- خسائر اقتصادية هائلة تقدر بمليارات الدولارات، مع تحمل القطاع الخاص العبء الأكبر، وتأثير كبير على قطاعات التجارة، الخدمات، والصناعة.
- السيناريوهات المستقبلية للاقتصاد الفلسطيني تتراوح بين التعافي السريع والطويل الأمد، مع تحديات كبيرة تواجه التعافي بسبب الحواجز والقيود على نقل البضائع والأموال.
ظل الاقتصاد العائلي في الضفة الغربية المحتلة حائط صد إلى حد كبير للتقليل من تداعيات ممارسات الاحتلال الإسرائيلي لخنق معيشة الفلسطينيين، إلا أنه مع الحرب الحالية الدائرة على قطاع غزة وممارسات الاحتلال لقطع شرايين الاقتصاد، فإنه يواجه تحديات أعمق ويواجه رهاناً غير مسبوق على كسر حصار الأرزاق.
قد لا تعبر الأرقام والإحصاءات عن الحجم الحقيقي لتأثر الاقتصاد الفلسطيني بسبب الحرب على قطاع غزة وارتداداتها على الضفة الغربية في ظل العدوان المستمر، وصعوبة الرصد الفعلي، لكن توقفاً في الإنتاج في 86% من المنشآت الاقتصادية في غزة، وتراجعاً في الإنتاج في 29% من المنشآت الاقتصادية في الضفة يؤشران إلى عمق الأزمة.
تلك أرقام قدمها أخيراً الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، حول خسائر وتآكل الإنتاج وخسائر القطاع الخاص في الأشهر الأربعة الأولى من الحرب، والتي وصلت فيها خسائر الإنتاج من دون الأضرار المباشرة في الممتلكات والأصول في غزة والضفة الغربية إلى 2.3 مليار دولار، بمعدل 19 مليون دولار يومياً.
وفقا لجهاز الإحصاء، فإن خسائر القطاع الخاص في الضفة الغربية وحدها وصلت إلى 1.5 مليار دولار، بينما بلغت في غزة 810 ملايين دولار، وهذا يعكس طبيعة وحجم الاقتصاد في غزة قبل الحرب مقارنة بالضفة بسبب الحصار الخانق والمتواصل منذ 17 عاماً، حيث كانت نسبة الإنتاج الاعتيادي في غزة خلال الأشهر الأربعة التي سبقت الحرب لا تتجاوز 14.6% من مجمل الإنتاج في الضفة وغزة، لتتقلص خلال الأشهر الأربعة الأولى من الحرب إلى 3.2%، وقد توقف 89% من العاملين في غزة في القطاع الخاص عن العمل.
وقدرت الطاقة الإنتاجية في قطاع غزة خلال الأشهر الأربعة الأولى للعدوان بـ14% بحسب جهاز الإحصاء، لكن هذه النسبة تشكلت من القطاعات الحيوية التي لم تتوقف بشكل تام لحاجتها الماسة، وتتمثل في القطاع الصحي، والمخابز، وجزء من قطاع التجارة الداخلية لسد احتياجات الناس من الغذاء والدواء بشكل خاص.
يؤكد مدير دائرة السياسات والإحصاء في وزارة الاقتصاد الفلسطينية رشاد يوسف في تصريحات لـ"العربي الجديد" أن نسبة الخسارة الأكبر تركزت في قطاعي التجارة الداخلية الجملة والتجزئة، والخدمات وهما يشكلان 86% من مجمل المنشآت، حيث بلغت الخسارة فيهما 1.5 مليار دولار، بنسبة وصلت إلى 64%، يليهما القطاع الصناعي الذي خسر 772 مليون دولار، بنسبة 33% من الخسائر، وهي نسبة كبيرة مقارنة باستحواذ القطاع الصناعي على حوالي 10% من المنشآت العاملة في الضفة وغزة.
يتوقع يوسف أن تصل الخسائر في نصف السنة الأولى، إلى 3.3 مليارات دولار في الضفة وغزة، معتقدا أن الخسائر اليومية تفوق ما ذهب إليه جهاز الإحصاء وقد تصل إلى 25 مليون دولار يومياً، لكنه فضل اعتماد التحليل وفقا للأرقام الرسمية المعلنة حتى الآن. ويقول إن التوقف في الإنتاج لم يقتصر على غزة، بل شمل منشآت في الضفة، نتيجة لزيادة حدة الانتهاكات والإغلاقات، والتي أخرجت منشآت من السوق.
