شتاء بريطانيا المرعب ... مخاوف كبيرة من الغلاء وأزمة الطاقة

04 اغسطس 2022
من الحراك الشاجب غلاء المعيشة وجموح التضخم في الأسواق البريطانية (الأناضول)
+ الخط -

يشهد العالم أزمة تضخم دولية بسبب الحرب بين موسكو وكييف، نظرا لأهمية الدولتين في تجارة السلع الأساسية، مثل الطاقة والغذاء، فيما يستخدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الطاقة، تحديدا، سلاحاً من أجل إلحاق الضرر بحلفاء أوكرانيا الأوروبيين المعتمدين كثيرا على الواردات من شركات الطاقة الحكومية الروسية.

فوفقا لوكالة الطاقة الدولية، استوردت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي 155 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي من روسيا عام 2021، بما يعادل 45% من إجمالي واردات الكتلة.

لكن مقارنة بالدول الأوروبية، يعتقد خبراء الطاقة أن وضع المملكة المتحدة يبقى أفضل من غيرها، لأن اعتمادها على الغاز الروسي أقل بكثير ولا يتجاوز 5% من إجمالي وارداتها من الغاز الطبيعي، فهي لا تمتلك أي تشبيك مباشر بخطوط الأنابيب الروسية، بل لديها إنتاجها الخاص في بحر الشمال، إضافة إلى إمدادات كبيرة من النرويج، ولديها قدرة كبيرة على استيراد الشحنات المنقولة بحراً من الغاز الطبيعي المسال كلما دعت الحاجة.
إنما ثمة مخاوف تراود السلطات البريطانية حول أسعار الغاز والوصول عمليا إلى الإمدادات في حال قرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إغلاق صنابير الغاز بشكل كامل عن أوروبا.
ففي مارس/آذار، أصر بوتين على أن تدفع شركات الطاقة الأوروبية ثمن الغاز بالروبل، وهدد بقطع الإمدادات في حال رفضت تنفيذ طلبه. وبالفعل أوقفت روسيا الإمدادات عن بولندا وبلغاريا وفنلندا والدنمارك وهولندا لعدم تلبية هذا الطلب، في حين أعلنت شركة الطاقة الإيطالية إيني في 17 يونيو/حزيران الماضي أنها خفضت نصف إمداداتها.
وخلال الأشهر الأخيرة، قُطعت الإمدادات عن عدة دول أوروبية، خصوصاً ألمانيا، مما دفع بأعضاء الاتحاد الأوروبي إلى الموافقة على خفض استخدام الغاز خلال الأشهر الثلاثة المقبلة. كما اضطروا إلى البحث عن إمدادات غاز من دول أُخرى، ما أدى بالمحصلة إلى ارتفاع الأسعار.
وتتراوح السيناريوهات في حال قطعت روسيا إمداداتها من الغاز عن أوروبا بالكامل، بين مواجهة المملكة المتحدة نقصا واسع النطاق في الكهرباء شبيها بذلك الذي شهدته على مدى 3 أيام في ديسمبر/كانون الأول 1973، والسيناريو الحكومي الأسوأ الذي أوردته صحيفة ذا تايمز في مايو/أيار الماضي، ومفاده أن الكهرباء قد تنقطع من بداية ديسمبر/كانون الأول المقبل ولمدة 3 أشهر.
وفي ظل تحليل أقل كآبة بقليل، قد يواجه 6 ملايين منزل انقطاع التيار الكهربائي لأكثر من شهر في بداية 2023، مع اضطرار الحكومة إلى تقنين الطاقة في أوقات الذروة.

