وجه رن تشنغ مؤسس مجموعة هواوي الصينية، رسالة "انتشرت كالنار في الهشيم" على وسائل التواصل الاجتماعي الصينية، مساء يوم الثلاثاء 23 أغسطس/آب الجاري.
دق رجل المخابرات السابق، والأب الروحي لعملاق تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الصين -الذي أطلق إمبراطورية من العدم، لتوقعه مرور العالم" بعقد تاريخي مؤلم للغاية".
كلمات الرجل التي أثارت قشعريرة، في نفوس كل من اطلع على الرسالة، قبل أن تحذفها الرقابة، من شبكات التواصل الاجتماعي، جاءت في برقية داخلية وجهها لموظفيه، قبل تسريبها بساعات، يخبرهم فيها أنّ "هواوي" أصبح بقاؤها على المحك، خلال العامين المقبلين، بسبب الركود العالمي "الذي لن يترك مكاناً على وجه الأرض نقطة مضيئة، في غضون ثلاث إلى 5 سنوات".
تحذيرات رن لم تأت من فراغ، فمعدل نمو الاقتصاد الصيني يتراجع، بنسبة 2.6%، عن المقدر له سلفا بنحو 5.5%، وهناك أزمة في صناعة العقارات التي تمثل نحو 30% من الناتج المحلي الإجمالي، وخسائر فادحة في شركات التكنولوجيا، وتدهور الإنتاجية وزيادة البطالة بين الشباب بخاصة، وانكماش في الطلب العالمي، وتوجه الاقتصاد العالمي نحو ركود مخيف.
وحدد مؤسس مجموعة هواوي الصينية هدفاً واحداً أمام العاملين، الذين يشكلون الجمعية العمومية للشركة، هو أن يعملوا كل ما بوسعهم لتظل شركة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات العملاقة على قيد الحياة بشكل جيد، في السنوات الثلاث المقبلة، التي يعتبرها سنوات العسرة.
تنبأ رن بأن يستمر الاقتصاد العالمي في التدهور، بسبب تأثير الحرب في أوكرانيا، والضغوط الأميركية على الشركات الصينية، بما سيؤدي إلى خفض الاستهلاك بشكل كبير.
قال الرجل: "لن تكون لدينا مساحة للتنفس إلّا في عامي 2023 و2024، وقليل من الأمل في عام 2025، بما يدفعنا إلى التفكير في شيء واحد فقط، هو البقاء على قد الحياة، وإن أدى الأمر إلى تقليص أو وقف أعمال واستثمارات لا تحقق التدفق النقدي والربح".
تراجع عالمي
يتوقع رن أن يغلق شركات تابعة للمجموعة، في أنحاء العالم، وعودة موظفيها إلى الصين، ووقف أيّ مشروعات تتعلق بإنتاج السيارة الكهربائية، وخفض ميزانية البحث حولها، وبيع ما توصلت إليه الشركة من أبحاث لآخرين، والابتعاد بالشركة عن الأعمال الهامشية غير وثيقة الصلة بالتكنولوجيا والاتصالات، وإعادة تقييم ما تملكه الشركة من مشروعات، للتخلص من كل ما لا يحقق أرباحاً، ويضمن التدفق النقدي للمجموعة.
استهدف رن تقليص السوق، والتخلي عن الهدف المثالي الذي استهدف "خدمة البشرية جمعاء في ظل العولمة" من أجل البقاء على قيد الحياة، وكسب بعض المال أينما استطاعت "هواوي". وطلب التركيز على الأسواق المربحة والعملاء المربحين، وأن تظل مجموعة من العاملين في بعض الأسواق التي ستعاني فيها الشركة، لاكتساب خبرات، يمكن تعلمها من الأزمة، لينقلوا خبراتهم إلى زملائهم في الصين، ويستفيدوا منها في مواصلة عملهم.
يتوقع رن أن تبدأ "هواوي" اجتياز الأزمة الخطيرة في عام 2025، وفي حال أتت الرياح بما لا تشتهي السفن، يطالب موظفيه "أن يواجهوا معها الرياح الباردة التي ستمرّ على الجميع". قرر رن منح أولوية لدفع الأجور الثابتة والمستقرة للعاملين، لتقوية الثقة والتماسك بينهم وبين الإدارة، وسداد القروض المستحقة للبنوك، لتعزيز ثقة المجتمع في المؤسسة.
ووعد رن مؤسس مجموعة هواوي الصينية بإعادة توزيع الأرباح في كل شركة تابعة على حدة، بدلاً من المساواة، التي كان يطبقها في توزيع الحوافز، بهدف ألا "يشعر الناس بالبرد في الشتاء، بعدما غطى الجميع أنفسهم باللحف، التي كان بعضها أسمك وأخرى أرق". يعترف رن أنّ ما تمر به "هواوي" أزمة بقاء، تستدعي التضحية من الجميع.
دُعيت شخصياً عدة مرات لزيارة مقر "هواوي" في مدينة شنغهاي، اطلعت خلالها على مراحل مختلفة من تطور المجموعة. شاهدنا في كلّ زيارة، تغييراً جذرياً في أعمال الشركة وأداء موظفيها، الذين فاق تعدادهم 70 ألف شخص، تحولوا إلى ملّاك لأسهم الشركة المتداولة في البورصات المحلية والعالمية.
الموظف في "هواوي" التي بلغت أرباحها السنوية على مدار العقد الماضي 65 مليار دولار، يعتبر شركته، بيته ومعبده، فيها يعمل مدى الحياة، وعند التقاعد يحصل على صافي أرباح، عبارة عن فيلا وسيارة، وأسهم في الشركة لا تقل عن مليون يوان. فعندما تتعرض تلك الأيقونة، لهذه الصدمة العاصفة بالعقول، بالتأكيد سترتجف قلوب كلّ من فيها، ومن يتابع أعمالها عن كثب.
رسالة غير متوقعة
من الواضح أنّ رسالة رن مؤسس مجموعة هواوي الصينية غير المتوقعة والتي لم تنفها أو تؤكدها "هواوي" للصحف ووسائل الإعلام الصينية التي أعادت نشرها، بما يعني ضمنياً صحة ما جاء بها، في بلد يعمل الإعلام تحت قبضة أمنية مشددة، تبين حجم الكارثة التي يتعرض لها الاقتصاد الصيني، وما يمر به الاقتصاد العالمي من تداعيات. ستؤثر أزمة "هواوي" وما يمر به الاقتصاد الصيني على مصر وغيرها من الدول العربية والأسواق الناشئة التي ما زالت تحلم بأن تكون الصين هي المصدر البديل لتدفق الاستثمارات الأجنبية إلى أسواقها، ودعم ميزانيات دول أوشكت على الانهيار المالي.
تمر الصين بأزمة اقتصادية منذ ثلاثة أعوام، لكن جاءت الحرب الروسية على أوكرانيا، لتبين حجم الهشاشة التي تشهدها أسواق بلدان استمرأت اللجوء إلى الديون واللعب على أوتار الخلافات الدولية، للارتماء في أحضان من يمنحها قروضاً تنفقها على مشروعات غير ذات جدوى، وتهدر قيمتها مجموعات الفساد، من دون أن تستثمر تلك الظروف في دعم برامج التنمية وتحسين فرص الاستثمار والصناعة والزراعة، وهم أساس التقدم في الدول المتحضرة.