روسيا: مسار التحول الخطر إلى رأسمالية الدولة

24 ديسمبر 2021
مبنى الكرملين في موسكو شهد أحداثاً دامية خلال العقود الماضية (Getty)
+ الخط -

عاشت موسكو مراحل خطرة كادت أن تعصف بالدولة الروسية في مسارها نحو التحول من الشيوعية إلى رأسمالية الدولة التي يديرها بقبضة حديدية الرئيس الحالي فلاديمير بوتين.

وشهد الاقتصاد الروسي مراحل متنوعة تراوحت بين برنامج خصخصة القطاع العام الذي أسفر عن تكون طبقة الأوليغارشية أو (طواغيت المال)، ثم أزمة مالية كبرى أدت إلى عجز الدولة عن الوفاء بالتزاماتها في عام 1998، ثم تسجيل معدلات نمو قياسية على إثر ارتفاع أسعار النفط والغاز عالمياً في العقد الأول من القرن الـ21، ووصولا إلى ما بات يعرف برأسمالية الدولة والقبضة المركزية القوية على إدارة الاقتصاد.

وفي هذا الإطار، يلفت الخبير الاقتصادي المستقل، ليونيد خازانوف، إلى مجموعة من العوامل عززت دور الدولة في الاقتصاد الروسي، وفي مقدمتها الاضطرابات الاقتصادية والمالية التي عاشتها روسيا في أعقاب تفكك الاتحاد السوفييتي في تسعينيات القرن الماضي.

ويقول خازانوف الذي يحمل درجة الدكتوراه في الاقتصاد، في حديث لـ"العربي الجديد": "يعود تنامي مكانة الدولة في الاقتصاد الروسي إلى تلك الصدمة التي عاشتها بلادنا في التسعينيات والمتمثلة بالتضخم الجامح وعدم صرف الأجور وتعطل عمل المصانع وإعادة تقاسم الملكية العامة، وسط تشكل طبقة الأثرياء ذات نفوذ لا حدود له. ويشير إلى أنه "من الطبيعي في هذه الظروف، زادت الدولة من تحكمها في الاقتصاد".

وفي أغسطس/آب 1998، استيقظ الروس على أنباء صادمة، حيث أعلنت الحكومة والمصرف المركزي، أنهما تعثرا تقنياً عن سداد دفعات كافة السندات السيادية، بما فيها الديون الداخلية، وتعويم سعر صرف العملة الروسية الروبل، مما أدى إلى تآكل قيمة مدخرات المواطنين وإفقارهم، وارتفاع معدلات البطالة، وزيادة أسعار المواد الغذائية بنسبة 63 في المائة خلال أربعة أشهر فقط، وارتفاع الدين العام (الخارجي والداخلي) إلى 200 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، لتصبح روسيا من أكبر الدول المدينة في العالم.

وبعد توليه رئاسة روسيا في عام 2000، شرع الرئيس الروسي الجديد، بإبعاد طبقة الأوليغارشية غير الموالين له عن السيطرة على الموارد الطبيعية ووسائل الإعلام، وإطاحة من عارض ذلك، وأشهرهم مالك شركة "يوكوس" النفطية العملاقة، ميخائيل خودوركوفسكي، الذي تمت ملاحقته جنائياً بتهم الاحتيال والتهرّب من دفع الضرائب في عام 2003، ليُسجن لمدة عشر سنوات في رسالة تحذير بأن قواعد اللعبة قد تغيرت.

ومنذ ذلك الحين، عززت الدولة الروسية سيطرتها على مختلف مفاصل الاقتصاد، لا سيما في القطاعات الحيوية مثل المصارف والطاقة والنقل، إلى حد بات يثير قلق السلطات الروسية نفسها، وسط مخاوف من تراجع المنافسة وضعف الاقتصاد المركزي الذي يعد من الأسباب الرئيسية لتفكك الاتحاد السوفييتي، مع تهاوي أسعار النفط بنسبة تزيد عن الثلثين في منتصف ثمانينيات القرن الماضي.

ولا يزال الجدل دائراً في روسيا حول الأسباب الفعلية لانهيار الاتحاد السوفييتي، إلا أن خازانوف يعتبر أن طريقة إدارة الاقتصاد تحديداً هي السبب الرئيسي لتفكك الاتحاد السوفييتي، قائلاً: "صحيح أن تراجع أسعار النفط العالمية لعب دوراً سلبياً من جهة حرمان الاتحاد السوفييتي من جزء هام من عوائده، ولكن العامل الرئيسي هو طريقة إدارة الاقتصاد التي أصبحت معقدة وغيرة مرنة إلى الحد أنها باتت تفرمل تنمية البلاد.

وكان اعتماد الابتكارات يجري ببطء، وكانت معدات متقادمة تستخدم العديد من المصانع، مما أدى إلى تأخر المنتجات الروسية عن مثيلاتها الأجنبية. وبالتزامن مع ذلك، كان الاتحاد السوفييتي ينفق مبالغ طائلة على قطاع التصنيع العسكري والصناعات الثقيلة، مهملاً إنتاج السلع الاستهلاكية والمواد الغذائية".

ويتذكر الخبير الاقتصادي الروسي أنه "في نهاية الحقبة السوفييتية التي عاصرها، كان المواطنون يعانون كثيراً حتى يجدوا ملابس وأحذية ذات جودة عالية، بينما أصبحت أرفف المتاجر خالية من السلع، مما أثار غضب السكان وأوصل الاقتصاد إلى مأزق.

وبعد تراكم أزماته وعجزه عن الاستمرار بصورته السابقة وإعلان جمهورياته واحدة تلو الأخرى استقلالها، دخلت عملية تفكك الاتحاد السوفييتي مرحلتها الختامية على إثر توقيع كل من قادة روسيا، بوريس يلتسين، وأوكرانيا، ليونيد كرافتشوك، وبيلاروسيا، ستانيسلاف شوشكيفيتش، في 8 ديسمبر/كانون الأول 1991 على اتفاقية "بيلوفيجسكايا بوشا" التي أقرت بانتهاء وجود الاتحاد وإقامة رابطة الدول المستقلة.

المساهمون