ديون مصر وخيارات السداد المعقدة

22 اغسطس 2022
البنك المركزي المصري مطالب بسداد 33 مليار دولار خلال عام (العربي الجديد)
+ الخط -

بات ملف ديون مصر الخارجية معقداً في ظل ضخامة القروض التي حصلت عليها الحكومات المتعاقبة على حكم مصر خلال السنوات التسع الأخيرة والتي تتجاوز 120 مليار دولار.

ومع هذا التعقيد باتت الخيارات المتاحة لسداد تلك الديون محدودة ومكلفة مالياً وسياسيا، خاصة مع هروب الاموال من الدول النامية نحو الأسواق الغربية عقب اجراء زيادات قياسية على أسعار الفائدة على العملات الرئيسية وفي مقدمتها الدولار.

ووفق أرقام رسمية، فإن الدين الخارجي لمصر اقترب من 158 مليار دولار في نهاية شهر مارس/ آذار الماضي.

أما الأرقام غير الرسمية فتفيد بأن هذا الدين اقترب حاليا من 165 مليار دولار، وقد يكون تجاوز ذلك الرقم مع توسع الحكومة في الاقتراض الخارجي خلال الشهور القليلة الماضية، وتراجع الإيرادات الدولارية للدولة، والاحتياطي الأجنبي لدى البنك المركزي بمعدلات قياسية، وحصول الحكومة على موارد خارجية جديدة لتمويل واردات الحبوب والقمح والوقود وغيرها من السلع التموينية والأساسية.

وعلى سبيل المثال، فإن الحكومة اقترضت في بداية شهر يونيو/حزيران الماضي 6 مليارات دولار من البنك الإسلامي للتنمية لتمويل واردات البلاد من الأغذية والوقود والتي شهدت قفزة في التكلفة بسبب حرب أوكرانيا.

كما حصلت على مليارات أخرى من مؤسسات إقليمية ودولية منها البنك الدولي، وكذا قروض خارجية لصالح مشروعات بنية تحتية ونقل واستثمارات بالعاصمة الإدارية الجديدة.

وبحسب تقرير صادر عن البنك الدولي مطلع شهر يوليو/ تموز الماضي، بلغ حجم الدين المصري نحو 158 مليار دولار في نهاية الربع الأول من العام الجاري، وأن مصر مطالبة بدفع مستحقات ديون خارجية بقيمة 33 مليار دولار في عام واحد يبدأ من مارس الماضي حتى مارس/آذار 2023.

التزامات مصر الدولارية قصيرة الأجل لا تقتصر على أعباء الدين الخارجي، بل تمتد لأغراض أخرى منها الحاجة إلى سد الفجوة التمويلية وعجز الميزان التجاري.

ولذا وجدنا أرقاما أخرى غير رسمية جاءت على لسان هاني جنينة الخبير الاقتصادي المصري قبل يومين، مفادها أن الدولة ملزمة بدفع 30 مليار دولار بداية من شهر يوليو الماضي، وحتى نهاية العام الجارى.

وبغض النظر عن الالتزامات الأخيرة فإن الحكومة مطالبة بسداد أعباء ديون خارجية تقدر قيمتها نحو 33 مليار دولار حتى شهر مارس المقبل وفق أرقام البنك الدولي، وهذه الأموال مستحقة السداد لمؤسسات دولية وبنوك استثمار وحائزي السندات الدولارية، وكذا لدول الخليج الثلاث وهي السعودية والإمارات والكويت، ولا نعرف حتى الآن: هل الدائنون الخليجيون وافقوا على تأجيل سداد مستحقاتهم أم لا؟

وبغض النظر أيضا عن النقطة الأخيرة فإن الحكومة المصرية مطالبة بالتحرك بشكل عاجل لسداد تلك المليارات المستحقة، وإلا أوقعت البلاد في مأزق له انعكاسات خطيرة على الدولة واقتصادها وسمعتها وموازنتها العامة. علما بأن الحكومات السابقة كانت حريصة على سداد أعباء الديون في مواعيدها حتى في ذروة الأزمات الاقتصادية كما حدث في فترة التسعينيات.