وفي ظل توقف تام للإنتاج في معظم المنشآت في غزة، يشير يوسف إلى أن وزارة الاقتصاد أجرت رصداً مع بداية الحرب في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أظهر أن القطاع الأكثر تضرراً في الضفة الغربية، هو قطاع الخدمات، حيث أشارت 63% من منشآت هذا القطاع إلى تراجع أعداد العاملين، بتسريح جزء منهم أو عمل آخرين بدوام غير كامل، وتراجعت قيمة الإيرادات الشهرية فيه بنسبة 56%.
كما تضررت قطاعات بعينها في النشاط التجاري في الضفة، حيث استمرت المبيعات المتعلقة بالغذاء مع استمرار الطلب عليها، بينما تراجعت في الملابس والأحذية والأدوات الكهربائية والبناء والمركبات، بحيث تم رصد تراجع مبيعات بمتوسط 54% في 95% من المنشآت التجارية.
أما الصناعة في الضفة الغربية فتراجع مستوى إنتاجها وفقا للرصد المذكور، بمتوسط 44%، وفسر يوسف ذلك بكون جزء من إنتاجها كان يوزع في قطاع غزة قبل الحرب، فضلاً عن تأثير قرابة 700 حاجز ونقطة عسكرية وطريق مغلق في الضفة.
بدوره، يقول الخبير والمحلل الاقتصادي ثابت أبو الروس لـ"العربي الجديد"، إن تآكل وتضاؤل الإنتاج بشكل كبير نجما عن تعمد الاحتلال تدمير البنية التحتية التي تُعتبر المقوم الأساس للاقتصاد، وكذلك تدمير المصانع والشوارع وحتى آلات النقل، فضلا عن إقامة الحواجز أمام نقل مدخلات الإنتاج وعرقلة تنقل السلع والخدمات بين المحافظات، كما حرم الاقتصاد من إمكانية نقل الأموال بين الضفة وغزة.
ولأن الاقتصاد الفلسطيني لا يمكن وصفه كاقتصاديات الدول كما يقول أبو الروس، بل كاقتصاد ضعيف، لأنه بالأساس تابع للاقتصاد الإسرائيلي، فإنه يسهل تدميره، وقد تم تدميره بشكل كبير خلال فترة زمنية قصيرة. في الضفة الغربية، فإن عزل الاحتلال للمحافظات بعضها عن بعض بالحواجز وإغلاق الطرق، أدى إلى صعوبة أو نقل السلع بتكاليف عالية، ولكن في المقابل يرى أبو الروس أن أية انفراجة تتعلق بالعدوان على قطاع غزة سيكون لها أثر في تحول سريع ومهم في المسار الاقتصادي.
يشير أبو الروس في هذا الإطار إلى سيناريوهين قدمهما البنك الدولي، أحدهما إيجابي يلفت إلى إمكانية تعافي الاقتصاد الفلسطيني خلال عشرة أعوام، وآخر سلبي، قد يمتد فيه التعافي بين 50 و90 عاماً.
سرعة التعافي مرتبطة في حال انتهاء العدوان بمعطيات أهمها حرية نقل البضائع على المعابر، وحرية التصنيع وبناء المصانع والتصدير، وحرية تنقل العمالة الفلسطينية سواء إلى الأراضي المحتلة عام 1948 أو بين المحافظات الفلسطينية نفسها، لكن منع العمالة الفلسطينية من العودة إلى السوق الإسرائيلي، ومنع إعمار غزة، ومنع تنقل البضائع، واستمرار القيود على نقل النقود بين فروع البنوك في الضفة وغزة قد تأخذ الأمور إلى السيناريو السلبي، بحسب أبو الروس.
وما يمكن أن يساعد في دعم السيناريو الإيجابي، بحسب أبو الروس، طبيعة المنشآت الاقتصادية، وهي الاقتصاد العائلي، حيث إن أغلبية المشاريع والمنشآت البالغ عددها 186 ألفا مملوكة لعائلات فلسطينية، لذا فإن التحول فيها ونشاطها أسرع من الاقتصاد الحكومي، وهو ما يعني سرعة التحول من الحالة السلبية إلى الإيجابية بسبب طبيعة النشاط العائلي، فضلا عن أن الاقتصاد الفلسطيني عاش أوضاعا سيئة وحروباً عديدة، من الانتفاضة عام 1987، مروراً بانتفاضة الأقصى عام 2000، وجائحة كورونا، وقيود الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، والعديد من الحروب على غزة، لكن إنعاشه يتصف بالسرعة رغم تكبده خسائر كبيرة جداً.