات العسكرية ليست من عملائها.
بالإضافة إلى ذلك، أظهرت مستندات الاستيراد الروسية أنّ شركة كومبل تحافظ على علاقات وثيقة مع أوروبا، وأحد الموردين المهمين لـ"كومبل" شركة دبيلو دبيلو سميكون ومقرّها ميونخ، وبياناتها التجارية تحتوي على شحنات لآلاف المكونات الإلكترونية.
والأبرز، وفق ما وثق التقرير، أنّ أطباء الطب الشرعي عثروا على أجزاء من هذه التكنولوجيا في بقايا الأسلحة والقذائف والصواريخ الروسية التي تم إطلاقها على أوكرانيا، بينها المحوّل المستخدم في طائرة الاستطلاع بدون طيار "أورلان ـ 10"، إلى صواريخ كروز مثل "كاي إتش ـ 101" و"ألكسندرـ كاي 9 أم 727" والتي تعد من أحدث أنظمة الأسلحة في الجيش الروسي.
شركات ألمانية تحت مجهر التدقيق
ولفت التقرير البحثي إلى أنّ الجمارك الألمانية ومكتب الادعاء العام في ميونخ يبحثون عن إجابات، ولهذه الغاية تم تفتيش المقر العام لشركة دبيلو دبيلو سميكون الألمانية بغية إجراء تحقيقات ضدها، لا سيما أنه بالإضافة إلى الصادرات القانونية تبين أنّ عمليات التسليم من الشركة الألمانية تمت أيضاً مع مجموعة شركات ألمانية مدرجة على قائمة عقوبات الاتحاد الأوروبي في بيانات الجمارك الروسية والتي تم تسليمها على ما يبدو إلى "كومبل" عبر مستودعات في براتيسلافا وليتوانيا.
من جهة ثانية، ورداً على استفسار من قبل معدّي التحقيق أعلنت "دبليو دبليو سميكون" أنها أوقفت عمليات التسليم إلى شركة كومبل قبل فرض العقوبات، مشددة على أن عمليات التسليم كانت قانونية وقت التصدير.
وفي هذا السياق، اعتبرت الخبيرة في قانون العقوبات باربل ساكس أنّ عمليات التسليم "مشبوهة"، وبناء على البيانات الموجودة يفترض أن تكون هذه السلع مدرجة في القائمة ويحظر بيعها وتصديرها وتسليمها إلى روسيا.
وفي السياق عينه، أشار التقرير إلى أنّ الشركة الألمانية و"كومبل" الروسية تربطهما علاقات تجارية وثيقة مع شركة في هونغ كونغ تدعى فيندر للتكنولوجيا، والشركات الثلاث ترتبط بعضها ببعض من خلال العلاقات الشخصية، كاشفاً أنّ ابنة رئيس "كومبل" الروسية شريكة في الشركة الألمانية ومقرها ميونخ. وأصبحت هونغ كونغ مع الصين وتركيا بوابة مهمة لتصدير التكنولوجيا الخاضعة للعقوبات من الغرب.
ردود رسمية على التحقيق بشأن شركات ألمانية
وفي خضم ذلك، ردت الخارجية الألمانية على سؤال من قبل معدّي التحقيق، بالقول إنّ ألمانيا مع إدراج الشركات، وليس الدول على لائحة العقوبات، وحيث القدرة بأن تكون الأخيرة أكثر صرامة مع البلدان التي تتهرب من العقوبات أو تساعد على القيام بذلك. واعتبرت الوزارة أنّ هناك إمكانية استبعاد دول ثالثة من تلقي بعض سلع الاتحاد الأوروبي، ويتم الاعتماد أولاً على الوسائل الدبلوماسية.
ورأى مراقبون أنه من الناحية العملية من الصعب فرض عقوبات على الدول التي تساعد في التحايل على العقوبات المفروضة على روسيا.
تبرير الخارجية لم يستسيغه الحزب المسيحي الديمقراطي؛ أكبر أحزاب المعارضة في البرلمان (البوندستاغ)، حيث اتهم عضو الحزب رودريش كيزهفتر، الحكومة الفيدرالية بإضعاف العقوبات ضد روسيا، مشيراً إلى أنه "يجب أن نوضح لأنفسنا أنّ مستقبل أوكرانيا ليس فقط على المحك، بل كذلك مصداقية الاتحاد الأوروبي وألمانيا".