في أولى ساعات فجر أمس الأربعاء، تحول الرئيس التونسي قيس سعيد إلى وزارة الداخلية، مهدداً المضاربين والمحتكرين بإجراءات جديدة سيعلن عنها في ساعة الصفر، ومحاولاً طمأنة التونسيين بأنّ الدولة متماسكة وستتصدى لهؤلاء الذين يهددون قوت التونسيين.
وشدّد سعيد على أنّ "هذه الظاهرة التي تفشت في كلّ أنحاء البلاد ليست من الظواهر التي تعكس الجشع والربح غير المشروع فقط، بل هي شبكات منظمة الهدف منها تجويع المواطنين وضرب السلم الأهلي لغايات سياسية مفضوحة لا تخفى على أحد" وفق قوله.
وأمام استفحال الأزمة الاقتصادية في البلاد وارتفاع الأسعار واختفاء مواد أساسية من الأسواق، وتصاعد ملحوظ في الاحتقان الاجتماعي، تحاول حكومة سعيّد الحدّ من تأثيرها.
لكنّها تصطدم بمعادلة صعبة للغاية، فهي تحتاج أولاً وعاجلاً وبالضرورة إلى اتفاق لا غنى عنه مع صندوق النقد الدولي، لكنّه يشترط عدداً من الإصلاحات يتم التوافق حولها بشكل تشاركي مع المنظمات الرئيسية (اتحاد الشغل ورجال الأعمال)، تضاف إليها شروط بإصلاحات سياسية تطالب بها الدول المانحة وتتم أيضاً بشكل تشاركي بين كلّ القوى المهمة في البلاد.
ويبقى موقف الاتحاد العام التونسي للشغل محدداً في هذه المعادلة، ومنذ أيام قال الأمين العام للمنظمة، نور الدين الطبوبي، إنّه "على رئيس الدولة طرح برنامجه على الطاولة في مختلف الجوانب، ليعرب الاتحاد في ما بعد عن معارضته أو موافقته عليه".
وصرّح الطبوبي بوضوح في ندوة نقابية بأنّه "في ظلّ الأجور الضعيفة والوضع الاجتماعي الحالي، فإنّ الاتحاد لن يكون شاهد زور"، مؤكداً "رفضه لرفع الدعم وتجميد الأجور" وهما من بين شروط صندوق النقد الدولي. وتابع الطبوبي: "لن نكون حطب نار لأيّ طرف، ولا شاهد زور ضد تونس لأيّ طرف كان، في الحكم أو في المعارضة"، مؤكداً أنّ "التوقيت بدأ ينتهي وتونس اليوم في منعرج خطير".
ويؤكد النائب المستقلّ حاتم المليكي، في تصريح لـ"العربي الجديد" أنّ "تونس في حاجة ماسة للصناديق الدولية المانحة، إذ تصعب تغطية عجز موازنة الدولة بالموارد الداخلية، وفي نفس الوقت تحتاج تونس للاقتراض بالعملة الصعبة والتي يمكن بواسطتها خلاص الديون والشراءات وغيرها".
وأوضح المليكي أنّ هناك 3 خيارات على مستوى الأسواق العالمية، الأول هو الأسواق المالية التقليدية التي غالباً ما تقصدها المؤسسات العمومية، واليوم في ظل نسبة المخاطر من الصعب الخروج إلى هذه الأسواق لأنّنا سنجد فائضاً كبيراً بين 14 و15 بالمائة، هذا إن وجدنا من يقبل إقراضنا أصلاً.
وأضاف: "الخيار الثاني الاقتراض من دول وغالباً ما تكون وراءها شروط سياسية بمعنى أنّ الأولوية في الاقتراض ستكون للدول الأصدقاء التي تتبنى نفس المواقف السياسية، والخيار الثالث يتعلق بالمؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والاقتراض مرتبط بشروط طبعاً".
صرّح الطبوبي بوضوح في ندوة نقابية بأنّه "في ظلّ الأجور الضعيفة والوضع الاجتماعي الحالي، فإنّ الاتحاد لن يكون شاهد زور"
وأوضح أنّ الصندوق "لا يعتبر مؤسسة عادية تقليدية بل يختزل وراءه المواقف السياسية للدول الصناعية الكبرى التي تمثل الجزء الأكبر من رأس ماله، والمطلوب من تونس التوافق مع الموقف السياسي لمجموعة السبع وهذا غير متوفر حالياً. فهناك مطالب بالعودة للديمقراطية واتفاق مجتمعي وخطة إصلاح وحوار مجتمعي ينهي المرحلة الاستثنائية، لكنّنا لم نستجب بعد لهذه المطالب".
ولفت إلى أنّ "مفتاحي الصندوق، إصلاح اقتصادي وإصلاح سياسي، والمشكل أنّ رئيس الجمهورية من الناحية العملية لم يوفر لتونس شروط النجاح للمفاوضات بل وضع جميع شروط الفشل".
وأكد أنّ "البعض يرى أنّ الطريق الذي نسير فيه مسدود ما سيخلق صعوبات حقيقية من انهيار الدينار وما سيترتب عنه من انفجار اجتماعي، وبين من يرى أن رئيس الجمهورية له طريق آخر للاقتراض وجلب الأموال، وهو ما يفسر حديثه عن أموال داخلية عن طريق الصلح الجزائي مع رجال الأعمال، لكنّ العارفين بالملف يؤكدون أنّ مبالغ قليلة يمكن استرجاعها، لأنّ القائمة الفعلية تضم عدداً منهم ممن غادروا تونس أو أفلسوا أو أعادوا جزءاً من هذه الأموال".
ويرى المليكي أنّ "المطلوب اليوم إنهاء المرحلة الاستثنائية، وتشكيل حكومة اقتصادية ومنحها الضمانات، مع تأجيل الانتخابات وفق بنود يتم الاتفاق حولها على غرار تنقيح القانون الانتخابي وغيره، ولا بدّ من ضغط القوى الفاعلة في المجتمع بهذا الاتجاه".