رعب الركود التضخمي يجتاح العالم ... عملات مهددة بالانهيار ودول بالإفلاس

20 مايو 2022
قلق في سوق "وول ستريت" من المستقبل الاستثماري (getty)
+ الخط -

أخطار الركود التضخمي بدأت تظهر بوادرها في أسواق المال العالمية، حيث تراجعت المؤشرات الرئيسية بقوة في تعاملات يوم الأربعاء بالولايات المتحدة وأوروبا وآسيا.

و"الركود التضخمي" مصطلح اقتصادي، يعني ارتفاع معدل التضخم أو غلاء السلع في ذات الوقت يكون مصحوبا بتراجع كبير في مبيعات الشركات ودخلها.
وفي أكبر مؤشرات الركود التضخمي التي ظهرت حتى الآن تراجع مؤشر داوجونز في نيويورك في تعاملات الأربعاء بنسبة 3.6% من قيمته السوقية، وهذا أكبر تراجع يومي منذ العام 2020. كما خسر مؤشر ناسداك أكثر من 4%، وتراجعت كذلك مؤشرات أسواق المال في أوروبا وآسيا لتعكس مخاوف المستثمرين من انهيار أسواق الأسهم وتكبد خسائر فادحة مثلما حدث في دورات سابقة.
وبدت تصريحات كبار خبراء المال والاقتصاد تتركز حول احتمال دخول العالم لدورة اقتصادية تقترب من الكساد.
وفي لقاء مع صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، توقع رئيس مجلس الاحتياط الفدرالي، "البنك المركزي الأميركي" الأسبق، بن شالوم بيرنانكي، دخول الاقتصاد الأميركي مرحلة الركود التضخمي. وقال بيرنانكي "في أفضل السيناريوهات فإن النمو الاقتصادي في أميركا سيتباطأ وسيظل التضخم مرتفعاً".
وكان رئيس مجلس الاحتياط الفدرالي الأميركي، جيروم باول قد قال يوم الثلاثاء، إنه سيمنح أولوية لخفض معدل التضخم على حساب النمو الاقتصادي، ولكن العديد من خبراء المال يرون أن هنالك استحالة في تحقيق هذا الهدف بدون كلفة عالية على النمو الاقتصادي بالولايات المتحدة.
في هذا الشأن، يقول وزير الخزانة الأميركي الأسبق والمحاضر حالياً بجامعة هارفارد، لاري سمرز "إن هنالك فرصاً ضئيلة أن يتمكن مجلس الاحتياط الفيدرالي من خفض معدل التضخم دون أن يؤدي ذلك إلى تراجع كبير في الأنشطة الاقتصادية".
لكن ما هي الأسباب الرئيسية لحدوث الركود التضخمي، أو بالأحرى الكساد الاقتصادي الذي يخيم على العالم؟
يرى محللون أن هنالك ثلاثة أسباب رئيسية يمكن النظر لها، وهي تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا على الأنشطة الاقتصادية في أوروبا وارتفاع أسعار الغذاء والمشتقات البترولية والغاز الطبيعي، وثانياً: الارتفاع السريع لكلف المعيشية الذي ضرب الإنفاق الشرائي، وبالتالي تقلص دخل الشركات التي تصنع السوق، وثالثاً: الارتفاع السريع في سعر صرف الدولار الذي سبب أزمات للعملات العالمية ويهدد اقتصادات العديد من الدول في آسيا وأميركا اللاتينية.
حرب أوكرانيا
يلاحظ أن العالم لم يكد يخرج من تداعيات جائحة كورونا التي ضربت الاقتصادات الكبرى وخسر العالم بسببها نحو 1.3 تريليون دولار من دخل السياحة ورفع الدين الخارجي للدول النامية إلى 31% من إجمالي ناتجها المحلي، حتى فاجأه الرئيس فلاديمير بوتين بغزو أوكرانيا بحرب بدأت بحسابات محدودة وانتهت بأخطار جيوسياسية أربكت عالم المال وحسابات المستثمرين، وكذلك جاءت بكلف ضخمة على الاقتصادات العالمية وعلى رأسها الاقتصادان الأوروبي والأميركي. وعادة ما تبدأ الحروب بحسابات لتحقيق أهداف بسيطة ومحدودة ثم تتوسع وتتشعب ويصعب السيطرة على تقاطعاتها.

