يعتمد الصرّاف الفلسطيني حمدان العمصي، مُنذ ما يزيد عن أربعة عقود، على سوق العملة القديم، ومكانه شرقي مدينة غزة، في بيع، وشراء مختلف العملات الورقية، في عادة اقتصادية درجت بمدينة غزة مُنذ زمن طويل.
ويتوسط سوق العملة مدينة غزة القديمة، ويضم في جنباته نحو 20 محلًا تجاريًا لبيع وتجارة العملة واستبدالها بعملات أخرى، إلى جانب عدد من الصرافين المتجولين في زوايا السوق.
ويُشكل سوق العملة مصدرا لتصريف مختلف العملات التي يتم التجارة بها في قطاع غزة، ومن أبرزها الشيكل الإسرائيلي، والدينار الأردني، والدولار الأميركي، والجنيه المصري، فيما يُعتبر المتحكم الأساسي بأسعار العملات الأجنبية في قِطاع غزة، وفقا لحاجة السوق، فأحياناً تكون الأسعار أعلى من السعر في البورصة أو أقل.
انعكاس للوضع السياسي والاقتصادي
ويقول العمصي الذي يعمل في الصِرافة مُنذ عام 1980، لـ "العربي الجديد"، إن الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة، وإحلال عملة الشيكل الخاصة به، وعدم وجود عملة فلسطينية رسمية، أدى إلى التعامل في تصريف العملات الأجنبية داخل سوق العملة، والذي كان يُشكِّل مصدر الاعتماد الأساسي في ستينيات القرن الماضي، لتداول العملات الأجنبية.
ويلفت العمصي إلى أن سوق العملة كان المصدر الوحيد لتبديل العملات، المصرية، والأميركية، والأردنية، والإسرائيلية، فيما باتت تنتشر مكاتب الصرافة في مختلف مدن وشوارع قِطاع غزة، إلا أن السوق ما زال "مصنع القَرار، والمتحكم الرئيس، بأسعار العملات الأجنبية، وتحديدا عُملتي الدولار الأميركي، والدينار الأردني، بعد خضوعهما لسياسة العرض، والطلب".
ويُبين العمصي أن السوق يعكس حالة الوضع السياسي أو الوضع الاقتصادي للدول الخاصة بها. وعن ذلك يقول: "نحن لا نمتلك عملة وطنية، لذلك نتعامل بالعملات الأجنبية، والتي تتأثر بالعوامل السياسة، والعسكرية، والأمنية الخاصة ببلادها، وبالتالي على أسعارها في السوق، وفي آلية وطبيعة تداولها".
ويقع سوق العملة في حي الدرج بالبلدة القديمة، وإلى الشرق من سوق الذهب "سوق القيسارية"، الذي بُني منذ العهد المملوكي، والذي امتد في غزة بين عامي 1260 و1517، ويعتبر من أهم الأسواق، والمعالم الأثرية، والأنشطة التجارية والاقتصادية التي ما زالت باقية حتى الآن.
بوصلة لأسعار مختلف العملات
ويُغطي الممر الضيق المؤدي إلى سوق العملة بسقف مقبب، وعلى جوانبه محال لتداول وبيع وشراء العملات الأجنبية المتنوعة، فيما يقع السوق على الحافة الجنوبية الشرقية للمسجد العمري الكبير، وهو أكبر المساجد الأثرية في غزة، ويمتد السوق من شارع عمر المختار الرئيسي جنوبا، حتى شارع الوِحدة شمالًا.
من جانبه، يُبين تاجر العملة بلال الغماري أن سوق العملة يُعتبر مركزيا، وفي منطقة تجارية مركزية للملابس والذهب، وهو "المنبع الأساسي، والذي يشتري منه تُجار العملة، وأصحاب مكاتب الصرافة مختلف العملات المطلوبة، من التُجار الأساسيين في السوق، والذين يقومون بدورهم بتصريف تلك العملات وفي مقدمتها الدولار، وتصديره لبنوك سلطة النقد، أو بنوك قطاع غزة، والضفة الغربية".
