لا يمكن الفصل بين الزيارة المرتقبة لبعثة صندوق النقد الدولي للقاهرة، والأرقام الصادرة عن وزارة المالية اليوم الأحد، فالعنوان العريض للزيارة هو متابعة تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي خاصة فيما يتعلق بالمنظومة الضريبية، والعنوان العريض لأرقام المالية هو الفشل الحكومي الذريع في احتواء أزمة عجز الموازنة العامة رغم كل المرار الذي أذاقته الحكومة للمصريين خلال الأسابيع الأخيرة.
وعلى الرغم من الإجراءات القاسية التي قامت بها الحكومة من زيادة أسعار، وخفض الدعم، والتوسع في الاقتراض الخارجي والمحلي، وفرض مزيد من الضرائب والجمارك والرسوم، إلا أن الموازنة العامة شهدت عجزاً تجاوز 176 مليار جنيه في النصف الأول من العام المالي الجاري 2016-2017، وإذا استمر الحال على ما هو عليه، فإن العجز سيرتفع لأكثر من 350 مليار جنيه بنهاية العام، وهو ما يفوق عجز العام الماضي.
متابعة المنظومة الضريبية وتطوير آليات الفحص الضريبي لزيادة الحصيلة الضريبية، هذا هو العنوان المعلن لزيارة بعثة صندوق النقد المرتقبة للقاهرة، أما العنوان غير المعلن فهو ربما الاتفاق على الخطوات الجديدة التي ستقوم بها الحكومة للحصول على الشريحة الثانية من قرض الصندوق.
فحسب الاتفاق المبرم بين الطرفين قبل أكثر من شهرين فإن الحكومة ستلتزم بعدة تعهدات قبل افراج الصندوق عن كل شريحة من شرائح القرض الخمسة، كما سيراجع الصندوق مدى التزام الحكومة بما تعهدت به قبل الإفراج عن الشريحة الجديدة خاصة فيما يتعلق بأوضاع الدين العام وعجز الموازنة وسوق الصرف والاحتياطي الأجنبي والتسهيلات الممنوحة للمستثمرين.
هذا ليس تخمينا، بل تم على أرض الواقع، فعلى سبيل المثال فإن انتزاع موافقة الصندوق على قرض بقيمة 12 مليار دولار، والإفراج عن الشريحة الأولى من القرض البالغ قيمتها 2.76 مليار دولار، كل ذلك تطلب قيام الحكومة بتعويم الجنيه وتحرير سوق الصرف، وزيادة أسعار الوقود، وتطبيق ضريبة القيمة المضافة، وزيادة أسعار الكهرباء، وإقرار قانون الخدمة المدنية وغيرها.
هذا كان "عربون" الحكومة لتمرير قرض صندوق النقد وشريحته الأولى، فما هو العربون الجديد الذي ستقدمه الحكومة مقابل الإفراج عن الشريحة الثانية وإقرار تعهدات الشريحة الأولى؟
كل السيناريوهات هنا مطروحة في ظل تكتم الحكومة على نص الاتفاق المبرم مع الصندوق وعدم الإفصاح عن بنوده وشروطه وتعهداته، بل وعدم إرساله للبرلمان حتى هذه اللحظة.
قد تكون هناك زيادة جديدة في أسعار الوقود من بنزين وسولار وغاز وغيرها، وقد تكون هناك زيادة في أسعار الكهرباء، وقد يتم فرض ضرائب جديدة، وزيادة الجمارك على مئات السلع.
وقد تتعهد الحكومة بسداد الديون المستحقة لشركات النفط والغاز الأجنبية البالغ قيمتها 3.6 مليارات دولار خلال العام الجاري كما كشفت السفارة البريطانية قبل أسابيع، وقد تكون هناك إجراءات أكثر قسوة تفاجئ بها الحكومة المصريين مجدداً.
هذا عن "العربون" المتوقع، وقد تكون للبعثة مهمة أخرى خلال زيارتها للقاهرة، وهي إبداء ملاحظات جوهرية على تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي المصري في ظل الأرقام الجديدة التي كشفتها وزارة المالية اليوم الأحد والتي تؤكد كلها إخفاق الحكومة في خفض الدين العام وعلاج عجز الموازنة العامة رغم كل الإجراءات التقشفية العنيفة وزيادات الأسعار التي قامت بها.
وحسب الأرقام التي أعلنها وزير المالية، عمرو الجارحي، اليوم فإنه من المتوقع وصول معدل العجز الكلي في نهاية العام المالي الحالي إلى نحو 10.2%، بخلاف ما توقعته الحكومة في بداية العام المالي بأن يصل العجز في الموازنة إلى 9.8%، كما توقع الوزير أن يصل معدل النمو إلى 4% خلال العام الحالي، وهو ما يقل عن التوقعات السابقة للحكومة بتحقيق نمو بنسبة 5%.
في زيارة بعثة صندوق النقد "الشؤم" نجد أن كل السيناريوهات مطروحة، وعلى المصريين أن يضعوا أيديهم على قلوبهم انتظاراً لمفاجآت وتعهدات الحكومة الجديدة للصندوق.