من الصعب على أي عاقل أن ينظر بارتياح إلى رقم الدين الخارجي لمصر والبالغ نحو 135 مليار دولار بنهاية شهر مارس/آذار الماضي، وهي أخر أرقام متاحة من البنك المركزي المصري ووزارة المالية.
وبالطبع لا تأخذ تلك الأرقام في الاعتبار القروض التي حصلت عليها مصر خلال الربع الثاني من العام الجاري 2021 ومنها 1.7 مليار دولار من صندوق النقد الدولي.
وليس في مقدور أي وطني يغار على هذا البلد ومستقبله أن يدافع عن هذا الاندفاع الحكومي المحموم نحو الاقتراض من الخارج في الوقت الذي تعاني فيه البلاد تراجعاً في إيرادات النقد الأجنبي خاصة من قطاع حيوي كالسياحة.
ويكفي القول إنه في الوقت الذي تتحدث فيه الحكومة عن الحد من الاستدانة الخارجية، ترتفع ديون مصر الخارجية بنسبة أكثر من 21% خلال عام واحد (من مارس 2020 إلى مارس 2021)، كما تقر تشريعات وقوانين تشجع على زيادة الاقتراض الخارجي منها قانون الصكوك السيادية.
ولا توجد مبررات اقتصادية ومالية تبرر اقتراض البلاد أكثر من 90 مليار دولار خلال فترة قصيرة لا تتجاوز 8 سنوات، وهو رقم يزيد عن إجمالي قروض مصر في أكثر من نصف قرن.
الحكومة المصرية اقترضت أكثر من 90 مليار دولار خلال 8 سنوات، وهو رقم يزيد عن إجمالي القروض في أكثر من نصف قرن
وإذا كان صانع قرار الاقتراض لا يدرك خطورة إغراق الدولة في مستنقع الدين الخارجي الخطر فهذه مشكلة كبيرة في حد ذاتها، خاصة مع ما يترتب على هذه القروض من أعباء شديدة سواء لمالية وموازنة الدولة، أو المواطن الذي يتحمل وحده عبء التكلفة في النهاية في صورة زيادات في أسعار السلع والخدمات والضرائب والرسوم، وخفض في مخصصات التعليم والصحة والدعم، وربما تجميد زيادة الرواتب والأجور لسنوات.
يزيد من ضبابية المشهد عدم وجود خطة عملية واضحة لدى الحكومة للحد من الاقتراض الخارجي على الرغم من إعلانها وجود تلك الخطة، وهو ما يجعل البلاد عرضة للضغوط الخارجية، وربما تدخلات الدول والمؤسسات الدائنة وإملاءات وابتزازات وشروط صندوق النقد الدولي وغيره من الجهات الدائنة.
ولنا في فترة حكم الخديوي إسماعيل عبرة، فقد أغرق البلاد في ديون خارجية ضخمة بحجة البحث عن تمويل لمشروعات كبرى ومنها القصور الرئاسية ودار الأوبرا وكباري مثل قصر النيل والجلاء وشارع الهرم وحديقة الأزبكية وغيرها، والنتيجة وقوع مصر تحت الاحتلال البريطاني في عام 1882.
وفي العصر الحديث لنا عبرة من بلدان غرقت في الديون وأعلنت إفلاسها. أحدث مثال لبنان الذي دخل في نفق مظلم وأزمات مالية طاحنة تهدد وجود الدولة نفسها، ومشكلات معيشية غير مسبوقة، حيث قفزات تاريخية لأسعار السلع الغذائية، وزيادات شبه أسبوعية لأسعار رغيف الخبز والبنزين والسولار، وانقطاع لا يتوقف للكهرباء والمياه، واختفاء للأدوية والسلع الأساسية، وتفاقم البطالة والفقر وغيرها من الأزمات الاجتماعية.
أقساط وفوائد الديون في الموازنة الجديدة 2021-2022 تبلغ 1.172 تريليون جنيه، وهو مبلغ يقارب الإيرادات العامة للدولة
كما يزيد من ضبابية وتعقيد أزمة تفاقم الدين الخارجي لمصر أيضاً أمران، الأول هو أن حصيلة تلك القروض توجه لتمويل مشروعات لا تدر عائدا دولارياً يمكّن الدولة من سداد أعباء الدين الخارجي، وبالتالي يتم تحميل هذه الأعباء إلى المواطن واحتياطي البلاد من النقد الأجنبي لدى البنك المركزي.
والثاني هو أن معظم المشروعات القومية الكبرى في مصر بات مصيرها مرهوناً بالاقتراض من الخارج، والأمثلة كثيرة مثل مشروع الضبعة النووي الذي يعتمد على قرض روسي بقيمة 25 مليار دولار، ومشروع القطار السريع 23 مليار دولار، ومشروعات العاصمة الإدارية الجديدة، منها الحي الحكومي والفنادق والأبراج، ومشروعات تطوير السكك الحديدية وتطوير القطاع الصحي الممول من البنك الدولي بقيمة تزيد عن نصف مليار دولار وغيرها.
لا بد من وضع حد لهذا الاستسهال في الاقتراض الخارجي لمخاطره الشديدة على الأمن القومي المصري، ويكفي القول إن أقساط وفوائد الديون في موازنة مصر الجديدة 2021-2022 تبلغ تريليوناً و172 مليار جنيه، وهو مبلغ يقارب قيمة الإيرادات العامة للدولة.
أي ببساطة مصر كلها تعمل وتنتج طوال العام لسداد بند واحد فقط هو أعباء الدين العام، وهو ما يعني أن البنود الأخرى من رواتب وأجور ودعم واستثمارات عامة يتم تمويلها بقروض جديدة.
وهنا ندخل في دوامة كبيرة، تقترض الحكومة من الخارج والداخل لسداد الديون القائمة والأعباء المستحقة عليها وتمويل البنود الأخرى.
والغريب أنه مع كل قرض جديد تحصل عليه البلاد تهلل الحكومة، ومعها وسائل الإعلام كالعادة، معتبرة أن هذه شهادة ثقة بالاقتصاد المصري.