شهدت فنادق مدينة القامشلي الواقعة في ريف الحسكة، شمال شرقي سورية، أخيراً، حركة ونشاطاً غير مسبوقين بعد توقّف خلال سنوات الحرب، حيث تعدّ المدينة عاصمة شمال شرقي سورية لموقعها القريب من تركيا والعراق، ووقوعها على الطرق التجارية بين البلدان الثلاثة (طريق الحرير).
وبعد سنوات من إغلاق الكثير من الفنادق أبوابها مع بداية الثورة السورية عام 2011 نتيجة لفقدان الاستقرار الأمني وبسبب المضايقات الأمنية لأصحاب الفنادق ومالكيها وإداراتها، إضافة إلى تراجع أعداد الزبائن بعد تعطل الحياة العامة، عادت حركة الزبائن ومعها عادت العديد من الفنادق لاستقبالهم وفتح أبوابها نتيجة لعوامل عديدة، منها الاستقرار النسبي أمنياً وعسكرياً.
كذلك أسهم وجود قوات التحالف الدولي لمحاربة تنظيم "داعش" الإرهابي في المنطقة واستقطاب هذا الوجود لوسائل الإعلام والصحافيين والمنظمات الدولية بكافة أنواعها، في عودة النشاط التجاري وبعض الفعاليات الخدمية، وبالتالي سبّب ذلك طفرة بالاقتصاد الفندقي في المنطقة.
يقول صاحب أحد الفنادق في مدينة القامشلي، جورج كريكوريان، لـ"العربي الجديد": "أسست فندقي الخاص قبل الثورة السورية بعد قضائي مع عائلتي سنوات طويلة في أوروبا، قضيناها في العمل هناك، ورغبت في نقل جزء من أعمالي إلى مدينتي التي ولدت فيها، كان العمل ومردود الفندق جيداً، إلّا أنّه مع بداية الأحداث صرنا نفقد الزبون تلو الزبون وأغلقنا الفندق لفترة طويلة، والآن عدنا لافتتاح الفندق بعد زيادة الحركة وعودة الأمان والهدوء إلى المنطقة".
"قبل الأحداث كان أغلب زبائننا من العراق ومن إقليم كردستان الذين كانوا يأتون للسياحة أو التجارة أو بغرض العلاج في دمشق"، وفق كريكوريان، والذي يضيف: "أعتقد أنّ الزبائن هم من العاملين في مخيمات النازحين، والذين يعملون بقضايا اللاجئين أو الذين يغطون تحرّكات قوات التحالف، ومن العاملين في القنوات التلفزيونية والعاملين في وسائل الإعلام، وهم عادة يدفعون جيداً".
بدوره، يقول مدير أحد الفنادق الشعبية، فيصل أبو آلان، لـ"العربي الجديد": "زبائن الفندق لدينا من شرائح متعددة، منهم شريحة تبحث عن أبنائها من المفقودين أو المعتقلين لدى الإدارة الذاتية، وهناك نزلاء قدموا بغرض زيارة السجناء أو متابعة قضاياهم من خلال محامين، وهناك من يبحث عن فرصة عمل، سواء في مناطق الإدارة الذاتية في القامشلي أو يرغب في السفر إلى إقليم كردستان، وعندما كانت الحدود التركية مفتوحة للسماسرة ومهربي البشر، كانت هناك فئات منهم هنا.
ويشير أبو آلان إلى أنّ هناك فئة التجار القادمين من حلب ومناطق الإدارة الذاتية البعيدة كمنبج أو تل رفعت أو مناطق النظام من دمشق وغيرها، هؤلاء يلتقون زبائنهم بغرض الاتفاق على عمليات البيع والشراء وآليات الشحن والدفع والاستلام. كذلك هناك زبائن يقصدون المنطقة بغرض المعالجة وإجراء العمليات الجراحية.
وهناك من نسميهم "المقيمين"، وهم الزبائن الذين يقيمون في الفندق لفترة طويلة، إما لأنّ الشخص يكون وحيداً، ولا ترافقه عائلة، فيفضل السكن والإقامة في فندق، كبعض العاملين في مؤسسات الإدارة، وأحياناً يكونون شباناً تمتنع العائلات عن تأجيرهم منازل، فيسكنون الفنادق، حسب أبو آلان.
ويلفت إلى أن أغلب الزبائن هم من المرضى والتجار، ويأتون من محافظتي الرقة ودير الزور، موضحاً أن فندقه شعبي ويبلغ سعر الليلة الواحدة فيه خمسة آلاف ليرة سورية (الدولار = نحو 3900 ليرة)، لكنه عبارة عن نزل ليس فيه طعام أو تبريد، والذين يبحثون عن الرفاهية ينزلون في فنادق توفّر خدمات التبريد والإنترنت والإفطار، ويبلغ سعر الليلة الواحدة فيها بين 30 و35 ألف ليرة.
وأكد أنّ هناك زبائن من الأجانب يزورون فندقه ومعظمهم من الصحافيين والعاملين في المنظمات الأجنبية. وحسب أبو آلان، هناك 21 فندقاً في المدينة، منها ما هو قيد التجهيز، وخمسة منها كانت تعمل، وهي الآن مغلقة، وجميع هذه الفنادق تحتاج إلى تحسين، وفق تعبيره، إذ لا تتعدى جميعها التوصيف بنجمتين، وكثير منها مصنّفة بنجمة واحدة.
يقول شاب من ريف مدينة دير الزور يقيم في أحد فنادق القامشلي، سامي المحمد، لـ"العربي الجديد" إنه هرب من قوات النظام السوري، والتحق بالعمل في إحدى مؤسسات الإدارة الذاتية، لكنه واجه صعوبة في استئجار منزل، لكون العازبين غير مرغوبين من أصحاب المنازل، فاضطر إلى الإقامة في فندق.
التاجر من مدينة حلب، حسن يوسف، يزور القامشلي أسبوعاً في كل شهر، بهدف تحصيل المبالغ المترتبة على عملائه، يقول إنه يقضي هذا الأسبوع في أحد فنادق المدينة، لأنه يضطر إلى استضافتهم وتقديم المأكولات والمشروبات إليهم، والفندق الذي يقطنه يؤمن هذه الخدمة.
تقع مدينة القامشلي في أقصى شمال شرق سورية، بريف محافظة الحسكة، وشهدت استقراراً نوعياً خلال سنوات الثورة، حيث إن سكانها لم يتعرضوا للقصف والتهجير، وهذا جعلها مقصداً لكثير من العائلات النازحة، لكن المدينة شهدت بعض التوترات، لأنها مقسّمة بين قوات النظام السورية والإدارة الذاتية (الكردية).