سخط عام في تونس جراء الارتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية

11 أكتوبر 2022
التونسيون بين غياب السلع وارتفاع أسعارها (أسوشييتد برس)
+ الخط -

أزمات يعيشها التونسيون بسبب الارتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية الرئيسية ونقصها خلال الأسابيع الماضية، وهو ما يهدد بتحويل السخط العام الشديد في الدولة الواقعة في شمال أفريقيا – وهي مهد احتجاجات الربيع العربي - إلى اضطرابات أكبر.

يختفي السكر والزيت النباتي والأرز، وحتى المياه المعبأة، بشكل دوري من أرفف المتاجر الكبرى ومحال البقالة.

يقف التونسيون في صفوف لساعات من أجل الحصول على هذه الضروريات الغذائية التي تدعمها الحكومة منذ فترة طويلة، والتي أصبحت الآن متوفرة بشكل متزايد في حصص الإعاشة فقط، وعندما تظهر على الأرفف، لا يستطيع كثير من التونسيين دفع ثمنها الباهظ.

تقول الحكومة إن سبب الأزمة الحالية هو المضاربون في السوق السوداء والحرب في أوكرانيا، لكن خبراء اقتصاديين يقولون إن أزمة موازنة الحكومة 2022 وعدم قدرتها على التفاوض على قرض طال انتظاره من صندوق النقد الدولي زادا من مشاكل البلاد.

وفي بعض الأحيان، تنشب مشاجرات بين المواطنين في طوابير أسواق المواد الغذائية، كما وقعت اشتباكات متفرقة مع قوات الشرطة بسبب ارتفاع الأسعار ونقص السلع بجميع أنحاء البلاد.

في إحدى ضواحي العاصمة تونس، انتحر بائع فواكه متجول بعدما صادرت الشرطة أخيرا الميزان الذي كان يستخدمه لكيل بضاعته.

كان هذا الحادث دلالة على حالة الإحباط المتزايدة، كما أحيا ذكريات انتحار بائع الفاكهة، محمد البوعزيزي، عام 2010، وهو ما أشعل الاحتجاجات التي أدت إلى الإطاحة بالديكتاتور زين العابدين بن علي، وأثارت انتفاضات مماثلة في جميع أنحاء العالم العربي.

تقول المتسوقة أمينة حمدي التي يئست من محاولة شراء السلع الأساسية: "جئت للتسوق ووجدت أناسا يتقاتلون للشراء وكانت الأسعار مرتفعة للغاية".

محطة وقود في تونس (Getty)
لم تقتصر أزمات التونسيين على المواد الغذائية فقط بل امتدت إلى نقص الوقود (Getty)

المتسوقة عائشة تقوم بجولة في سوق للأسماك واللحوم. وتقول: "لا يمكن العيش بدون طعام. يمكننا العيش بدون أثاث ومواد بناء ولكن علينا أن نأكل".

وعدت وزارة التجارة الشهر الماضي بحل أزمة نقص السلع، معلنة عن استيراد 20 ألف طن من السكر من الهند خلال عيد المولد النبوي الشريف، لكن في الليلة التي سبقت المولد، وقف مواطنون في طوابير طويلة أمام المتاجر على أمل الحصول على سكر. 

أزمات متعددة

لا يعد الغذاء الشيء الوحيد الذي ينقص على أرفف المتاجر، حيث تعتمد تونس، التي تفتقر إلى موارد الطاقة على العكس من دولتي الجوار ليبيا والجزائر، على الواردات بشكل كبير.

وتعني مشاكلها الاقتصادية طويلة الأمد أن نفوذها محدود على الأسواق الدولية، لتأمين السلع التي تحتاجها.

وصلت معدلات التضخم إلى معدل قياسي بلغ 9.1 بالمائة، وهو أعلى معدل منذ ثلاثة عقود، بحسب المعهد الوطني للإحصاء، واتخذ البنك المركزي التونسي خطوة شكلت ضربة قوية عن طريق زيادة الرسوم المصرفية وأسعار الفائدة، ما أعاق الوصول إلى القروض الاستهلاكية.

