زيارة "إن شاء الله"

11 فبراير 2015
مذكرات التفاهم لا تعني شيئاً في العلاقات الاقتصادية والتجارية(الأناضول)
+ الخط -
دعك من حديث وهري الإعلام المصري عن زحف المصريين نحو مطار القاهرة لاستقبال الزعيم الروسي فلاديمير بوتين، ودعك من الصور المنتشرة بكثافة لبوتين في شوارع القاهرة وعلى كوبري قصر النيل المؤدي لميدان التحرير، ودعك من حديث البعض عن حضور بوتين والسيسي عرض باليه في دار الأوبرا المصرية في الوقت الذي كان يتم فيه نقل 40 زهرة من شباب مصر لمشرحة زينهم عقب استشهادهم في موقعة دار الدفاع الجوي.

دعنا من ذلك كله فقد قيل ما هو أكثر منه من تصوير الزيارة على أنها تاريخية ونقلة نوعية في العلاقات بين البلدين إلى أخر هذه الكلمات المملة التي اعتاد الاعلام على ترديدها طوال الستين سنة الماضية.

لكن ركّزْ معي في النتائج الاقتصادية للزيارة التاريخية لبوتين لمصر، لأن الاعلام المصري حاول أن يلبسنا العمة كالعادة، ويصور لنا أن مستقبل الاقتصاد المصري هو مع روسيا المنهارة اقتصادياً وليس في زيادة إنتاجها، وأن اقتصاد روسيا المتعثر بسبب العقوبات الغربية وتهاوي أسعار النفط يمكن أن يعوض هروب الاستثمارات الأجنبية من مصر، وأن بنوك روسيا التي تتسول النقد الأجنبي قادرة علي تمويل مشروع في مصر بحجم محطة نووية، وأن الشركات الروسية التي تعاني إفلاساً مالياً قادرة على ضخ مليارات الدولارات في شرايين الاقتصاد المصري المثقل، وأن الروبل الروسي الذى فقد 50% من قيمته أمام الدولار مؤخراً سيصبح عملة التبادل التجاري بين مصر وروسيا، وأن السياح الروس المفلسين سينعشون قطاع السياحة المصري الذى يعانى أزمات حادة بسبب حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني وذلك بضخ ما يمتلكونه مما في حوزتهم من روبلات لا قيمة لها.

إذا تحدثنا عن الجانب الاقتصادي في زيارة بوتين الأخيرة للقاهرة، نجد أن هناك 6 كلمات تكررت على لسان كبار مسؤولي البلدين عقب كل اتفاق اقتصادي أو الحديث عن مشروعات مشتركة وهي: توقيع اتفاق مبدئي وإبرام مذكرة تفاهم وسنبحث إقامة مشروع وسندرس وننوي وقد، وهي كلمات لا تعادل الحبر الذي كتبت به، فقد وقعت وزارة الكهرباء المصرية ومؤسسة "روس أتوم" الروسية للطاقة الذرية اتفاقا مبدئيا لإنشاء محطة نووية لتوليد الكهرباء في منطقة الضبعة المصرية.

وقال رئيس مؤسسة الطاقة الذرية الروسية سيرغي كيريينكو إن بلاده تنوي إنشاء محطة كهروذرية في مصر تضم أربع وحدات تبلغ طاقة كل منها 1200 ميغاواط، وإن روسيا مستعدة لتقديم قرض لمصر لتمويل المشروع.

أما كلمة " قد" فقد تكررت هي الأخرى أكثر من مرة أبرزها ما جاء على لسان وزير الزراعة الروسي نيكولاي فيودوروف الذي قال إن بعض الشركات الروسية قد تشارك في بناء منشآت لتخزين الحبوب في مصر.

وإذا كانت مذكرات التفاهم لا تعني شيئاً في العلاقات والاتفاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدان، فقد وقعت وزارة التنمية الاقتصادية الروسية ووزارة الاستثمار المصرية مذكرة تفاهم في مجال جذب الاستثمارات والمشاركة في تنفيذ المشروعات بين البلدين، كما وقعت وزارة الاستثمار المصرية والصندوق الروسي للاستثمارات المباشرة مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون في مجال الاستثمار المباشر بين البلدين.

لقد كانت زيارة بوتين للقاهرة تاريخية بجد وناجحة بكل المقاييس، حيث قال الرئيس الروسي للمسؤولين المصريين في ختام زيارته للقاهرة: فوتوا علينا بكرة لنساعدكم، ولأنه رجل متدين بطبعه حيث حارب التطرف والإرهاب بروسيا ونكل بالمسلمين في الشيشان والقوقاز فقد اتبع كلمته المأثورة بعبارة كلها تدين "إن شاء الله سنبحث دعم الاقتصاد المصري لكن بعد أن نبحث عمن يدعم اقتصادنا المنهار".

المساهمون