روسيا تعول على بكين في مقاومة العقوبات

01 يوليو 2022
إشارات دعم متتالية صادرة من بكين لحليفتها المُعَاقبة (فرانس برس)
+ الخط -

منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا قبل أكثر من أربعة أشهر، وُصفت العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الدول الغربية على روسيا بأنها محاولة لإضعاف قدرتها على شن الحرب بشكل دائم، ومن ثم إجبارها على الانسحاب قبل تحقيق أهدافها. ومع تعذّر تحقيق هذا الهدف حتى الآن، بات واضحاً أن بعض الدول التي رفضت الانضمام إلى تحالف تطبيق العقوبات وضوابط التعاملات التجارية الذي تقوده الولايات المتحدة، ساعدت روسيا على التغلب على مشكلاتها، فيما يخص قطع الغيار والتكنولوجيا، كما تسوية التعاملات الخارجية.

ورغم ضبابية الموقف وضعف البيانات الصادرة من الجانب الشرقي من الصراع، وعلى عكس ما يحاول الروس إظهاره من تماسك الاقتصاد وارتفاع قيمة الروبل، كانت هناك أدلة على تسبب العقوبات والقيود المفروضة على العمليات التجارية، وتحديداً ما يتم تصديره لروسيا، في اضطرابات لا يستهان بها للاقتصاد والنظام والمواطن الروسي.
وضاعف من التأثير السلبي تراجع الصادرات الموجهة لروسيا، بصورة مفاجئة، من العديد من الدول التي رفضت الانضمام لتحالف العقوبات، وعلى رأسها الصين، ربما خوفاً من تعرّض الشركات المصدرة لصعوبات في تحصيل مقابل بضائعها.

وفي حين استبق بوتين غزوه لأوكرانيا بتوقيع اتفاقات تعاون تجاري واقتصادي واستراتيجي مع بكين، كانت الصين ثاني أكبر مساهم في تراجع واردات روسيا منذ بداية الغزو بعد الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي دعا مارتين كورزمبا، كبير الباحثين بمعهد بيترسون للاقتصاد الدولي، والذي سبق له العمل في أكثر من مركز أبحاث في الصين، إلى المطالبة، في مقال حديث له، بضرورة "اتخاذ إجراءات قوية، مثل عقوبات الدرجة الثانية، لضمان عدم تحول التكنولوجيا والبضائع الأميركية لصالح الجهد العسكري الروسي".

ويوم الاثنين، قالت الولايات المتحدة خلال اجتماعات مجموعة الدول السبع إنها وحلفاءها يعتزمون اتخاذ مزيد من الإجراءات لدعم أوكرانيا وفرض عقوبات على روسيا بسبب غزو الأخيرة لجارتها.
وبعدها بيوم واحد، أعلنت الولايات المتحدة سلسلة من العقوبات التي استهدفت أكثر من مائة فرد وشركة من روسيا ودول أخرى، من بينها باكستان وفيتنام والإمارات، بالإضافة إلى حظرها استيراد الذهب الروسي الذي تستخدمه روسيا للتغلب على العقوبات المفروضة عليها.
وكان على رأس الشركات المعاقَبة تلك التي تمثل قاعدة رئيسية لصناعة الدفاع الروسية، التي قالت الولايات المتحدة إن معاقبتها "تساهم في إعاقة قدرة روسيا على تطوير ونشر الأسلحة والتكنولوجيا الضرورية لمواصلة حربها على أوكرانيا".

ووفق العديد من المحللين الاستراتيجيين في الولايات المتحدة، فإن الصين تعد الحلقة الأضعف في العقوبات المفروضة على الكيانات الروسية، خاصة بعد إشارات الدعم المتتالية الصادرة من بكين لحليفتها المُعَاقبة، والتي ظهرت في الوعود الصادرة من الرئيس الصيني شي جين بينغ بتعاون "بلا حدود" مع موسكو، والانحياز الإعلامي الواضح لصالح روسيا، ثم مؤخراً، إظهار التضامن المعنوي بإرسال قاذفات بالقرب من اليابان خلال زيارة الرئيس الأميركي جوزيف بايدن لطوكيو في شهر مايو/أيار الماضي.