وحتى الآن تبدو البدائل المتاحة للسداد صعبة رغم أنها معروفة وهي السحب من الاحتياطي الأجنبي لدى البنك المركزي، أو سرعة الحصول على قروض خارجية جديدة منها قرض صندوق النقد الدولي الذي تقدر مصادر قيمته الإجمالية بنحو 15 مليار دولار، وإن كانت الحكومة تنفي الرقم وتقول إنه أقل من ذلك بكثير.

الحكومة المصرية مطالبة بالتحرك بشكل عاجل لسداد تلك المليارات المستحقة، وإلا أوقعت البلاد في مأزق له انعكاسات خطيرة على الدولة واقتصادها وسمعتها وموازنتها العامة

ومن بين البدائل كذلك حصول الحكومة على موارد ذاتية سريعة بالنقد الأجنبي سواء من أنشطة السياحة أو الصادرات والتحويلات وقناة السويس والاستثمارات المباشرة وغيرها، أو رفع سعر الفائدة على الجنيه المصري بمعدلات كبيرة لإعادة الأموال الساخنة والتي هربت خلال العام الجاري أثر اندلاع حرب أوكرانيا وبعدها رفع عائد الدولار، أو جذب استثمارات خارجية جديدة مع تنشيط موارد الدولة من النقد الأجنبي.

على مستوى البديل الأول فإن هناك مخاطر شديدة لسحب المبالغ المطلوب سدادها للخارج من احتياطي البنك المركزي، وإلا انهار الاحتياطي، وهذا الأمر له مخاطر شديدة، خصوصا أن الاحتياطي فقد نحو 8 مليارات دولار من قيمته منذ اندلاع حرب أوكرانيا حيث تراجعت قيمته إلى 33.1 مليار دولار في يوليو/تموز الماضي مقابل نحو 41 مليار دولار في نهاية في شهر فبراير/شباط الماضي رغم الودائع الخليجية الضخمة التي غذته وتجاوزت 13 مليار دولار منها وديعة سعودية بقيمة 5.3 مليارات دولار وأخرى قطرية بقيمة 3 مليارات دولار.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

أما بخصوص فرص حصول الحكومة على قروض خارجية، فإن الطريق بات غير معبد الآن في ظل استمرار الخلافات القائمة بشأن البرنامج المصري المطروح مقابل الحصول على القرض الضخم، كما أن سرعة تمرير القرض تتوقف على قبول الحكومة المصرية بشروط صندوق النقد التعسفية والقاسية بحق المواطن والتي لا نعرف تفاصيلها حتى الآن سوى تكهنات بخفض قيمة الجنيه مقابل الدولار، والإسراع في ملف الخصخصة وبيع الشركات العامة وزيادة الضرائب وأسعار السلع والخدمات وخفض الدعم الحكومي ورفع سعر رغيف الخبز.

أما بالنسبة للحصول على قروض خارجية عبر طرح سندات دولية بقيمة تتراوح بين 5 و6 مليارات دولار كما كانت تخطط الحكومة فإن أسواق المال العالمية غير مشجعة على خوض تلك الخطوة مع التراجع الكبير في قيمة السندات المصرية المطروحة بالفعل في تلك الأسواق، وهذا ما دفع الحكومة إلى الإعلان مؤخرا عن أن مصر لا تخطط لإصدار أي سندات دولية جديدة، وأن وزارة المالية لم تعرض أي خطط لطرح سندات خارجية على مجلس الوزراء منذ بداية العام المالي الماضي 2021/2022، وأنها تنتظر تحسن الأوضاع في الأسواق المالية العالمية.

تبقى البدائل المتاحة أمام الحكومة للحصول على موارد دولارية جديدة لسداد أعباء الديون المستحقة محصورة في الدخول بمفاوضات سريعة مع دول الخليج الثرية لتأجيل سداد الديون المستحقة لها، مع إقناع هذه الدول بضخ أموال أخرى طازجة عبر شراء مزيد من الأصول المصرية خاصة من البنوك والشركات الناجحة، والبحث عن مقرضين دوليين جدد، والتوسع في الاقتراض من مؤسسات إقليمية وخليجية، وخنق الاستيراد بهدف الحفاظ على الاحتياطي الأجنبي، مع إمكانية سحب جزء منه لسداد ديون مستحقة.

وربما يصبح خفض قيمة العملة المحلية هو أحد البدائل المتاحة أمام الحكومة لجذب مزيد من القروض والاستثمارات خاصة الباحثة عن أصول 

المساهمون