سد النهضة تهديد وجودي للشعبين المصري والسوداني 

28 مايو 2021
أزمة السد تتصاعد (Getty)
+ الخط -

أثار إعلان رئيس وفد التفاوض السوداني في ملف سد النهضة الإثيوبي مصطفى حسين الزبير أن إثيوبيا بدأت فعلياً في الملء الثاني، وتوقعه أن يكتمل الملء الثاني نهائياً في يوليو/ تموز وأغسطس/ آب المقبلين العديد من علامات الاستفهام الكبرى، ليس فقط حول جدوى الجولات الماراثونية للمفاوضات، ولكن أيضا حول إمكانية انصياع الإدارة الإثيوبية وتقديم تنازلات تحفظ بعض حقوق مصر والسودان والتي من الواضح عملياً أنها أهدرت. 

وبالطبع فإن الأوضاع الداخلية الإثيوبية زادت من الأزمة، حيث بات جلياً أن الانتخابات والحرب في إقليم تيغراي ستشكلان ذريعتين للإدارة الإثيوبية للتهرب من التوقيع على أي اتفاقات ملزمة حتى تستكمل الملء الثاني، والذي يعني عملياً، وفقاً للفنيين، أن العمليات العسكرية ضد السد ستشكل ضربة نووية للشعب السوداني، ستمتد آثارها المدمرة إلى السد العالي ولبعض المحافظات المصرية. 

اتفاقية المبادئ وطرق التفكير حول السد 

قد يبدو الحديث حول الاتفاقية الإطارية التي وقعتها مصر والسودان مع إثيوبيا عام 2015 غير مجد في ظل الخطوات التنفيذية المتسارعة لبناء السد والتي يبدو أنها لن تتوقف، ورغم ذلك فإن إعادة التفكير بمسار المفاوضات الذي رسم بناء على الاتفاقية قد يشير إلى بعض النقاط الهامة، والتي من الممكن أن تغير النظرة الكلية إلى طريقة التفكير في السد. 

جاء التوقيع الثلاثي على الاتفاقية الإطارية لسد النهضة مخزياً ومهدراً للحقوق التاريخية في المياه، ولكن الأكثر إيلاماً أنه دفعنا نحو التفكير بصورة جامدة في نقطتين هما محور الأزمة الحقيقي.  

النقطة الأولى، أن اتفاقية المبادئ دفعتنا لإيجاد مسارين للتعامل مع أزمة السد، الأول هو التفاوض حول إدارة السد وبالتالي المدة الزمنية اللازمة للملء وبما لا يضر بمصالح مصر والسودان، وهو ما ترتب عليه إهدار الوقت الثمين في جولات مفاوضات عبثية مكنت إثيوبيا من تنفيذ مخطط الملء الثاني. والثاني، وهو المسار الذي بدا أن الحكومات لا تحبذه، هو مسار الضربات العسكرية، إما لإيقاف البناء والملء، وإما للهدم الكلي. 

والحقيقة أن الدفع بالتفكير إلى هذه النقطة ربما كان مقصوداً في ظل تفاهمات إقليمية وعالمية حول ضرورة إتمام السد، ولكن آراء كل الفنيين تشير ببساطة إلى التكاليف الفادحة التي ستدفعها مصر والسودان ليس فقط في حال ملء السد فقط ولكن أيضاً للحفاظ علي سلامته لاحقاً. 

أضرار الملء معروفة للجميع، فمصر لديها عجز مائي سنوي يقارب 20 مليار متر مكعب، في ظل عدد السكان الحالي والذي من المتوقع استمرار نموه المكثف خلال الأعوام القادمة، وكذلك في ظل مسار الأنشطة الاقتصادية الحالية، الزراعية والصناعية، والتي لا تكفي السكان من الأساس، ويبرهن على ذلك استمرار تزايد الواردات في الأعوام الأخيرة رغم انخفاض قيمة الجنيه المصري بعد التعويم. 

وحتى لو مر الملء الثاني بسلام، فكل الدراسات الفنية حول جسم السد تشير إلى الانخفاض الشديد لمعامل الأمان، فإذا أخذنا في الاعتبار الآثار التدميرية على السودان ومصر حال حصول انهيار جزئي أو كلي للسد، وهو أمر متوقع، فمن المنطقي أن تسارع الدولتان لتشجيع إثيوبيا على المسارعة بتنفيذ باقي مخططاتها بإنشاء أربعة سدود أخرى على النيل الأزرق للحفاظ علي أمان شعبيهما. 

ببساطة مصر والسودان أمام خطر وجودي حتى في حال التوصل إلى اتفاق حول الملء، وهو الأمر الذي من المرجح عدم حدوثه، لا سيما أن الملء الثاني بدأ فعلياً، وواقع الحال يشير إلى أن الخيار كان واحداً ووحيداً منذ البداية، وهو أن وجود السد بذاته يشكل خطراً وجودياً على الشعبين المصري والسوداني، وبالمنطق نفسه رفضه قطعياً رؤساء سابقون، بداية من عبد الناصر وانتهاء بالرئيس مرسي، رحمه الله. 