ما يحدث في ضاحية دوار هيشر الفقيرة في تونس مقياس للاستياء الشعبي، فقد نزل مئات الأشخاص إلى الشوارع ليلا الشهر الماضي للتنديد بتدهور ظروفهم المعيشية.

أغلق المتظاهرون، الذين هتفوا "شغل، حرية، كرامة وطنية" وهو الهتاف الرئيسي لثورة 2010-2011، الشريان الرئيسي للضاحية بإشعال النار في إطارات، متحدين قوات الشرطة التي أطلقت الغاز المسيل للدموع لتفريقهم.

سيتعين على تونس الالتزام بإصلاحات مؤلمة، ومن بينها تقليص قطاع الإدارة العامة والذي يلتهم نحو ثلث ميزانية الدولة، كما يطالب صندوق النقد أيضا برفع تدريجي للدعم، وخصخصة الشركات المملوكة للدولة.

رفع المتظاهرون لافتات للتعبير عن غضبهم من الحكومة والنخب السياسية، وكتبوا "كفى خطبا ووعودا .. الشعب محاصر بالجوع والفقر".

وفي أعقاب إقالة رئيس الوزراء وحلّ البرلمان، منح الرئيس قيس سعيد نفسه سلطات واسعة النطاق خلال العام الماضي، وقال سعيد إن هذه الخطوات ضرورية لإنقاذ البلاد وسط أزمة سياسية واقتصادية مطولة.

رحب كثير من التونسيين بإجراءات سعيد، لكن منتقدين وحلفاء غربيين يقولون إن الاستيلاء على السلطة يهدد الديمقراطية الفتية في تونس.

يعزو سعيد ندرة المنتجات الغذائية وارتفاع الأسعار إلى "المضاربين، ومن يحتكرون السلع ويخزنونها في مستودعات غير قانونية"، وأشار إلى أن منافسه السياسي الرئيسي، حركة النهضة، كان له دور في ذلك، وتنفي الحركة هذه الاتهامات بشدة.

وصفت جبهة الخلاص، وهي ائتلاف من خمسة أحزاب معارضة وجماعات مستقلة، المظاهرات في بيان بأنها مؤشر على انفجار عام وانهيار النظام الاجتماعي والسياسي في البلاد.

يقول نور الدين الطبوبي، الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، إن سبب الأزمة هو ميزانية الدولة المثقلة بالأعباء. 

شروط الصندوق القاسية

تتفاوض الحكومة حاليا للحصول على قرض قيمته من 2 إلى 4 مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي لمواجهة عجز الموازنة، والذي تفاقم بسبب جائحة فيروس كورونا وتداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا.

وتوجه وفد تونسي رفيع إلى واشنطن يوم السبت الماضي، على أمل الوصول لاتفاق مع الصندوق.

في المقابل، سيتعين على تونس الالتزام بإصلاحات مؤلمة، ومن بينها تقليص قطاع الإدارة العامة- وهو أحد أكبر القطاعات في العالم- والذي يلتهم نحو ثلث ميزانية الدولة، كما يطالب صندوق النقد أيضا برفع تدريجي للدعم، وخصخصة الشركات المملوكة للدولة.

تعني هذه الخطوة تسريحا جماعيا للعمال وتفاقم البطالة التي بلغت نسبتها بالفعل 18 بالمائة، بحسب أحدث أرقام البنك الدولي.

وفي مواجهة هذه الآفاق القاتمة، لم يعد التونسيون يترددون في تعريض حياتهم للخطر لمحاولة الوصول إلى أوروبا بحثا عن حياة أفضل.

يقول نشطاء في ”المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية”، وهو منظمة غير حكومية تراقب حركة الهجرة، إن 507 مهاجرين تونسيين لقوا حتفهم أو فقدوا حتى الآن في عام 2022.

وأعلن حسام الدين جبيلي، المتحدث باسم الحرس الوطني التونسي، أن خفر السواحل أحبط أكثر من 1500 محاولة للهجرة غير الشرعية إلى إيطاليا من يناير/ كانون الثاني إلى سبتمبر/ أيلول 2022، وكان بينهم عائلات بأكملها وقرابة 2500 طفل.

(أسوشييتد برس)

المساهمون