ربما تساهم عوامل جيوسياسية ولوجستية نشأت بسبب جائحة كورونا واحتمال تزايد التوتر بين الدول الغربية والصين حول قضايا التجارة ومستقبل بقاء "تايوان دولة مستقلة" في زيادة هجرة الشركات الغربية من الصين وبعض الدول الآسيوية للتصنيع في دولها أو الدول القريبة من أسواقها.
وبالتالي يرى محللون أن هنالك فرصة مواتية للاقتصادات العربية والشرق أوسطية لجذب بعض الصناعات الغربية الموجودة في الصين للاستثمار فيها خلال الأعوام المقبلة.
وقال مسؤولون بشركات غربية إنهم يخططون لنقل بعض المنتجات التي كانت تصنع في دول آسيوية إلى بلدانهم أو مناطق قريبة من أسواقهم مثل تونس ومصر وتركيا والمغرب وصربيا وكرواتيا.
وفي هذا الصدد، قال تقرير لمصرف "يو بي أس" السويسري إن نحو 76% من الشركات الأميركية التي لديها مصانع في الصين تعمل على الانتقال إلى خارجها.
وحتى الآن تركز الشركات الأميركية، خاصة شركات التقنية، على الانتقال إلى أسواق مثل الهند، الحليف القوي لواشنطن، وإلى فيتنام وأندونيسيا وتايلاند، ولكن بعض الشركات الأوروبية تفكر في الانتقال إلى تركيا ودول عربية.
في هذا الشأن، قال الرئيس التنفيذي لشركة بينتون الإيطالية للملبوسات ماسيمو رينون إنه أكتشف في سبتمبر/ آيلول الماضي، أن بعض المنتجات غير متوفرة بمتاجر الشركة ومخازنها بسبب تأخر وصولها من الصين.
وحسب صحيفة "وول ستريت جورنال"، فإن ماسيمو يخطط حالياً لنقل بعض مصانع شركة بينتون الإيطالية من آسيا إلى دول قريبة من أوروبا.
ويقول ماسيمو إنه رغم أن الشركة ستدفع أكثر من حيث الكلفة ولكنها ستضمن وصول بضائعها في الوقت المناسب.
ولكن لا يبدو أن شركة بينتون هي الوحيدة التي تفكر في نقل جزء من مصانعها إلى دول عربية وشرق أوسطية، فهنالك العديد من الشركات التي تفكر في نقل جزء من مصانعها للدول المستقرة بالمنطقة العربية، خاصة تلك التي لديها البنية التحتية المناسبة وتوجد فيها العمالة الماهرة.
نحو 76% من الشركات الأميركية التي لديها مصانع في الصين تعمل على الانتقال إلى خارجها
وحتى الآن كانت تركيا أكبر الدول الجاذبة للصناعات الغربية بالمنطقة بسبب التحديث الكبير في بنيتها التحتية وتركيزها على التدريب المهني وإعداد الكوادر، ولكن دولاً مثل المغرب والجزائر ومصر والأردن وتونس مرشحة للاستفادة من دورة انتقال التصنيع الغربي الكثيف من آسيا خلال العقد الحالي.
وعلى الرغم من أن كلف التصنيع في أوروبا وأميركا وحتى الدول الشرق أوسطية ستكون أعلى من كلف التصنيع في الدول الآسيوية، إلا أن الشركات الغربية الكبرى ترى أن عقبات سلاسل الإمداد والنقل التي واجهتها خلال العامين الماضيين ستجعلها تفضل دفع كلف أعلى بدلاً من التضحية بزبائنها والمعاناة من الاضطراب الذي واجه أعمالها التجارية منذ تفشي جائحة كورونا.
وكانت الشركات الكبرى متعددة الجنسيات في أميركا وأوروبا تصنع لعقود عديدة بعض منتجاتها أو مكونات منها في مصانع أسستها في الصين وتايوان ودول آسيوية أخرى مستفيدة في ذلك من العمالة الرخيصة وسهولة النقل البحري بين آسيا وأوروبا وأميركا.
لكن في الآونة الأخيرة فإن هذه الشركات واجهت عقبات عديدة في سلاسل الإمداد، وعانت من النقص المريع في بعض منتجاتها في أسواقها الرئيسية بالولايات المتحدة وأوروبا.
في هذا الشأن، قال الرئيس التنفيذي لشركة رايان مارشال الأميركية: "يجب أن نكون مرنين ومبدعين في تحديد مصادر التصنيع حتى وإن كان ذلك يعني دفع دولارات إضافية".
الشركات الغربية الكبرى ترى أن عقبات سلاسل الإمداد والنقل التي واجهتها خلال العامين الماضيين ستجعلها تفضل دفع كلف أعلى بدلاً من التضحية بزبائنها والمعاناة من الاضطراب الذي واجه أعمالها التجارية
من جانبها، قالت الرئيسة التنفيذية لشركة "كاربون إنك" الأميركية لصحيفة "وول ستريت جورنال": "في عالم غير مستقر نريد أن تكون لنا السيطرة على منتجاتنا".
ومن بين الشركات التي تفكر في الانتقال من الصين شركات نايك الأميركية لصناعة الأحذية الرياضية وأديداس وآبل لصناعة الهواتف وأجهزة الكومبيوتر وأنتل وديل و"ستانالي بلاك آند ديكر" و"أتش بي" ومايكروسوفت وعدة شركات أخرى أميركية وأوروبية.
ووفق مصادر غربية، "تتجه آبل لنقل 30% من خطوط إنتاج (آي باد)، كما شجعت الفروع المصنعة لمكونات هاتفها الشهير (آيفون) في الصين للانتقال إلى خارج الصين".
وحسب تقرير بموقع "لوف موني" الأميركي، فإن الشركات الغربية المصنعة في الصين تشتكي من سرقة حقوق الملكية الفكرية لمنتجاتها، كما أن بعضها تعاني من تراجع مبيعاتها في الصين وبعض الدول الإسلامية في آسيا بسبب اضطهاد الحكومة الصينية لأقلية الإيغور المسلمة في إقليم شينجيانغ أو تركمنستان الشرقية.
ويشير التقرير إلى أن الشركات الغربية تواجه بعض المضايقات، وخاصة أن الحكومة الصينية طالبت بنوكا أوروبية باتخاذ مواقف مؤيدة لسياسات الحزب الشيوعي الحاكم في البر الصيني لاستراتيجية "الصين الواحدة" التي تعني أن تايوان جزء من "البر الصيني" وسياسات تقويض الحكم الذاتي لجزيرة "هونغ كونغ".
وحسب تقرير الموقع المتخصص في القضايا المالية والتجارية، فإن مبيعات نايك هبطت بنسبة 59% في إبريل/ نيسان الماضي بسبب مقاطعة العديد من سكان الصين لمنتجاتها، حيث لدى الشركة مصانع في إقليم شينجيانغ الذي يسكنه الإيغور.
ولا تعاني الشركات الغربية المصنعة في الصين فقط من العقبات التي نشأت بسبب جائحة كورونا أو المخاوف بشأن تداعيات احتمال تطور نزاع النفوذ السياسي في بحر الصين فقط، ولكنها تعاني أيضاً من تأخر وصول منتجاتها بسبب الكوارث الطبيعية مثل الأعاصير والفيضانات التي ساهمت خلال العام الجاري في تعطيل موانئ رئيسية في الصين.