استمع إلى الملخص
- سعت إيران لاستعادة الأموال عبر اتفاقيات استثمارية طويلة الأجل، مثل استغلال الفوسفات والنفط، لكن سقوط نظام الأسد صعّب تنفيذ هذه الاتفاقات.
- تواجه المعارضة السورية تحدي إسقاط الديون الإيرانية والروسية وإعادة النظر في الاتفاقات الاقتصادية، مما قد يشكل سابقة لدول أخرى في المنطقة.
تشير أحدث الأرقام إلى أن الديون الإيرانية المستحقة على سورية تتجاوز 50 مليار دولار، هذه الأموال حصل عليها نظام بشار الأسد خلال السنوات العشرات الماضية في صورة دعم مالي مباشر وقروض وخطوط ائتمان، ومنح نفطية في صورة مشتريات وقود من بنزين وسولار وغاز ومازوت، وشراء ولاءات ومدفوعات أخرى. كما دفعت طهران أموالا وسيولة نقدية لأسرة ورموز نظام بشار الأسد وتجار الحرب والميلشيات، ربما لا تُعرف أوجه إنفاقها، وما إذا كان قد تم توجيهها لحسابات مصرفية في سويسرا وغيرها لصالح هؤلاء أم لا.
ومكنت هذه الأموال الضخمة إيران من السيطرة على دوائر صناعة القرار في دمشق في الفترة التي أعقبت عام 2015، والسيطرة على بشار ونظامه وتوجيه القرارات الصادرة عن حكومته بما يخدم مصالحها الإقليمية ويعمق التواجد الإيراني داخل سورية، ورهن الاقتصاد السوري وأنشطته لمصالح ورغبات الداعمين الخارجيين، وتهاوي الليرة السورية ومعيشة المواطن.
وبحسب وثيقة حكومية صادرة عن الرئاسة الإيرانية ومصنفة "سرية" وتداولتها وسائل إعلام عالمية وعربية على نطاق واسع، فإن طهران أنفقت 50 مليار دولار على إعادة تأهيل نظام الأسد في فترة ما بعد قيام الثورة، وتمويل الحرب الأهلية في سورية، ومساعدة بشار على مواجهة فصائل المعارضة المختلفة، والحيلولة دون سقوط النظام الحاكم منذ عام 2011، عبر تزويده بالأسلحة الحديثة والمستشارين العسكريين والجنود وعناصر حزب الله اللبناني وفيلق القدس والحرس الثوري، وأن إيران تعتبر تلك الأموال ديوناً مستحقة على النظام السوري وتريد استعادتها على شكل شراء أصول سورية من مصانع وأراض واستثمارات وسلع وشراء معادن ومواد خام من فوسفات ونفط وموارد طبيعية وبضائع.
طهران أنفقت 50 مليار دولار على إعادة تأهيل نظام الأسد في فترة ما بعد قيام الثورة، وتمويل الحرب الأهلية في سورية، ومساعدة بشار على مواجهة فصائل المعارضة المختلف
الحكومة الإيرانية سعت في الفترة الماضية وقبل سقوط نظام بشار وبكل الطرق لاستعادة تلك الأموال وقبض ثمن تدخّلها لحماية الأسد من السقوط، وذلك عبر إبرام اتفاقيات وتنفيذ خطط استثمارية استراتيجية وطويلة الأجل مع النظام السوري وشراء أصول وشركات وبنوك وشركات تأمين ومناجم، وقد تم بالفعل إبرام اتفاقات تتيح لها استعادة أموال في حدود 18 مليار دولار، لكن معظم تلك الاتفاقات لم ترَ النور بعد، وبات من الصعب تنفيذها مع سقوط نظام بشار فجر يوم الأحد، وبالتالي لن تحصد طهران العوائد المالية عنها.
ورغم محاولات بشار الأسد الإفلات من سداد تلك الأموال قبل سقوطه بسبب الأزمة المالية الحادة ونقص السيولة الدولارية لدى حكومته خلال السنوات الماضية، وانهيار الاحتياطي الأجنبي لدى بنك سورية المركزي والذي يبلغ حاليا صفرا مقابل ما يزيد عن 20 مليار دولار قبل عام 2010، إلا أن الضغوط التي مارستها طهران على النظام نجحت في انتزاع بعض الوعود للسداد وإبرام الصفقات منها، مثل إبرام اتفاق استغلال منجم سوري للفوسفات بطاقة 1.05 مليار طن ولمدة 50 سنة، والحصول على رخص بتأسيس بنوك إيرانية في دمشق بالمخالفة للقانون.
كما انتزعت طهران عقدا آخر يتعلق بالسطو على حقل نفط حمص رقم 21 وسط سورية، باحتياطي 100 مليون برميل، وتقدّر مكاسب إيران من العقد بنحو 3 مليارات دولار، كما فازت طهران بمشروع "خط النفط" الذي يصل بين إيران وسورية عبر العراق.
ومن ضمن المشاريع الإيرانية الأخرى التي فازت بها طهران بموافقة حكومة الأسد قبل سقوطها، إنشاء وتشغيل محطة للهاتف المحمول، والتي كان من المتوقع أن تدرّ على طهران دخلا بقيمة 1.5 مليار دولار. والتزام النظام السوري البائد لإيران بسداد جزء من دخل ميناء اللاذقية ولمدة 20 عاماً. كما فازت طهران بعقد استثمار 5 آلاف هكتار من الأراضي الزراعية لمدة 25 عاماً، ومشروع آخر لتربية المواشي يطلق عليه "زاهد" وبنفس الفترة.
الآن، نجح ثوار سورية وقوى المعارضة في إزاحة نظام بشار الأسد، ووضع نهاية لواحدة من أسوأ الأنظمة قمعاً وتوحشاً وفساداً، فهل ينجح هؤلاء في إسقاط تلك الديون المستحقة لإيران وروسيا وغيرهما من الحلفاء الدوليين للنظام البائد، خاصة وأنه تم الحصول عليها من قبل نظام قاتل وفاقد للشرعية وبموافقة برلمان تم انتخاب معظم أعضائه بالتزوير، وربما لم تعرَض الاتفاقات المبرمة عليه أصلا؟
هل ينجح الثوار في إسقاط الديون المستحقة لإيران وروسيا وغيرهما من الحلفاء الدوليين للنظام البائد، خاصة وأنه تم الحصول عليها من قبل نظام قاتل وفاقد للشرعية؟
قوى المعارضة السورية مطالبة أيضا بإعادة النظر في كل الاتفاقات الاقتصادية الموقعة بين الحكومة الإيرانية ونظام الأسد، ومنها مذكرة تفاهم لخطة التعاون الشامل الاستراتيجي طويل الأمد بين البلدين، وأخرى تتعلق بمشاركة طهران في إعادة إعمار سورية، وثالثة بتنفيذ استثمارات ومشروعات في مجالات عدة، منها الزراعة والسكن والاستكشاف النفطي.
إن نجحت خطوة المعارضة السورية والثوار بإسقاط ديون إيران المستحقة على سورية، فستكون سابقة للعديد من دول المنطقة التي حصلت على قروض بعشرات المليارات من الدولارات من مؤسسات دولية ودائنين بقرارات فردية ومن دون عرضها على برلمانات منتخبة.