زيادة الاحتياج الأوروبي لغاز دول الخليج

01 مارس 2024
أميركا قد تقلّص إنتاج الغاز (Getty)
+ الخط -

لا تزال حالة الإرباك بسوق الطاقة الأوروبية مستمرة جراء تداعيات قرار إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بوقف منح التصاريح لمشروعات الغاز المسال الأميركية الجديدة حتى أجل غير مسمى، وسط ترحيب من نشطاء البيئة والمناخ، وتنبيه خبراء طاقة واقتصاد إلى زيادة الاحتياج الأوروبي لغاز دول الخليج في حال نقص الإمدادات الأميركية.
فخلال العامين الماضيين، وتحديدا منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، حققت أوروبا والولايات المتحدة تقدماً كبيراً في التعاون المتبادل بمجال أمن الطاقة، بعدما اتجهت دول القارة العجوز إلى التخلي عن واردات الغاز الروسية، إذ قفزت الشحنات الأميركية إلى أوروبا بنسبة 141% منذ عام 2021، وتعاظمت نسبة هذه الشحنة لتمثل ثلثي الصادرات الأميركية ونصف الإمدادات الأوروبية، حسبما أورد موقع "يورو ريبورتر".
ومن المؤكد أن الاحتياج الأوروبي للغاز المسال متصاعد، ما يؤشر إلى تصاعد احتياج الدول الأوروبية إلى دول الخليج في تعويض احتياج الطاقة، حسبما نقل الموقع الأوروبي عن وزير التنمية الاقتصادية والداخلية الإيطالي السابق كلاوديو سكاجولا، مشيرا إلى أن التبرير البيئي الذي ساقه بايدن لقراره ليس "مقنعا"، لأن "الإنسانية تطالب بتحقيق أهداف تغير المناخ، وتطالبنا أيضاً بعدم السماح للحكام المستبدين ودعاة الحرب بالسيطرة على بلادهم"، على حد تعبيره.

ويعزز الاتجاه الأوروبي المحتمل نحو الخليج تحذيرات في بروكسل من استمرار اعتماد القارة الأوروبية على الغاز المسال القادم من واشنطن في ظل ارتباطه بلعبة السياسة الأميركية، التي أثبتها قرار بايدن، فيما أثبتت حرب غزة، على سبيل المثال، أن دول الخليج لم "تسيس" صادراتها من مصادر الطاقة.
لكن التخلي عن أهم مورد للغاز المسال في أوروبا ليس سهلا، بحسب تقدير قسم معلومات السوق لدى شركة الأبحاث "ساينماكس"، إذ لا يزال الغاز المسال الأميركي يُشكل حجر الزاوية في استراتيجية تنويع الإمدادات في أوروبا، وفقاً لما أوردته وكالة بلومبيرغ، في 27 يناير/ كانون الثاني الماضي.
وفي السياق، قال العضو المنتدب في شركة "أكسنتشر" الاستشارية أوجان كوس إن "أوروبا تخاطر بالاعتماد على مورد واحد، وفي نهاية المطاف تقع تحت رحمة الأسعار التي يحددونها"، مؤكداً أن هذا يهدد بزيادة فواتير الطاقة في أوروبا إلى مستويات عالية، بحسب الوكالة الأميركية.

وعد انتخابي
يشير الخبير الاقتصادي بكري الجاك، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن نهاية عام 2023 شهدت توجيه الولايات المتحدة لما يفوق 50% من صادرات الغاز المسال إلى أوروبا، وذلك بعد فرض العقوبات على روسيا عقب غزوها أوكرانيا ووقف الدول الأوروبية الغربية لاستيراد الغاز منها، ما أثار جدلا حول انتقال "اعتمادية" تلك الدول من روسيا إلى الولايات المتحدة.
ويرى الجاك أن قرار بايدن بشأن وقف تراخيص مشروعات الغاز المسال الجديدة لا علاقة لها بالسياسة الأميركية طويلة المدى، بل باستيفاء وعد انتخابي قطعه هو على نفسه في عام 2020 بأن يقلل الاعتماد على الطاقات غير المتجددة من البترول والغاز، مرجحا استئناف تراخيص مشروعات الغاز الأميركية بعد الانتخابات الرئاسية القادمة.

