شبح جفاف الدولار يطارد اقتصادات بينها مصر وتونس ولبنان

29 يونيو 2023
فقدت عملات عدد من الدول جزءاً كبيراً من قيمتها خلال السنوات الأخيرة (فرانس برس)
+ الخط -

تشكل ظاهرة شحّ الدولار شبحاً يطارد دولاً عديدة حول العالم تُسمّى "الاقتصادات الحدودية" أو "الوسطية" frontier economies، ومن بينها مصر وتونس ولبنان وباكستان. فما هو واقع هذا الكابوس حالياً؟

والمقصود بهذا التصنيف البلدان الأعلى مستوىً من "الدول الأقل نمواً" (LDCs) لكنها لا تزال دون درجة "الأسواق الناشئة".

وتشير "رويترز" في تقرير موسّع حول هذه المسألة إلى أن البنك الدولي يقدر أن ربع الأسواق الصاعدة والبلدان النامية قد فقد فعلاً إمكانية الوصول إلى أسواق السندات الدولية، وهي مصدر رئيسي للعملة الصعبة اللازمة لدفع ثمن النفط والسلع مثل الغذاء.

وقد خفضت توقعات النمو إلى النصف لبعض الاقتصادات المتضررة من أزمة الائتمان، نتاج رحلة عالمية إلى بر الأمان مع ارتفاع أسعار الفائدة لمكافحة التضخم الذي قفز العام الماضي عندما أعيد فتح الاقتصادات بعد كورونا وغزو روسيا أوكرانيا.

في هذا الإطار، يقول رئيس استراتيجية الاقتصاد الكلي في "فيم بارتنرز" بلندن، تشارلي روبرتسون، إن البلدان المتضررة من المرجح أن تشهد أيضاً كبحاً للاستثمار الأجنبي المباشر.

في باكستان، مثلاً، لولا دولارات عملاء "هيئة التنمية والتجارة" الكينية KTDA، وهي أكبر أسواقها، فإن التعاونية التي تنتج 60% من الشاي الكيني كانت ستكافح لدفع فواتيرها بنفسها.

وقد أتت الجهود في إسلام أباد ثمارها، لكن الهيئة الكينية تظهر أمامها ضغوط مماثلة في مصر، ثاني أكبر أسواقها، حيث أثارت 3 تخفيضات حادة في قيمة الجنيه مخاوف بشأن قدرة القاهرة على خدمة ديونها المقوّمة بالدولار.

كذلك، أدى الارتفاع الحاد في أسعار الفائدة العالمية بالفعل إلى دفع سريلانكا وغانا للتخلف عن السداد.

في غضون ذلك، تبدو تونس متأرجحة، بينما تنفق نيجيريا تقريباً نصف إيراداتها الحكومية أو أكثر على مدفوعات الفوائد. حتى أن كينيا نفسها تعتبر في دائرة خطر.

عن هذه النقطة، يقول تاجر العملات الأجنبية في "ستون إكس" StoneX بلندن، ديفيد ويلاسي: "تعاني الاقتصادات الحدودية من ارتفاع فواتير الاستيراد التي تفاقمت بسبب تشديد الأوضاع المالية العالمية والهروب العام إلى بر الأمان".

تنامي السوق السوداء لصرف العملات

ورغم أن حصة الدولار كعملة احتياطية عالمية قد انخفضت من 70% إلى 59% على مدى عقد من الزمان، إلا أنه لا يزال هو المهيمن على التجارة العالمية.

ولأنه مقبول على نطاق واسع، يظل الدولار مفضلاً بشدة بين المواطنين العاديين في البلدان النامية. وغالباً ما يكون ظهور أسعار الصرف الموازية أو السوق غير الرسمية لشراء الدولار والعملات الرئيسية الأخرى علامة مبكرة على أن البلد المعني يواجه مشاكل.

في السياق، يقول الطالب في العاصمة النيجيرية لاجوس وهو يتلقى دروساً عبر الإنترنت مع جامعة بريطانية، ويُدعى أرولوا أوجو، قال: "إذا أردت دولارات، يجب أن أشتري من السوق السوداء، وهو أمر مكلف".

