خلال 24 ساعة مضت صدرت عن روسيا، أكبر دولة منتجة للنفط في العالم، مواقف متناقضة تجاه ما يحدث في سوق النفط، وطبيعة الخطوات المتوقعة لإعادة الاستقرار لأسعار تتهاوي منذ منتصف عام 2014 وحتى الأن.
هذه المواقف أعادت للذاكرة المواقف المتناقضة والمربكة التي تتخذها روسيا من وقت لآخر تجاه قضايا دولية، سواء كانت سياسية أو اقتصادية، وكلنا نذكر مواقف موسكو المرتبكة من أزمتها مع تركيا التي اندلعت عقب إسقاط الطائرة الروسية على الحدود الروسية التركية في العام الماضي.
قبيل اجتماع الجزائر الأخير كان الانطباع السائد هو أن روسيا تشارك في قيادة مفاوضات مكوكية لإعادة الاستقرار لسوق النفط، وتقريب وجهات النظر المتعارضة بين السعودية من جهة وإيران والعراق من جهة أخرى، وكذا إقناع كبار المنتجين بخفض الإنتاج.
وبالفعل عندما قرر المشاركون في اجتماع الجزائر خفض الانتاج بما يتراوح بين 700 و800 ألف برميل يوميا كانت الأصابع تشير لدور روسي ملحوظ في التوصل لهذه النتيجة.
لكن ما رأيناه في الساعات القليلة الماضية يشير إلى ارتباك الموقف الروسي تجاه الخطوات المرتقبة في سوق النفط، سواء في الاجتماعات الجارية لكبار المنتجين في مدينة إسطنبول التركية، أو تجاه الاجتماع المقبل لمنظمة أوبك بالعاصمة النمساوية فيينا، كما يؤكد أنه لا صحة لما تردد عن دعم روسيا سياسة خفض الإنتاج التي تم اقرارها في الجزائر نهاية الشهر الماضي.
فقد صدرت تصريحات متناقضة عن كبار المسؤولين الروس بدأها فلاديمير بوتين بالتأكيد على أن بلاده مستعدة لمشاركة الدول الأعضاء بمنظمة أوبك في التثبيت المقترح لكبح إنتاج النفط، وأنه يأمل بأن تؤكد أوبك القرار الشهر المقبل خلال اجتماعها بفيينا.
وفي اليوم التالي خرج المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، ليؤكد أن روسيا ستكون مستعدة لتنسيق خطواتها مع أوبك، لكنه أضاف شرطاً هو "إذا توصل أعضاء المنظمة لاتفاق على خطواتهم".
وفي الوقت الذي كان الجميع يؤكد أن روسيا دعمت بقوة نتائج اجتماع الجزائر بخفض الإنتاج خرج علينا وزير الطاقة الروسي، الكسندر نوفاك، اليوم الثلاثاء ليؤكد أن بلاده تدرس حاليا تثبيت إنتاج النفط وليس خفضه.
ولم يمض ساعات على التصريح حتى خرجت علينا أكبر شركات نفط روسية تابعة للدولة لتقع في هذا التناقض، فقد قال إيغور سيتشين رئيس شركة روسنفت وأكثر المسؤولين التنفيذيين نفوذا في قطاع النفط إن شركته لن تخفض إنتاجها النفطي أو تثبته في إطار اتفاق محتمل مع أوبك، بل وأبدى تشككه في تحرك دول أخرى منها إيران وفنزويلا والسعودية لخفض إنتاجهم.
ورد نائب رئيس شركة لوك أويل، ثاني أكبر شركة منتجة للنفط في روسيا، ليونيد فيدون، على التصريح السابق بقوله إن شركته مستعدة لتثبيت إنتاجها في إطار اتفاق محتمل مع أوبك.
لا أعرف، لماذا هذا التناقض في الموقف الروسي رغم أن المتحدث باسم الكرملين أكد اليوم أنه لا تناقض في الموقف الروسي، وهل روسيا في حيرة من أمرها، أم أن ما يحدث هو توزيع أدوار بين اللاعبين الرئيسيين في قطاع النفط، أم أن موسكو عدلت موقفها لأسباب سياسية لها علاقة بقضايا المنطقة ومنها روسية.
كل ما أعرفه أن روسيا في حاجة شديدة لتحسن أسعار النفط خاصة مع تفاقم الأزمات الاقتصادية الطاحنة التي تعاني منها البلاد وحاجة روسيا الماسة للنقد الأجنبي.