النقطة الثانية أن هذه الاتفاقية حشرتنا في زاوية الموعد الزمني، بمعنى أن بداية الملء الثاني تعني ببساطة انتفاء حلم الخيار العسكري بهدم السد كلياً أو جزئياً، لما سيترتب على ذلك من أضرار مروعة على الشعب السوداني ابتداء ثم على الشعب المصري، وترتب على ذلك جمود التفكير لدى الفنيين والمتخصصين طيلة الفترة التي أعقبت التوقيع على الاتفاقية في إيجاد بدائل تحمي الأشقاء في السودان وكذلك الشعب المصري من تداعيات انهيار السد. 

باختصار السد معرض للانهيار، إما لأسباب فنية حيث انخفاض معامل الأمان، أو لأسباب طبيعية جراء البناء على مناطق غير آمنة جيولوجياً أو بسبب زلزال عارض، أو بالتدخل العسكري. ولذلك كان من الواجب أن تشتغل العقول المتخصصة لإيجاد حلول فنية حال حصول الانهيار المتوقع للسد. وربما وجود ممر جديد أو مفيض أو استخدام ممر قناة جونجلي، والتي يتبقى على اكتمالها 15%، تشكل مقترحات، أو لا تشكل، كوني لست متخصصاً، ولكن من المؤكد أن لكل شيء حلا على الأقل للتخفيف من الآثار والتداعيات الرهيبة على الشعبين السوداني والمصري. 

تهديد وجودي لأقدم شعوب في التاريخ 

تشير أزمة السد بجلاء إلى خطورة الفرد المستبد ليس على واقع الشعوب بل على مستقبلها، فالانفراد بالتوقيع أهدر الحقوق التاريخية، وحشرنا في زاوية الاختيارات المحدودة، وضيع علينا فرص التفكير ببدائل أخرى لفترة طويلة من الزمن قد لا نمتلكها مرة أخرى. 

والعجيب أن يتم تسويق بعض الإجراءات المصرية المختلف حول جدواها وأضرارها على أساس كونها استراتيجيات قومية لمواجهة آثار نقص المياه، لا سيما تحلية المياه التي ستكلف أموالا طائلة لا قبل للمصريين بها، أو تبطين الترع الذي يقضي على مخزون المياه الجوفية ولن يوفر كثيرا علاوة على أضراره البيئية والصحية. 

الاستراتيجيات يجب أن تشمل كل شيء صغيراً أو كبيراً يمكن أن يفيد في تخفيف الآثار، بداية من أنظمة التعليم التي ترسخ ترشيد المياه، ومروراً باستراتيجيات التجارة والتصنيع للأدوات الصحية وتوفيرها للمواطنين بأقل كلفة عن طريق إعادة النظر في السياسات الجمركية والضريبية عليها، وانتهاء بالأخذ بأساليب الري الحديثة، والتي تحتاج فوراً لمبادرة من البنك المركزي لتقديم قروض بدون فائدة للمزارعين للتحول نحو الري بالتنقيط. 

كل ما سبق فضلاً عن الاتفاق على سياسات زراعية جديدة تتوافق مع الوضع المائي المتوقع، فتغيير التركيب المحصولي، والتوجه نحو زراعة محاصيل أقل كثافة في استخدام المياه، والتوقف الفوري عن تصدير السلع الزراعية كثيفة استخدام المياه، والتي للأسف تم التوسع فيها بشكل عشوائي خلال الخمس سنوات الأخيرة، بل والتفاخر بزيادة طلب العالم عليها بعد انخفاض قيمة الجنيه الناتج عن التعويم، والإدارة المصرية تعرف أنها زيادة في الطلب على المياه التي توفرها الدول المستوردة. 

وتتطلب الاستراتيجيات كذلك التفعيل الفوري لأدوار مراكز البحوث الزراعية، وتوفير الموازنات المالية الكافية واللائقة. ورغم إهمال الدولة التاريخي لهذه المراكز، إلا أنها ما زالت تمتلك من الكوادر التي تستطيع أن تقدم الحلول والبدائل، من تطوير للبذور وطرق الزراعة التي تتحمل الجفاف والملوحة إلى غيرها من الوسائل والإجراءات التي تتواءم مع الأوضاع المستجدة. 

مصر والسودان أمام اختبار وجودي، هدم السد هو الخيار الوحيد، مهما كانت التبعات والتداعيات، والمرحلة لا تحتمل سجالات سياسية، أو تسويفا ومماطلات أو حتى مناورات، وقد ثبت أخيراً بما لا يدع مجالاً للشك كيف تعمل دول صديقة لمصلحة الأعداء، ولن يبكي أحد على الشعبين المصري والسوداني، فالعالم كما عهدناه وتأكد في حرب غزة الأخيرة لا يعترف إلا بلغة القوة، والشعبان السوداني والمصري لن يخذلا من يريد نصرتهما، وسيتحملان بجلد تبعات هذا الخيار، وهذه دعوة لأن يتحمل الجميع، جيشا وبرلمانا وسياسيين وأحزابا ومعارضة، بل والجماهير دورهم التاريخي. 

المساهمون