يجرى تحديد حد أقصى قانوني لمقدار الديون التي يمكن أن تتراكم على الحكومة الفيدرالية الأميركية، يُطلق عليها غالباً "سقف الدين" أو "حد الدين". ووفقاً لوزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين، فإن الحكومة ستصل إلى الحد في غضون أيام قليلة.
تشرح مجموعة "بروكينكس" البحثية الأميركية في تقرير لها أنه جرى رفع حد الدين بشكل مستمر لأكثر من قرن. وُضع الحد الأول للديون في عام 1917 لتسهيل تمويل جهود التعبئة في الحرب العالمية الأولى. قبل ذلك، كان على الكونغرس عموماً أن يأذن بكل إصدار من السندات، ثم جرى رفع الحد 78 مرة منذ عام 1960، بما في ذلك 20 مرة منذ عام 2001 .
فيما تقول "فايننشال تايمز" أنه الحد مُدد آخر مرة في ديسمبر/كانون الأول 2021 إلى 31.4 تريليون دولار، بعد أن استسلم زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل لمطالب الديمقراطيين، الذين كانوا يسيطرون على البيت الأبيض ومجلسي الكونغرس في ذلك الوقت.
ولكن الآن، مع سيطرة الجمهوريين على مجلس النواب، يجب رفع السقف مرة أخرى إذا كانت الحكومة ستواصل الوفاء بمدفوعاتها وتجنب التخلف عن السداد. عادة ما يرفع الكونغرس (أو يعلق) حد الدين قبل الوصول إليه. ودائماً، يقوم الحزب الذي خرج من السلطة بإلقاء اللوم على الطرف الآخر في تبذيره.
تشرح المجموعة البحثية أن رفع حد الدين لا يتعلق بالإنفاق الجديد؛ يتعلق الأمر بالدفع مقابل الخيارات السابقة التي شرعها صناع السياسة. وإذا وصل الدين إلى الحد الأقصى، تستخدم وزارة الخزانة العديد من الحيل المحاسبية لتأجيل يوم الحساب، لكن هذه الحيل عادة ما تستمر بضعة أشهر فقط.
في هذه المرحلة، يتعين على الحكومة أن تتخلف عن سداد مدفوعات الفائدة أو الالتزامات الأخرى، على سبيل المثال الرواتب العسكرية أو الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية أو استرداد الضرائب أو مدفوعات شبكات الأمان الأخرى.
ما هي نتائج عدم رفع الحد؟
إذا لم يُرفع حد الدين، فإن مقدار تخفيضات الإنفاق أو الزيادات الضريبية المطلوبة سوف يساوي 1.5 تريليون دولار هذا العام و 14 تريليون دولار على مدى السنوات العشر القادمة، بحسب "بروكينكس". وإذا كان هناك تخلف عن السداد، فإن أسعار الفائدة سترتفع، ما يزيد العجز ويتطلب تغييرات أكبر في الضرائب والإنفاق.
العواقب الاقتصادية المترتبة على التخلف عن السداد المتعمد على نطاق واسع غير معروفة، لكن التوقعات تتراوح من السيئ إلى الكارثي. في عام 1979، بسبب تقصير جزئي مؤقت غير مقصود في سداد الديون بسبب خطأ إداري؛ رفعت تكاليف الاقتراض الأميركية بمقدار 40 مليار دولار (بقيمة الدولار اليوم).
بينما يصر القادة من كلا الحزبين على أنهم سيعملون على تجنب السيناريو الأسوأ، ارتفعت المخاوف من التخلف عن السداد بشكل حاد في واشنطن هذا العام، وسط تهديدات من بعض أعضاء مجلس النواب الجمهوريين باستخدام مناقشة سقف الديون كوسيلة ضغط لتغييرات أخرى في السياسة، ولا سيما التغييرات الكبيرة، ضمنها تخفيضات الميزانية.
ويحذر صناع السياسة والاقتصاديون من أن تخلف الولايات المتحدة عن سداد ديونها ستكون له عواقب اقتصادية ومالية كارثية. ويقول غريغوري داكو، كبير الاقتصاديين الاستشاريين في EY-Parthenon، لـ"فايننشال تايمز"، إن وزارة الخزانة قد تضطر إلى إعطاء الأولوية للمدفوعات، ما من شأنه أن يؤدي إلى ركود واضطرابات حادة في الأسواق المالية. ويتوقع "خفضًا فوريًا" للنمو في الولايات المتحدة بنسبة تصل إلى 5 في المائة على أساس سنوي.