ويشير الجاك إلى أن المسؤولين الأوروبيين يقدرون أن القرار الأميركي لا يؤثر على كمية العرض الموجودة في سوق الغاز المسال حاليا قياسا إلى احتياج الدول الأوروبية، مرجحا أن ترفع روسيا وأستراليا حصة تصديرها للنفط والغاز لتعويض ما "قد" تفقده أوروبا في السوق من الصادر الأميركي.
وبشأن انعكاس ذلك على حصة دول الخليج من سوق الغاز المسال، يتوقع الجاك فوائد كبيرة، خصوصا لدولة قطر، باعتبارها أبرز مصدر خليجي للغاز المسال، لكنه يستبعد تأثير وقف تراخيص الغاز المسال الأميركية على الأسعار العالمية، إذ "لا يوجد مؤشر على ذلك"، حسب رأيه.
ويخلص الجاك إلى أن خروج مصدر من السوق ودخول مصدر آخر يعني أن الحصة الكلية المنتجة في العالم لا تتغير، لأن الولايات المتحدة الأميركية ما زالت تنتج، وبالتالي فإن قرار بايدن "يبدو سياسيا أكثر منه اقتصاديا"، حسب تقديره.

عقود جديدة
وفي السياق، يؤكد الخبير الاقتصادي عامر الشوبكي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن قرار وقف التراخيص يسري على مشروعات الغاز المسال الجديدة في الولايات المتحدة الأميركية، ولا يسري على المشروعات القائمة فعليا، وبالتالي فإن الولايات المتحدة لا تزال محتفظة بموقعها كأكبر مصدر للغاز المسال عالميا، وهي في الواقع أكبر منتج عالمي للغاز المسال وللغاز الطبيعي أيضا.

لكن قرار وقف التراخيص الجديدة يدعم إبرام العقود طويلة المدى بين دول الاتحاد الأوروبي والدول الأكثر إنتاجا للغاز المسال، وعلى رأسها قطر، ما سيدعم استكمال الاستثمارات في الغاز الطبيعي بالدولة الخليجية، وخاصة مشروعها لتطوير حقل الشمال، بحسب الشوبكي، مشيرا إلى أن هذا التطور يبدو ملحوظا في العقود المتتالية التي أبرمتها شركة "قطر للطاقة" مع عديد الدول الأوروبية أخيرا.
ومن شأن ذلك أن يدعم مشروعات إنتاج الغاز الطبيعي وتصديره في السعودية وسلطنة عمان أيضا، بحسب الشوبكي، الذي أشار إلى ارتباط تداعيات ذلك في الولايات المتحدة بنتائج انتخابات الرئاسة المقررة في نوفمبر/ تشرين الثاني القادم.
ففي حال فوز مرشح الجمهوريين، وهو دونالد ترامب على الأرجح، فسيعني ذلك تغيراً كلياً للصورة بما يدعم عودة صناعة النفط والغاز الأميركية لتأخذ مكانها البارز، فضلا عن انسحاب أميركي متوقع من اتفاق باريس ومتطلباته المناخية، وهو ما فعله ترامب في ولايته الرئاسية السابقة، ما سيؤثر على سوق الطاقة بشكل جذري، حسبما يرى الشوبكي.
أما فوز بايدن بولاية رئاسية جديدة، فسيعني، حسب تقدير الشوبكي، مزيداً من القيود على صناعة النفط والغاز في الولايات المتحدة، وهو ما يدعم اتجاه الاستثمارات إلى مناطق أخرى من العالم، على رأسها دول الخليج العربية.

المساهمون