حذّر خبراء من أن الفحوص الجماعية لسكان الصين قد تسبب ضررا أكبر لاقتصاد البلاد التي تعهدت مواصلة تطبيق سياسة "صفر كوفيد" الصارمة رغم تأثيرها على النمو وإذكائها الغضب الشعبيّ.
اتخذ قادة الصين نهجا متشددا للقضاء على تفشي الفيروس، وقد فرضوا إغلاقا في شنغهاي أكبر مدن البلاد وأحد محركات نموها الاقتصادي الرئيسية، وفرضوا تدابير تقيّد الحركة في بكين إثر رصد عشرات الإصابات الجديدة.
رفضت السلطات الإصغاء للاحتجاج العام المتصاعد بسبب نقص الغذاء وظروف الحجر الصحي في شنغهاي، إذ تعهّد مسؤولون كبار الخميس "الالتزام الثابت" باستراتيجية "صفر كوفيد" و"مكافحة" الانتقادات الموجهة لهذه السياسة.
اعتبرت حكومة الصين أن الاستراتيجية دليل على تقديرها حياة الإنسان وإعلائها على الاهتمامات المادية، وأكدت أنها تمكّن من تجنّب أزمة صحة عامة شهدتها بلدان أخرى.
لكن هذه المقاربة تضر بالاقتصاد وتشكل تحديا سياسيا هاما للرئيس شي جين بينغ.
ويتعين على الرئيس الآن إقناع الرأي العام الذي أعرب عن غضبه من عمليات الإغلاق على وسائل التواصل الاجتماعي، بأن المفاضلة بين الاقتصاد والحياة شرّ لا بد منه.
وكان شي قد شارك في اجتماع، الخميس، تعهد فيه كبار المسؤولين في البلاد أن "يكافحوا بحزم كل الأقوال والأفعال التي تشوه أو تشكك أو ترفض سياسات البلاد لمكافحة الأمراض".
تكاليف باهظة
لكن يخشى خبراء من أن خطة بكين ستؤثر بشكل كبير على ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
فقد توقع محللو شركة "نومورا" أمس الجمعة، أن تفويضات الفحوص الجماعية وحدها قد تكلف ما يصل إلى 2,3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي السنوي.
تم فحص سكان شنغهاي البالغ عددهم 25 مليونا عدة مرات، في حين خضع بعض سكان بكين البالغ عددهم 21 مليونا لجولات متكررة من الفحوص، وهي سياسة ألمحت الحكومة إلى إمكان توسيعها لتشمل كافة أنحاء البلاد من أجل مكافحة المتحورة أوميكرون شديدة العدوى.
وقالت "نومورا" إن فحص نصف سكان أكثر دول العالم اكتظاظا مرة كل ثلاثة أيام سيكلف حوالي 0,9 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، في حين سيكلف إخضاع 90 بالمئة من السكان لاختبار كل يومين 2,3 بالمئة.
واعتبر كبير الاقتصاديين الصينيين في "نومورا" تينغ لو أن القيود يمكن أن تحمل تكاليف "باهظة" إذا فُرضت على الصعيد الوطني، بينما تقدم فقط مزايا "محدودة" لأن المتحورة أوميكرون التي يصعب احتواؤها قد تقود السلطات إلى إغلاق مزيد من المدن.
يأتي هذا التوقع القاتم في أعقاب خفض وكالة "فيتش" للتصنيفات الائتمانية توقعاتها للنمو الاقتصادي الصيني للعام بأكمله من 4,8 إلى 4,3 بالمئة.
وتلك النسبة بعيدة كل البعد عن الهدف الرسمي للحكومة البالغ 5,5 بالمئة.
كما تراجع مؤشر رئيسي لنشاط قطاع الخدمات إلى 36,2 في نيسان/أبريل ليبلغ ثاني أدنى مستوى على الإطلاق، فيما قال بعض الخبراء إنها إشارة واضحة على أن البلد يشهد حالة ركود.
وقد كشفت دراسة نشرت الخميس أن السياسة الصارمة في مكافحة كوفيد التي تنتهجها الصين أفقدتها "الكثير من جاذبيتها" بالنسبة إلى العديد من الشركات الأوروبية جراء تعطل شبكات الإمداد وتباطؤ النشاط وانخفاض اليد العاملة.
وذكرت الدراسة الصادرة عن غرفة تجارة الاتحاد الأوروبي في الصين أن عمليات العزل في عشرات المدن الصينية هذا العام تسببت في "اضطرابات على نطاق ضخم".
(فرانس برس)