وفقًا لتقديرات مؤسسة "ثيرد واي"، وهي مؤسسة فكرية بحثية أميركية ذات ميول يسارية، يمكن للولايات المتحدة أن توقف ما يصل إلى 3 ملايين وظيفة في حالة التخلف عن السداد، وهو ما يعادل تسعة أشهر من نمو التوظيف. كما سترتفع تكلفة الرهن العقاري لمدة 30 عامًا في المتوسط بمقدار 130 ألف دولار، في حين أن متوسط مدخرات التقاعد للعمال الأكبر سنًا يمكن أن يتقلص بمقدار 20 ألف دولار.
تعهد بإيجاد الحلول
وتعهد الرئيس جو بايدن، أمس الجمعة، بإجراء "مناقشة" مع رئيس مجلس النواب كيفن مكارثي بشأن الديون الأميركية، وسط نقاش يلوح في الأفق حول رفع سقف الديون. وقال بايدن خلال فعالية مع رؤساء بلديات المدن إن تخلف الولايات المتحدة عن سداد الديون سيكون كارثة لا مثيل لها من الناحية المالية في الولايات المتحدة.
ويُحتمل أن يؤدّي التخلّف عن السداد إلى إثارة الذعر في الأسواق الماليّة، ومن ثمّ في الاقتصاد العالمي، فيما تحاول الولايات المتحدة تخطّي فترة اقتصاديّة صعبة بعد كوفيد، من دون الوقوع في الركود.
وقال بايدن: "الدين الذي ندفعه تراكم على مدى 200 عام، وسنجري نقاشا بسيطا حول ذلك مع زعيم الأغلبية الجديد في مجلس النواب"، ولم يذكر مكارثي بالاسم. ولم يذكر بايدن تفاصيل بشأن موعد محادثاته مع مكارثي الجمهوري، الذي عين حديثا رئيسا لمجلس النواب ويريد ربط تصويت لرفع سقف الديون بتخفيضات الإنفاق الحكومي.
وقال مكارثي، في تغريدة موجهة إلى بايدن، إنه قبل دعوته" للجلوس ومناقشة زيادة تتسم بالمسؤولية في سقف الديون لمعالجة الإنفاق الحكومي غير المسؤول".
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيير، في بيان، إن بايدن يتطلع إلى الاجتماع مع مكارثي "لمناقشة مجموعة من القضايا" في إطار عدد من الاجتماعات التي يعقدها مع الزعماء الجدد في الكونغرس.
وقالت: "كما قال الرئيس مرات عديدة، فإن رفع سقف الديون ليس محل مفاوضات، إنه التزام على هذا البلد وزعمائه لتجنب الفوضى الاقتصادية".
ويستضيف بايدن زعماء الكونغرس الديمقراطيين في البيت الأبيض يوم الثلاثاء. وقال مسؤول بالبيت الأبيض إنه لم يُحدد موعد لزيارة مكارثي. وقال البيت الأبيض مرارا إنه لن يتفاوض على رفع سقف الديون، واستخدم بعض مقترحات الجمهوريين لخفض الإنفاق لإظهار التناقض مع أولويات الديمقراطيين.
وقالت جان بيير إنه "في ما يتعلق بالنقاش الاقتصادي الواسع في بلدنا، قال رئيس مجلس النواب وحلفاؤه إن لديهم خطة مالية لخفض التأمين الاجتماعي وخفض الرعاية الصحية وخفض البرامج المهمة الأخرى وفرض ضريبة مبيعات عامة تبلغ 30 في المئة" وذلك في إشارة إلى برامج شبكة التأمين الاجتماعي الأيمركية.
وأضافت: "سنجري نقاشا واضحا حول رؤيتين مختلفتين للبلاد، واحدة تخفض التأمين الاجتماعي والأخرى تحميه، وسيكون الرئيس سعيدا بمناقشة ذلك مع رئيس مجلس النواب".
وحذّرت وزيرة الخزانة الأميركيّة جانيت يلين، عبر شبكة "سي أن أن"، الجمعة، من أنّ التخلّف عن سداد الديون الأميركيّة سيؤدّي "بالتأكيد إلى ركود في الولايات المتحدة، وقد يؤدّي إلى أزمة ماليّة عالميّة".
وقالت يلين إنّه في حال التخلّف عن سداد الدين الأميركي، "فإنّ تكاليف الاقتراض لدينا سترتفع، وسيرى كلّ أميركي أنّ تكاليف الاقتراض الخاصّة به ستتبع الاتّجاه نفسه" وترتفع هي أيضاً.
وأضافت: "علاوةً على ذلك، فإنّ الفشل في سداد أيّ مدفوعات... سيؤدّي بلا شكّ إلى حدوث ركود في الاقتصاد الأميركي، ويمكن أن يسبّب أزمة ماليّة عالميّة".
وشدّدت على أنّ "هذا سيُقوّض بلا شكّ دور الدولار بوصفه عملةً احتياطيّة تُستخدم في المعاملات في كل أنحاء العالم. أميركيّون كثر سيفقدون وظائفهم".