على صعيد تداعيات الحرب الأوكرانية، أولى الأزمات التي طرحتها الحرب الروسية في أوكرانيا هي أنها ضربت أمن الطاقة والغذاء والمعادن والسلع الرئيسية في العالم. حيث إن كلا روسيا وأوكرانيا من كبار المنتجين للنفط والغاز والقمح والمعادن. وبالتالي رفعت الحرب من أسعار هذه السلع وسببت أزمات معيشية في أوروبا والعديد من الدول النامية، كما هددت بنهاية العولمة وأمن الموانئ والانسياب الطبيعي للسلع والخدمات بين دول العالم، خاصة في أوروبا.
ووصف نائب رئيس البنك الدولي للشؤون المالية، أندرمت جيل تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا، بقوله "هذه أكبر صدمة سلعية يشهدها العالم منذ السبعينيات".
وحتى الآن من غير المعروف متى ستتوقف الحرب، وما هو حجم الدمار الذي ستتركه في أوكرانيا والاقتصادات الأوروبية، ولكن من المؤكد أن الكلفة الاقتصادية للحرب ستكون ضخمة جداً، حيث إن كلفة إعادة إعمار أوكرانيا فقط تفوق تريليون دولار، إضافة إلى الكلف الاقتصادية التي ستتركها على النمو الاقتصادي والثقة الاستثمارية في أوروبا والعالم النامي والشعوب الفقيرة.
كلف أوروبا:
على الصعيد الأوروبي يرى اقتصاديون، أن آثار الحرب السلبية على الاقتصادات الأوروبية لا تقل عن الآثار السالبة التي تركتها أزمة ديون اليورو في بداية العقد الماضي وكادت أن تفلس بالعديد من دول منطقة اليورو.
وتشير بيانات مصلحة الإحصاء الأوروبية "يورو ستات" إلى أن معدل النمو الاقتصادي في منطقة اليورو التي تضم 19 دولة تراجع إلى 0.2% في الربع الأول من العام الجاري، كما أن سعر صرف اليورو تراجع إلى نحو دولار واحد خلال الشهر الجاري، بينما ارتفع معدل التضخم إلى 7.5% .
ووصف الاقتصادي بمؤسسة "كابيتال إيكونومكس، أندرو كيننغهام، العام الجاري في أوروبا بأنه "عام الركود التضخمي في منطقة اليورو". وأضاف أن "سعر الطاقة المرتفع سيفاقم من معدل التضخم وسيضغط تبعاً لذلك على دخل العائلات ويضرب الثقة في الأعمال التجارية".
ولا تزال أوروبا غير متأكدة ما إذا كانت ستفرض عقوبات على الطاقة الروسية خلال العام الجاري أم لا، بينما تضغط روسيا عبر تسعير الغاز الطبيعي بالروبل على دول الاتحاد الأوروبي. وتستورد أوروبا نحو 40% من احتياجات الغاز من روسيا وتعتمد معظم مصافيها على خام الأورال الروسي.

وفي ذات الصدد توقع الاقتصادي بشركة "غيفكال" البريطانية للأبحاث الاقتصادية، توم هولند، أن "أوروبا تواجه أزمة اقتصادية شبيهة بأزمة ديون اليورو في عامي 2011ــ 2012". وكانت تلك الأزمة قد أدت إلى إفلاس اليونان واضطرت أوروبا إلى الاستعانة بصندوق النقد الدولي للتدخل وإنقاذها من الإفلاس".
على صعيد العالم النامي والاقتصادات الناشئة، تواجه الاقتصادات الناشئة هروباً في رأس المال من أسواقها، كما تواجه كذلك احتمال التخلف عن تسديد الديون التي أصدرتها بالعملات الأجنبية، خاصة الديون التي تصدر بالدولار خارج أميركا أو ما يسمى "يورو بوند".
وحسب وكالة بلومبيرغ فإن دولة سريلانكا باتت أولى ضحايا الكساد الاقتصادي وسط اضطرابات سياسية واحتجاجات شعبية خلال العام الجاري، حيث تخلفت الدولة الآسيوية عن سداد ديونها للمرة الأولى في تاريخها، حيث تكافح الحكومة لوقف الانهيار الاقتصادي الذي أدى إلى احتجاجات حاشدة وأزمة سياسية. وفشلت الحكومة حتى الآن في تسديد أثمان الوقود وتعرض شركة الخطوط الوطنية للبيع على أمل الحصول على دولارات.
لكن سريلانكا ربما لن تكون الدولة الوحيدة التي ستعاني من الاضطرابات، فهنالك العديد من البلدان مرشحة للاضطرابات السياسية والفشل الاقتصادي في آسيا وأميركا الجنوبية وحتى في المنطقة العربية، وهي الدول ذات الاستدانة العالية وتحتاج إلى دولارات لخدمة هذه الديون.
في هذا الشأن، يرى صندوق النقد الدولي في دراسة، أن مخاطر الارتفاع السريع في معدل الفائدة ستكون له آثار مدمرة على الاقتصادات النامية، وسط الارتفاع الكبير في حجم الديون العالمية التي ارتفعت إلى 226 تريليون دولار في العام 2021.
وتتفادى البنوك الغربية الاستثمار في الأصول الخطرة منذ مدة وعلى رأسها منح ديون جديدة للأسواق الناشئة، وبالتالي من المتوقع أن يفاقم الارتفاع السريع في أسعار الفائدة بالاقتصادات المتقدمة، وعلى رأسها الاقتصاد الأميركي من كلف سداد ديون العديد من دول العالم التي استدانت بالدولار خلال الأعوام الماضية لتغطية كلف جائحة كورونا.
ويلاحظ ان الدولار واصل الارتفاع بقوة خلال العام الجاري خلافاً لتوقعات سابقة. ومنذ بداية العام ارتفع الدولار بنسبة 10% حسب مؤشر "دي أكس واي" العالمي لقياس قيمة العملات الرئيسية، كما ارتفع بنسبة 16% خلال الـ12 شهراً الماضية، وهو أعلى معدل ارتفاع للورقة الخضراء منذ 20 عاماً. وهذا الارتفاع  سيترجم في ارتفاع فاتورة الواردات في الاقتصادات الفقيرة، خاصة تلك التي تحتاج لاستيراد الطاقة والغذاء.

المساهمون