استمع إلى الملخص
- المخاوف من التضخم دفعت المستثمرين للمطالبة بعائدات أعلى، مما أدى إلى تقليل تعرض شركات كبرى مثل بيمكو لسندات الخزانة طويلة الأجل، مفضلة السندات قصيرة إلى متوسطة الأجل.
- تباينت مشاعر المستثمرين مع فوز ترامب وتوقعات بتغيرات في السياسات الاقتصادية، وسط آمال غير واقعية بخفض الإنفاق بمقدار تريليوني دولار.
شهدت سندات الخزانة الأميركية على مدار الأسابيع الاخيرة تقلبات ملحوظة، نتيجة تفاعل معقد بين المؤشرات الاقتصادية والسياسات المالية ومعنويات المستثمرين، مع تجاوز الدين الوطني الأميركي 36 تريليون دولار، ووصوله لأعلى مستوياته على الإطلاق. وبنهاية تعاملات آخر أيام الأسبوع الماضي، بلغ العائد على سندات الخزانة لأجل عشر سنوات نحو 4.39%، وهو ارتفاع كبير مقارنة ببداية العام، وفقاً لما ذكرته صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية.
ورغم تشارك العديد من العوامل في التسبب بهذا الارتفاع في العائدات، كان العامل الأكثر أهمية هو ارتفاع الدين الفيدرالي، إذ قامت الحكومة الأميركية بزيادة إصدار السندات لتمويل العجز المتزايد في الميزانية. وتسبب هذا الارتفاع في العرض بضغط نزولي على أسعار السندات، وهو ما كان يعني دفع العائدات إلى الأعلى. وحذر "بنك التسويات الدولية" (BIS) من أن ارتفاع الديون الحكومية والسياسات المالية الأكثر مرونة زادا من الضغوط على أسواق السندات، لا سيما في الولايات المتحدة.
وفاقمت المخاوف بشأن استمرار ارتفاع معدل التضخم من خطورة الأوضاع، إذ تُظهر البيانات الأخيرة استمرار الضغوط التضخمية، مما يدفع المستثمرين إلى المطالبة بعائدات أعلى تعويضاً عن التراجع المتوقع في القوة الشرائية. وارتفع مؤشر أسعار المنتجين (PPI) لشهر نوفمبر/تشرين الثاني بنسبة 0.4%، متجاوزاً التوقعات، وفقاً للبيانات الصادرة في واشنطن الأسبوع الماضي.
وتغيرت نظرة المستثمرين للأسواق، حيث خفضت كبرى شركات إدارة السندات، مثل بيمكو، تعرضها لسندات الخزانة الأميركية طويلة الأجل، مشيرة إلى مخاوف تتعلق باستدامة الدين الأميركي والتضخم المحتمل. وأعادت الشركة، التي تستثمر ما يقرب من 1.8 تريليون دولار في سندات الخزانة الأميركية، تخصيص الاستثمارات نحو السندات قصيرة إلى متوسطة الأجل والأوراق المالية ذات الجودة العالية من دول ذات مراكز مالية أقوى، مثل أستراليا، وفقاً لما نقلته وكالة رويترز.
وقال مسؤولون في بيمكو "نقوم بالفعل بإجراء تعديلات تدريجية استجابة لارتفاع العجز في الولايات المتحدة". وتابعوا: "على وجه التحديد، نحن أقل ميلاً إلى إقراض الحكومة الأميركية ونفضل الفرص في أماكن أخرى". وتمثل هذه الخطوة تصعيداً كبيراً في الأسواق المالية، يرى المحللون أنه ناتج عن العجز الهائل في الميزانية والديون الفيدرالية.
وفي مذكرة نشرها الشهر الماضي، أشار إد يارديني، وهو اقتصادي ومحلل استثماري بارز في الأسواق المالية العالمية، ويُعرف بشكل خاص بتحليلاته ذائعة الصيت للسندات والأسهم، إلى أن "حراس السندات" يهددون برفع عائد سندات الخزانة لأجل عشر سنوات إلى 5%، وهو مستوى لم تصل إليه منذ منتصف عام 2007. و صاغ يارديني مصطلح "حراس السندات" في الثمانينيات لوصف المتداولين الذين يعبرون عن احتجاجهم على العجز المالي الكبير من خلال بيع السندات، مما يؤدي إلى ارتفاع عوائدها. وكتب يارديني وقتها: "نحن لا نطالب بوصول عائد سندات الخزانة لأجل عشر سنوات إلى 5%، ولكن يبدو أن حراس السندات يهددون برفعها إلى هذا المستوى".
ومن ناحية أخرى، ساهم فوز الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة بتباين مشاعر المستثمرين في الأسواق المالية، إذ يعتقد البعض أن سياسات المرشح الجمهوري ستؤدي إلى زيادة في النمو الاقتصادي وفي معدل التضخم أيضاً. ويرى البعض سيناريو قد يتسبب فيه ارتفاع العجز المالي، إلى جانب احتمال نشوب حرب تجارية عالمية، في ارتفاع التضخم وارتفاع عوائد السندات، مع تحقيق مكاسب في سوق الأسهم، وفقاً لشبكة سي أن بي سي الاقتصادية.
وتضيف سياسة البنك الفيدرالي النقدية طبقة أخرى من التعقيد، رغم إشارته إلى نهج حذر تجاه تعديل أسعار الفائدة، بالتزامن مع التحولات المتوقعة في السياسات الاقتصادية، مع وصول ترامب إلى البيت الأبيض. وساهمت هذه التوقعات في زيادة تقلبات السوق، إذ يقوم المستثمرون بتعديل محافظهم الاستثمارية استجابةً للتوقعات حول توجهات السياسة النقدية.
ورغم الآمال المعقودة على إيلون ماسك ورجل الأعمال فيفيك راماسوامي، اللذين سيقودا وزارة الكفاءة الحكومية، بخفض الإنفاق بمقدار تريليوني دولار، يرى خبراء أن هذا الرقم غير واقعي دون حدوث تخفيضات حادة في الاستحقاقات، وهو ما يتعارض مع الخطط المعلنة حتى الآن من الرئيس المنتخب دونالد ترامب.