وتأتي هذه التوقعات مع وجود اعتقاد في "وايتهول" بأنّ واردات الغاز من النرويج التي تعتمد عليها بريطانيا يمكن أن تنخفض بشكل كبير نتيجة زيادة الطلب من الاتحاد الأوروبي.
أما السيناريو الذي تفقد فيه المملكة المتحدة كلّ قوتها فلا ترجحه "الهيئة العامة لمشغل نظام الكهرباء" ESO. في السياق، كتبت صحيفة فايننشال تايمز في الأول من أغسطس/آب الجاري، أنّ قسم الأعمال في المملكة المتحدة أجرى دراسة مكثفة قبل 5 سنوات، حول أمن الإمدادات في المملكة المتحدة، وتضمنت سيناريو القطع الكامل للغاز الروسي، فوجدت أنه إذا كان التخفيض طويلاً، وكانت الدول الأوروبية على استعداد لدفع كل ما هو ضروري لتأمين الغاز، فقد تشهد البلاد طلباً كبيراً تعجز عن تلبيته. وبعبارة أخرى، النقص سيتطلب تقليص الطلب الصناعي وربما حتى تقليص الأعمال التجارية الصغيرة والمنازل.
وفي السيناريو الأكثر تطرفاً للطلب المرتفع للغاية، كما هو الحال في فصل الشتاء البارد بشكل خاص، وجدت الدراسة أنّه لم تتم تلبية نحو 28% من الطلب في المملكة المتحدة، مع تدفق المزيد من الغاز من النرويج والحقول البريطانية إلى القارة.

وفي مثل هذا السيناريو، قد تتعرض إمدادات الكهرباء للتهديد. فالمملكة المتحدة تعتمد على الغاز في حوالي 40% من توليد الطاقة، وترتفع هذه النسبة في الأيام الأكثر برودة عندما يكون الطلب مرتفعاً ويكون توليد الرياح منخفضاً.
وقالت الهيئة إنّها تستكشف الخيارات لتحفيز مستخدمي الطاقة على تقليل استخدامها خلال أوقات الذروة. وحذرت من أن الآثار غير المباشرة لأي وقف للواردات الأوروبية من الغاز الروسي يمكن أن تؤدي إلى ارتفاع جنوني للأسعار.
ومن الطبيعي أن تتأثر الأسعار بمدى قسوة الشتاء في البلاد، وبالتالي مدى ارتفاع الطلب. لذلك قدمت المملكة المتحدة مجموعة من الإجراءات لمكافحة أزمة تكلفة المعيشة حيث يكافح الناس التضخم وارتفاع أسعار الطاقة. وأبرزها استفادة ملايين الأسر في بريطانيا من دفعة قيمتها 650 جنيهاً إسترلينياً، أعلن عنها مستشار الخزينة السابق ريشي سوناك في مايو/أيار الماضي، عندما كشف النقاب عن حزمة دعم بقيمة 15 مليار جنيه إسترليني لمساعدة الأسر في المملكة المتحدة على تحمل تكاليف المعيشة المرتفعة، إضافة إلى منحة طاقة بقيمة 400 جنيه إسترليني للأسر الأكثر فقراً في البلاد التي من المتوقع أن تصل في الخريف.
بالنسبة للأشخاص المؤهلين من خلال المزايا التي اختبرت، بدأ القسط الأول من 650 جنيهاً إسترلينياً في الدخول تلقائياً في الحسابات المصرفية اعتباراً من يوم الخميس 14 يوليو/تموز على أن يستمر حتى نهاية الشهر.

وأعلنت الحكومة أنّ الدفعة الثانية والأخيرة ستصدر مباشرة للأسر في الخريف في تاريخ لم يتم تأكيده بعد. وسيتعين على المؤهلين فقط أي الأشخاص الذين يحصلون على ائتمان ضريبي للأطفال وائتمان ضريبي للعمل، الانتظار حتى الخريف للدفعة الأولى على أن تصل الدفعة الثانية بعد ذلك في فصل الشتاء.
وتقول الهيئة العامة لمشغل نظام الكهرباء في بريطانيا، إنها تسعى إلى اتخاذ قرار بشأن استخدام الهيدروجين للتدفئة السكنية والتجارية بحلول الموعد النهائي للحكومة 2026 لمنح المستهلكين اليقين بشأن تقنيات التدفئة منخفضة الكربون الأكثر ملاءمة لمنازلهم وأعمالهم.

