نظريا، اختارت الحكومة المصرية التوقيت الخطأ، وربما القاتل، لخوض تجربة الاقتراض الخارجي عبر طرح أول صكوك إسلامية في تاريخ البلاد وبقيمة تتراوح ما بين 1.5 و2.5 مليار دولار ولمدة 3 سنوات.
بل وكان هناك إصرار من قبل السلطات المسؤولة على الطرح في هذا التوقيت الحرج رغم تحذيرات عدة من خوض تلك التجربة حاليا لأسباب عدة منها ما هو متعلق بالداخل المصري والمشاكل الجمة التي يعاني منها الاقتصاد وسوق الصرف الأجنبي وخفض التصنيف الائتماني.
ومنها ما يرتبط بعوامل خارجية تتعلق بسياسة التشدد النقدي التي تتبناها البنوك المركزية مع استمرار معدل التضخم ومخاوف من وقوع الاقتصادات الكبرى في بئر الركود التضخمي.
الحكومة المصرية نجحت في طرح أول صكوك بسبب العائد المغري، لكن أحد لم يقل لنا ما هي الضمانات التي قدمتها الحكومة للمستثمرين الأجانب
محليا، يلاحظ أن أزمة العملة لا تزال تلقي بظلالها على المشهد الاقتصادي والمالي في مصر رغم التعويم الثالث للجنيه في أقل من عام وزيادة سعر الفائدة أكثر من مرة، ولا تزال السوق السوداء للعملة تطل برأسها في ظل شح النقد الأجنبي من الأسواق، وسعر الدولار لا يزال يواصل الزيادة.
صحيح أن الزيادة تباطأت في الفترة الأخيرة والمضاربات تراجعت بشدة، لكن هذا الشح وتعدد سوق الصرف واحتمال استمرار تراجع الجنيه لا تزال تقلق المستثمرين الأجانب، وهو ما لا يشجع، نظريا، على شراء أدوات دين مصرية في هذا التوقيت، أو حتى شراء أصول وحصص في شركات.
عالميا، نلحظ أن موجة هروب الأموال الساخنة من الأسواق الناشئة لا تزال مستمرة، والبنك المركزي الأميركي وغيره من البنوك الكبرى لا تزال تواصل رفع سعر الفائدة لمحاربة التضخم، والاستثمارات الخارجية تتدفق على الأسواق الأميركية بسبب العائد المرتفع والضمان.
والاقتصاد العالمي لا يزال يكتنفه الغموض، ولا يعرف أحد ما إذا كان سينجو من حفرة الركود أم لا، وبالتالي فإن المستثمرين الأجانب لا يفضلون توجيه أموالهم واستثماراتهم إلى الأسواق الناشئة في الوقت الحالي، بل يحتمون بأدوات الدين والاستثمار في الأسواق الكبرى ومنها الودائع والسندات وأذون الخزانة والذهب.
في ظل هذا الجو الملبد بالغيوم، كان العقل والمنطق يحتمان على الحكومة المصرية تأجيل طرح أول صكوك إسلامية مدته 3 سنوات في هذا التوقيت الحرج، وهو القرار الذي سبق وأن اتخذته في فترات سابقة خاصة عقب اندلاع حرب أوكرانيا.
اختارت الحكومة خوض تجربة الطرح حاليا لأسباب منها الحاجة الملحة للأموال الخارجية في ظل أزمة عملة وشح في النقد الأجنبي
لكنها اختارت خوض تجربة الطرح حاليا لأسباب عدة منها الحاجة الملحة للأموال الخارجية في ظل أزمة عملة وشح في النقد الأجنبي لا يزال متواصلا، كما أن الدولة المصرية مطالبة بسداد 1.2 مليار دولار كانت مستحقة أمس الثلاثاء لأصحاب سندات دولية، كما أنها مطالبة خلال شهر مارس المقبل بسداد ديون والتزامات أخرى.
وحتى تضمن الحكومة الإقبال على الصكوك السيادية التي طرحتها أمس في بورصة لندن، فإنها عرضت على المستثمرين الأجانب منحهم سعر فائدة عالي يبلغ 11.6% سنويا، وهو سعر جاذب لأي مستثمر أجنبي ويأخذ في الاعتبار أي مخاطرة محتملة. كما يغطي السعر تكلفة التأمين ضد مخاطر السداد، وهي بالمناسبة نسبة عالية في هذا التوقيت، إضافة إلى الأخذ في الاعتبار عوامل أخرى منها التصنيف الائتماني للدولة وغيره.
والمتابع لأسعار الفائدة الممنوحة على السندات والصكوك في الأسواق الدولية يلحظ أن العائد على الصكوك المصرية أعلى بنحو 7% من سعر الفائدة الممنوح على سندات الخزانة الأميركية. كما أنه الأعلى على الإطلاق على أدوات الدين التي طرحتها مصر في الأسواق الدولية.
وبسبب العائد المرتفع تلقت مصر طلبات من المستثمرين الأجانب للاكتتاب في الصكوك الإسلامية المطروحة بقيمة اجمالية بلغت 6.2 مليار دولار وبنسبة تغطية 3.5 مرة، وقبلت 1.5 مليار دولار من المبلغ المعروض وهي القيمة التي كانت تراهن على جمعها.
تلقت مصر طلبات من المستثمرين الأجانب للاكتتاب في الصكوك المطروحة بقيمة بلغت 6.2 مليار دولار وبنسبة تغطية 3.5 مرة
الحكومة المصرية نجحت في طرح أول صكوك إسلامية بسبب العائد المغري المرهق للموازنة العامة، لكن أحد لم يقل لنا ما هي الضمانات التي قدمتها الحكومة للمستثمرين الأجانب.
وما هي الضمانات العقارية التي تحدثت عنها وكالات أجنبية، وما هي خطة الحكومة لخفض تكلفة الاقتراض الخارجي التي باتت تمثل ارهاقا لمالية الدولة واحتياطي النقد الأجنبي؟