يعتمد كثير من السوريين لتأمين احتياجاتهم المعيشية على ما يصل إليهم من مساعدات مالية من ذويهم المغتربين أو حتى اللاجئين في دول اللجوء الغربية، إلا أن الحصول على تلك المبالغ الزهيدة يتطلب ممن تصل لهم إلى دمشق أن يعيشوا مغامرة خطرة، في ظل تشديد النظام للإجراءات الأمنية الخاصة بمنع التعامل بالعملات الأجنبية والحوالات غير النظامية.
تعتبر المائتي يورو، التي يرسلها مجدي الولي لوالديه، المقيمين في دمشق، شهرياً، مصدر المساعدة الرئيسية التي تعينهم على تأمين احتياجاتهم المعيشية، إلى جانب رواتبهم التقاعدية، بحسب أم مجدي، مضيفة في حديث مع "العربي الجديد"، "لولا حاجتنا إلى هذا المبلغ ما كنت لاحتمل حرق الأعصاب كل شهر حيث أستلم المبلغ".
وتؤكد السيدة السورية، أن "النظام يطارد الناس بشكل كبير ليجبرهم على تحويل الأموال عبر المكاتب المرخصة، لكن بذلك يفقد المبلغ جزءا كبيرا من قيمته، فسعر صرف اليورو الواحد عبر شراكات الصرافة الرسمية نحو 1500 ليرة، أما في السوق السوداء فسعره يزيد عن خمسة آلاف ليرة".
وتضيف: "لا أعلم كيف تصل الحوالة، لكن يخبرني ابني أنه أرسلها، وخلال اليومين التاليين أنتظر أن يتصل بي أحدهم ليخبرني موعد استلامها، ويأتيني الاتصال عبر برامج التواصل على الإنترنت ليخبرني أن لي أمانة وأن أبقى على استعداد في اليوم التالي ليعطيني العنوان الذي سأتسلمها منه، مرة استلمت من محل لبيع الملابس الجاهزة، ومرة أخرى استلمت من شركة صرافة رسمية لكن باليورو، وكل مرة من مكان مختلف".
أما أبو ماهر صلاح الدين (66 عاما)، الذي يقول إنه تسلم حوالة أخيرة من ابنه في لبنان عبر وسيط يعمل لدى أحد المكاتب بالقرب من ساحة السبع بحرات في دمشق "كل شهر يجب أن أقوم بهذه العملية، ينتابني شعور بأني أقوم بعمل أمني، وأعرض نفسي لخطر الاعتقال، وأنا بهذا العمر المتقدم قد لا أحتمل توقيفي ليومين حتى أفارق الحياة، لكن لا حول ولا قوة فالنظام لم يترك أمامنا أي خيار، فهو يسعر صرف الدولار بنحو 1250 ليرة في حين يزيد سعر الصرف في السوق عن 4 آلاف ليرة".
بدوره، يقول خبير اقتصادي في دمشق، طلب عدم الكشف عن هويته "النظام يريد سرقة السوريين عبر محاولاته الدائمة لحصارهم وإجبارهم على إرسال الأموال لعائلاتهم التي بدأت تعاني من الفقر المدقع عبره، وهو بدوره يستفيد من فارق سعر الصرف لتأمين نفقاته الجارية".
ويضيف " هناك ازدواجية في تعاملات النظام مع الوضع، فهو يترك السوق المنفلت لتتسابق الأسعار مع سعر الصرف من جهة، ويصر على فرض سعر صرف وهمي، لا يمكن أن يكون ناتجا عن سياسة نظام وطني، بل هي عملية إفقار ممنهجة للسوريين".
وفي وقت سابق من مارس/ آذار الجاري، أعلن برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة أن 60% من السكان في سورية يعانون من انعدام الأمن الغذائي والجوع، بما يعادل 12.4 مليون نسمة، ما يشكل ضعف العدد المسجل في عام 2018، لافتاً إلى أن السوريين يواجهون صدمات متعددة، بينها انهيار الليرة السورية، وتأثير ذلك على أسعار السلع الأساسية، وتداعيات الأزمة المالية في لبنان، فضلاً عن الأعمال العدائية المستمرة والنزوح واسع النطاق، وجائحة فيروس كورونا.
ووفق الخبير الاقتصادي السوري فإن "النظام وصل إلى درجة مراقبة المكالمات الهاتفية والصفحات الشخصية، فمجرد ذكر الشخص كلمة دولار أو كتابتها على صفحته الشخصية في إشارة إلى سعر الصرف أو أثره على الأسعار، يصبح ذلك الشخص عرضة للاعتقال والملاحقة الأمنية، بتهم مثل نشر أخبار كاذبة والتسبب بوهن نفسية الأمة والنيل من العملة الوطنية".
ويقول "لو كان النظام يهتم بالوضع المعيشي للسوريين، لربط سعر الصرف بسعر السوق، ووضع ألية ضبط للأسعار، والأهم من كل ذلك ربط الدخل بالأسعار، لتأمين معيشة كريمة لمن بقى في مناطق سيطرته، إلا أنه والمتنفذين داخله هم من أكبر المضاربين بسعر الصرف، وحتى غالبية شركات التحويل غير الرسمية مرتبطة بشكل أو آخر بشبكات الفساد داخل النظام، وكل ذلك يصب في سياسة نهب المواطن والمزيد من إفقاره".