ويُشير الغماري لـ"العربي الجديد" إلى أن سوق العملة يُعتبر البوصلة أو "السيرفر" الخاص بتصدير أسعار العملات لمختلف مناطق قِطاع غزة، وفقا لحاجة السوق والطلبات المُتزايدة تجاه عملة معينة، لافتًا إلى أن العملات كذلك تخضع للآلية الاقتصادية المُتعارف عليها، والمُتعلقة بالعرض والطلب.
تصريف العملات البالية
ويتعامل السوق بالعملات الأساسية وهي الشيكل، والدولار، والدينار، والجنيه، واليورو، إلى جانب مختلف عملات دول العالم، وفق حديث الغماري، كما يتمتع بميزة إضافية وهي تصريف العملات البالية بأسعار أقل من العملات الجيدة، بينما يقوم تجار السوق، وأصحاب العلاقات القوية بالبنوك بتصريفها.
ويضم السوق وفق الغماري نحو 20 متجراً أساسياً، إلى جانب عشرات الصرافين المتجولين، ويتحكم في عددهم صعود وهبوط أسعار العملات، في الوقت الذي تشهد فيه الحركة التجارية حالة من الضعف، بفعل عوامل الحصار الإسرائيلي، وتأثر العديد من التُجار نتيجة قلة التسويق بين غزة والضفة الغربية.
يذكر أن الاحتياجات المالية لقطاع غزة زادت في ظل تكرار عدوان الاحتلال الإسرائيلي الذي تسبب في خسائر فادحة بمختلف القطاعات الاقتصادية والبنى التحتية. وانعكس ذلك على الأوضاع المالية والنقدية في القطاع، في ظل تفاقم الأزمات الاقتصادية والمعيشية، خلال الفترة الأخيرة.
"شارع البوسطة"
من ناحيته، يُشير مُدير دائرة المواقع والتنقيب في وزارة السياحة والآثار حمودة الدهدار إلى أن تأسيس شارع سوق العملة، والذي يُطلق عليه تاريخيا اسم "شارع البوسطة" يعود إلى أواخر العهد العثماني، عندما أمر جمال الدين باشا، قائد الجيش التُركي، في غزة، بفتح شارع يمتد من جامع الشيخ شعبان غربا، حتى شارع البوسطة شرقا، وقد حظي مُنذ ذلك الوقت بأهمية تاريخية.
يضم السوق وفق الغماري نحو 20 متجراً أساسياً، إلى جانب عشرات الصرافين المتجولين، ويتحكم في عددهم صعود وهبوط أسعار العملات
ويُبين الدهدار لـ"العربي الجديد" أن شارع البوسطة، القريب من الأسوار الشمالية والشرقية للبلدة القديمة، كان يُعتبر من أهم الشوارع في العهد المصري، حيث كان يضم العديد من المرافق الهامة، مثل مركز الشرطة الرئيسي، والبريد المركزي، وإطفائية غزة، وإدارة الأوقاف، وسوق الموظفين، وسوق الذهب، وسوق العملة، ويؤدي إلى العديد من المعالم الأثرية البارزة، مثل قصر الباشا، ومدرسة الزهراء، ومقبرة الغصين، ومدرسة الفلاح، ومدرسة هاشِم، وحمام السمرة التاريخي.
أهمية تاريخية
يربط شارع سوق العملة بين شارعي عمر المختار والوحدة الرئيسيين، فيما يمتد حتى سوق الذهب غربا، وفق حديث الدهدار، كما يمتلك أهمية تاريخية واقتصادية، إذ كان يتوسط مدينة غزة القديمة، والتي تعتبر المدينة الاقتصادية والسياسية لقِطاع غزة إبان الحُكم العُثماني، لكثرة وجود الأسواق والمباني التجارية فيها.
وارتبط سوق العملة تاريخياً بسوق الذهب والذي يطلق عليه اسم "القيسارية"، إلى أن تم الفصل بينهما في العصر الحديث، إذ أصبح لكل منهما مهامه واختصاصاته المالية، والاقتصادية، وعوامل تأثره الخاصة به، إلا أنهما لا يزالان يُكملان بعضهما.