والعام الماضي، استوردت روسيا من الصين أكثر من ربع وارداتها الإجمالية، وهو ما لم يحدث مع أي دولة أخرى تتعامل معها روسيا، وتجاوزت قيمة تلك الواردات مبلغ 73 مليار دولار. وبعد الغزو وفرض العقوبات، نددت الصين بها وأعلنت أنها ستحافظ على علاقات اقتصادية طبيعية مع الجارة الروسية.

ويقول كورزمبا من معهد بيترسون إن "الصين هي المورد الرئيسي لمدخلات الاقتصاد الروسي، وبصفة خاصة ما يخص الاستخدام العسكري، كونها توفر 57% من أشباه الموصلات الروسية و20% مما تستورده روسيا من الدوائر المتكاملة في عام 2020، وفقًا لقاعدة بيانات "كومتريد" التابعة للأمم المتحدة"، مضيفاً أن "العديد من أشباه الموصلات المتقدمة يتم إرسالها إلى الصين لتعبئتها، وهو ما يفتح احتمالاً لإعادة توجيهها إلى روسيا من هناك".

وهذا الأسبوع، وفي خطوة غير مسبوقة، أضافت وزارة التجارة الأميركية خمس شركات صينية إلى قائمتها السوداء، أي حظرت بيعهم التكنولوجيا الأميركية، بسبب تعاملات تلك الشركات مع كيانات تتعامل مع الجيش الروسي، في مخالفة للعقوبات الغربية على موسكو.
وقال جايك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأميركي إن "الأولوية الأولى للولايات المتحدة فيما يخص الصين وعندما يتعلق الأمر بالحرب في أوكرانيا هي ألا تمد الصينُ روسيا بالمعدات العسكرية، ويلي ذلك في الأهمية ألا يشاركوا في مساعدة الروس على التهرب من العقوبات الأميركية ".

واعتباراً من شهر مارس/آذار الماضي، وفي أعقاب دخول القوات الروسية الأراضي الأوكرانية، ورغم الموقف الرسمي للحكومة الصينية وإعلامها، والذي بدا داعماً لكسر حلقة العقوبات المفروضة على روسيا، اتخذ العديد من المصدرين الصينيين موقفاً مخالفاً، حين أدركوا مخاطر انتهاك حظر التصدير والعقوبات.

وبموجب قوانين مراقبة الصادرات والعقوبات الأميركية، تتعرض الشركات الصينية التي تنتهك الحظر المفروض على السلع الحساسة المباعة إلى روسيا لاحتمالات فقدانها إمكانية الوصول إلى التكنولوجيا والسلع والعملات الأجنبية الأساسية حول العالم، بعد أن انضمت كل الدول المصدرة للعملات الرئيسية إلى العقوبات. وانخفضت صادرات الصين إلى روسيا منذ الغزو بنسبة 38% مقارنة بالنصف الثاني من عام 2021، وفقاً لبيانات الإدارة العامة للتعريفات الجمركية في الصين.

ويرى معهد بيترسون أن الدول الغربية يمكنها إجبار الصين على الانضمام إلى العقوبات على روسيا، من خلال الضغط على الشركات الأجنبية متعددة الجنسيات، التي تستورد ما يقرب من نصف صادرات الصين.

ويقول كبير محللي المعهد إن "هذه الشركات يتعين عليها أن تكون متصلة بالاقتصاد العالمي، ويفترض أنها تتبع أوامر ليس من بكين، ولكن من مقرات الشركات الخاصة بها في البلدان التي تفرض عقوبات".

ويضرب المعهد صاحب الصوت المسموع في واشنطن المثل بشركة يونيون باي الصينية China UnionPay التي أوقفت تعاملها مع البنوك الروسية الخاضعة للعقوبات، وكذلك شركة هواوي Huawei، عملاق التكنولوجيا الصيني المدرج على القائمة السوداء والمتهم في الغرب بدعم الجيش الصيني، التي قلصت عملياتها في روسيا، داعياً الشركات متعددة الجنسيات الأخرى إلى السير على خطاهما.

المساهمون