يعيش الفلسطينيون في قطاع غزة أسوأ فصول الحصار الإسرائيلي المفروض عليهم منذ عام 2006، بفعل تزامنه مع حرب الإبادة المعيشية وغياب السلع الأساسية والمواد الغذائية منذ بدء العدوان الذي يكمل شهره الرابع غدا السبت.
ورغم المناشدات الأممية وقرارات محكمة العدل الدولية، إلا أن الاحتلال الإسرائيلي واصل حصاره المطبق على غزة، كما أن المساعدات التي تدخل عبر معبر رفح ما زالت لا تلبي احتياجات السكان، بل وصل الأمر إلى عرقلة متظاهرين إسرائيليين دخول المساعدات الشحيحة عبر معبر كرم أبو سالم.
وبات الفلسطينيون يعتمدون بدرجة أساسية على المساعدات الإغاثية التي تقدمها الدول والجهات الدولية العاملة في القطاع في توفير طعامهم اليومي تزامناً مع شح السلع الأساسية من السوق وارتفاع أسعار بعضها إلى 10 أضعاف ما كانت عليه قبل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
ورغم الضغوط الدولية، قيدت إسرائيل إدخال إمدادات إنسانية من مصر إلى قطاع غزة عبر معبر رفح البري، واقتصرت على معدل 100 شاحنة يوميًّا، وهو لا يقارن مع متوسط حمولة 500 شاحنة كانت تدخل لتلبية الاحتياجات الإنسانية إلى القطاع قبل السابع من أكتوبر الماضي.
أسواق مهجورة
وتخلو أسواق غزة من اللحوم والدواجن والخضروات إلا من بعض الأصناف التي يتم استيرادها من مصر والتي لا تكفي لسد احتياجات السوق المحلي لا سيما من يوجدون في رفح جنوبي القطاع ودير البلح حيث يتكدس قرابة 1.7 مليون نسمة.
وباتت الأسر الفلسطينية تميل إلى تقليص وجبات الطعام اليومية الخاصة بها وتعتمد فقط على وجبتين أو وجبة في اليوم الواحد للتعامل مع ارتفاع الأسعار الكبير ومع نقص المواد الإغاثية الموجودة في ظل تحكم الاحتلال بالشاحنات الواردة للقطاع.
ووفقاً لرصد مراسل "العربي الجديد"، فإن الكثير من السلع باتت تتوفر بكميات شحيحة للغاية من قبل الباعة في الأسواق نظراً لتراجع عمليات الشراء جراء الارتفاع المهول في الأسعار وانعدام توفر الخضروات والفواكه واللحوم الحمراء.
وقفزت أسعار اللحوم لتتجاوز 3 أضعاف ما كانت عليه في بداية الحرب مع تراجع الكميات المتاحة في الأسواق إلى جانب عدم توفر أي مصادر بديلة لإدخالها عبر المعابر، علاوة على ارتفاع معدلات التضخم تزامناً مع شح كبير في السيولة النقدية.
إلى جانب ذلك، إن الارتفاع الكبير في الأسعار يترافق مع غياب للجسم الحكومي الذي كانت تديره حركة حماس في غزة، في ظل توسع الحرب الإسرائيلية واستهداف المقرات الحكومية وتركز النازحين في المناطق الجنوبية من القطاع.
تفشي الجوع
في الأثناء، تقول الفلسطينية عبير مراد إن متوسط الارتفاع في أسعار السلع الأساسية منذ بداية الحرب حتى الشهر الرابع لها لا يقل عن 3 مرات وهي غالبيتها في السلع الأساسية فقط مثل الخضروات واللحوم إلى جانب بيض المائدة.
وتضيف مراد لـ"العربي الجديد" أن أسعار بعض الخضروات مثل البصل قفزت بشكلٍ كبير منذ أكتوبر/ تشرين الأول حتى نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي، حيث كان الكيلوغرام يبلغ 4 شواكل فيما يتراوح سعره حالياً ما بين 30 و40 شيكلاً إسرائيلياً، (الدولار = 3.68 شواكل).