يحصل ذلك في نيجيريا، أكبر اقتصاد في أفريقيا، وهي مصدر رئيسي للنفط يبيع الخام بالدولار. لكن لأنها تفتقر إلى طاقة التكرير، يتعين عليها استيراد الوقود، لذا فإن العملة الصعبة شحيحة.

ولطالما كان لنيجيريا شبكة من أسعار الصرف المتعددة التي تحاول الآن حلها، بعد أن خفضت أيضا قيمة عملتها "النيرة" مجدداً الأسبوع الماضي.

والأزمات المتكررة في الأرجنتين تعني أن لديها أسعار صرف موازية لسنوات، بينما في كوبا وفنزويلا مزيج من المشكلات الاقتصادية العميقة والعقوبات الأميركية تعني أن الدولار أو اليورو غالباً ما يكون مطلوباً لشراء سلع أساسية، من الأدوية إلى اللحوم.

وفي حين لا تزال سياحة كوبا مصدر دخلها الأساسي من النقد الأجنبي، تتعافى بعد وباء كورونا، تساعد الفجوة المتزايدة بين أولئك الذين لا يستطيعون الوصول إلى العملة الصعبة في دفع هجرة جماعية قياسية للمهاجرين من الجزيرة إلى الولايات المتحدة.

احتياطيات الدولار تتآكل في البنوك المركزية

كما أن حاجة بلد ما الشديدة إلى احتياطيات العملات الأجنبية هي علامة أخرى معترف بها على نطاق واسع بأن البلد يخضع لضغوط.

وتقدر الشركة المتخصصة "تشوسر" Chaucer، التي توفر التأمين ضد المخاطر السياسية، أن 91 دولة من أصل 142 قد شهدت تقلص احتياطياتها من العملات الأجنبية في الأشهر الـ12 الماضية. وفقد أكثر من ثلثها ما يزيد عن 10%، وهو اتجاه يفاقمه ارتفاع الدولار.

في هذا الإطار، أدى انخفاض احتياطيات بوليفيا بنحو 70% إلى ظهور طوابير في البنوك ومحلات الصرافة، حيث توقف بعض التجار عن قبول العملة المحلية.

وقال مندوب مبيعات "لا باز تي في" La Paz TV، رونال ماماني: "من الأفضل لعملائنا أن يأتوا بالدولار، لأنه مع البوليفيانو لن نعرف حقيقة الصفقة، لأننا لا نعرف بالضبط ما هو سعر الصرف الحقيقي".

وفي مواجهة هذه الفوضى، فرضت دول مثل لبنان وتركيا وسريلانكا وباكستان وأوكرانيا قيوداً على رأس المال، بينما حظرت إثيوبيا، التي تفاقمت مشاكلها بسبب الصراع الأهلي، واردات عشرات السلع، بما في ذلك السيارات، من أجل توفير الأموال للطعام والوقود.

محاولات حثيثة لتقويض هيمنة الدولار عالمياً

أمام هذا الواقع، تحاول بعض الدول كسر قبضة الدولار أو التحايل عليها. فمنذ العقوبات الغربية التي قطعت روسيا عن النظام المصرفي العالمي، دفعت الصين والهند ثمن النفط الروسي بعملات أخرى، بينما تدفع غانا ثمن النفط بالذهب.

وطرح الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا فكرة العملة المشتركة لمجموعة "بريكس" للاقتصادات الناشئة، قائلاً في إبريل/نيسان الماضي: "نحتاج إلى عملة تمنح البلدان مزيداً من الهدوء".

وقد تناقش دول "بريكس" هذا الاقتراح في قمة جوهانسبرغ في أغسطس/آب المقبل، رغم أن من غير المرجح أن يصبح حقيقة واقعة قريباً. لكن المجموعة تسعى إلى توثيق العلاقات مع دول مثل السعودية لأنها تقدم نفسها كثقل موازن للغرب.

المساهمون