وتتوقع أن تؤدي كهربة الطلب الحالي على الطاقة من الوقود الأحفوري، خصوصاً للتدفئة والنقل والنمو في الطلب على الكهرباء في القطاعات الجديدة، إلى زيادة الطلب السنوي والطلب على الكهرباء في الذروة. وهو ما سيتطلب استثماراً استراتيجياً في توليد الكهرباء والبنية التحتية لشبكات الطاقة لتلبية هذا الطلب.

كما ترى أنّ من الضروري وضع دعم مناسب للسياسات لدعم المستهلكين لتحسين جودة الطاقة في منازلهم وأعمالهم، بهدف تقليل فواتير الطاقة من خلال انخفاض الطلب السنوي وطلبات الطاقة القصوى.
وللتغلب على تحديات البنية التحتية، تدعو الشبكة الوطنية لمشغل الكهرباء في بريطانيا إلى ضرورة دعم السياسات، لكسر الحواجز التي تعرقل استيعاب التقنيات منخفضة الكربون مثل المضخات.

وتقول إن التكنولوجيا الذكية ومرونة جانب الطلب، يمكن أن تساعدا في التخفيف من الزيادة في طلبات الذروة الناتجة عن الكهرباء وتحسين نظام الطاقة بالكامل، وبالتالي تقليل تكاليف طاقة المستهلك.

وسيشمل ذلك اعتماد العدادات الذكية وتعرفة وقت الاستخدام من قبل المستهلكين المقيمين والشحن الذكي للمركبات الكهربائية وزيادة المشاركة الصناعية والتجارية في الاستجابة الجانبية للطلب.

ويبدو أنّ هذه الخطط تشمل تمكين جميع أنواع مستهلكي الطاقة، من الانخراط في نظام الطاقة بأكمله في المستقبل. مع الحث على وضع إشارات السوق المناسبة لتحفيز المستهلكين على المرونة التي يتم تحريرها من خلال الرقمنة والتكنولوجيا الذكية.
في المقابل، انتقدت الناشطة السياسية في منظمة غرين بيس البريطانية (منظمة بيئية عالمية)، آيمي مكارثي، الحكومة لفشلها في الاستعداد لهذا السيناريو.

وقالت إن الأمر الأكثر جموحا من ارتفاع أسعار الطاقة الكبير المتوقع في شهر يناير/كانون الثاني، هو حقيقة أن الحكومة تعلم منذ زمن طويل بأن هذا الأمر سيحدث، ومع ذلك لم تفعل أي شيء لمنعه أو لدعم ملايين العائلات التي ستضطر للتجمد من البرد خلال هذا الشتاء. وأضافت أنّ الحل الحقيقي هو تقليل استخدامنا للطاقة وإنهاء اعتمادنا على الغاز، الذي أصبح الآن أكثر تكلفة من أي وقت مضى.
أما وزارة الأعمال والطاقة والاستراتيجية الصناعية، فقالت إن المملكة المتحدة على عكس أوروبا، لا تعتمد على الغاز الروسي ولديها إمدادات الطاقة الآمنة والمتنوعة، لذلك يجب أن تثق الأسر والشركات والصناعة في قدرتها على الحصول على الكهرباء والغاز التي تحتاجها.
ولفتت الوزارة إلى أنّ البلاد مع ذلك تبقى عرضة لأسواق الغاز المتقلبة. وقالت إنه لا يمكن لأي حكومة وطنية التحكم في سعر الغاز، لكنها قدمت حزمة استثنائية بقيمة 37 مليار جنيه إسترليني لمساعدة الأسر، بما في ذلك 1200 جنيه إسترليني لـ8 ملايين من الأسر الأكثر ضعفاً في البلاد.
ونظراً لأهمية قضية الطاقة، تواجه المتنافسين على قيادة حزب المحافظين، ليز تراس وريشي سوناك، بينما تنتظر المملكة المتحدة انتخاب رئيس وزرائها الجديد، أسئلة حول كيفية التعامل مع عدوان بوتين في أوكرانيا واستخدامه للغاز كسلاح.

المساهمون