ووفق السيدة الفلسطينية، فإن بعض الخضروات الأخرى مثل الخيار ارتفعت من 4 شواكل إلى 12 شيكلاً عدا عن السكر الذي تضاعف من 4 شواكل ليصل إلى 30 و40 شيكلاً هو الآخر، إلى جانب الارتفاع الضخم في أسعار بيض المائدة الذي تضاعف 3 مرات عما كان عليه.
وتشير إلى أن أصحاب العمل اليومي الذين فقدوا مصادر عملهم ودخلهم بفعل الحرب ولا يتقاضون رواتب هم أكثر المتضررين، حيث اضطر الكثيرون منهم لتخفيض الوجبات واللجوء لما يقدم في التكيات الخيرية المنتشرة في الشوارع لتحصيل وجبات طعام.
وتلفت إلى أن الجوع تفشى بشكلٍ كبير من جراء الحصار والحرب، وباتت المعلبات التي تقدم في المدارس ومراكز الإيواء المختلفة هي الأساس في وجبات الطعام حيث باتت العائلات تتحكم حتى في حجم الوجبات والكميات التي تتناولها.
وكان تقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي الصادر من الأمم المتحدة يوم 21 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أكد أن جميع سكان قطاع غزة "يعانون من أزمة أو مستويات أسوأ من الانعدام الحاد للأمن الغذائي". وأظهر التقرير أن 26 في المائة من السكان (نحو 577 ألف شخص) قد استنفدوا إمداداتهم الغذائية وقدراتهم على التكيف ويواجهون جوعاً كارثياً.
صعوبات معيشية
أما الفلسطيني حسين كساب فيواجه هو الآخر صعوبة في توفير احتياجات عائلته اليومية من السلع الأساسية، نتيجة للظروف الاقتصادية المأساوية التي تعصف بالفلسطينيين بفعل الحرب وغياب فرص العمل وعدم وجود مصادر دخل.
ووفقاً لحديث كساب لـ "العربي الجديد"، فإن أبرز المشكلات التي تواجه النازحين اليوم في رفح هي عدم توافق أسعار السلع مع السيولة النقدية الموجودة أو المتبقية مع الفلسطينيين من جراء استمرار الحرب لمدة زمنية طويلة دون توفق.
علاوة على ذلك، فإن أسعار الوجبة الواحدة باتت لا تقل عن 50 إلى 100 شيكل في المتوسط للعائلة الواحدة، وهو أمر يتجاوز حدود طاقة واستطاعة الفلسطينيين إذا ما تمت الإشارة للأجور اليومية المتدنية التي كان الفلسطينيون يتقاضونها قبل الحرب، حسب كساب.
ويشير إلى أن توقف الحرب من شأنه أن يسهم في تحسين الأوضاع المعيشية ولو قليلاً لا سيما مع إمكانية أن يسهم ذلك في عودة المئات لأعمالهم السابقة، وهو ما قد يسهم أيضاً في خفض أسعار السلع المرتفعة بشكلٍ ضخم وكبير.
لا ماء أو كهرباء
واستهدف الاحتلال قطع المياه والكهرباء وجميع الخدمات الأساسية منذ بدء العدوان، إذ قال وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت: "لقد أصدرت الأمر بفرض حصار كامل على قطاع غزة. لا كهرباء ولا طعام ولا غاز، كل شيء مغلق، نحن نقاتل حيوانات بشرية". وفي هذا السياق، أعلنت سلطة الطاقة الفلسطينية بقطاع غزة في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أن 70% من شبكات نقل وتوزيع الكهرباء بالقطاع دمرت بفعل الحرب الإسرائيلية المتواصلة.
ويبلغ متوسط احتياجات قطاع غزة من الكهرباء 550 ميغاواط في الظروف الطبيعية، لكن ما كان يتوفر حتى عشية الحرب لم يكن يتجاوز 205 ميغاواط.