بات سد النهضة الإثيوبي، الذي تراه أديس أبابا ضرورة وقاطرة لاقتصادها الهش، بينما يمثل تهديداً وجودياً من وجهة النظر المصرية والسودانية، يمثل معضلة كبرى تنذر بصراع إقليمي يهدد أمن واستقرار المنطقة، وكذا المصالح الجيوسياسية والاقتصادية للعديد من اللاعبين الدوليين.
في هذا الإطار، ذكر الكاتب والخبير الإيطالي جوزيبي غاليانو، رئيس مركز كارلو دي كريستوفوريس للدراسات الاستراتيجية، في تحليل نشرته مجلة "ستارت" الإلكترونية الإيطالية تحت عنوان "ما هو دور الصين في سد النهضة بين إثيوبيا ومصر والسودان"، أن الصين، منحت إثيوبيا 1.3 مليار دولار من أجل بناء خطوط البث من السد، كما شاركت بعض الشركات الصينية في بناء السد مثل شركتي (China Gezhouba Group) و(Voith Hydro Shanghai.).
حذر صيني
وأضاف أن الصين، علاوة على ذلك وفي المجمل، تمثل المصدر الأكبر للاستثمارات الخارجية المباشرة لإثيوبيا، حيث إنها تشكل قرابة 60% من جميع المشروعات الجديدة الممولة من الخارج في البلاد في عام 2019.
ولا تقتصر الاستثمارات على إثيوبيا فقط، وإنما تمتد أيضاً إلى ضلعي المثلث الآخرين وهما مصر والسودان.
واستدرك الخبير الإيطالي بقوله إنه على الرغم من ذلك، فإن ثمة أسباباً رئيسية تدفع الصين لاتخاذ جانب الحذر: الأول يتمثل في أن الهدف من المفاوضات بين مصر والسودان وإثيوبيا كان على الدوام هو التوصل إلى اتفاق مرضٍ بشأن حصة كل دولة من مياه النيل، في حين أن الصين لم توقع قط على أي اتفاق لتوزيع المياه مع أي دولة، وكانت مع تركيا وبوروندي الدول الوحيدة على مستوى العالم التي لم توقع على معاهدة الأمم المتحدة لعام 1997 حول اقتسام مياه الأنهار.
والسبب الثاني، بحسب غاليانو، يتمثل في أن حجم استثمارات الصين في البلدان الثلاثة يدفعها إلى اتخاذ موقف أكثر حذراً.
دور روسي
في سياق متصل، ذكرت مجلة "فورميكي" الإيطالية، في تقرير حمل عنوان "هكذا تسبب سد أفريقي في إحباط مشروع محطة نووية"، أن الأثر الأول المباشر لاتفاق التعاون العسكري الذي وقعته روسيا مع إثيوبيا كان إيقاف الاجتماعات الفنية بين مسؤولي الحكومة المصرية وشركة روساتوم الروسية، التي تشرف منذ 2017 على بناء محطة الطاقة النووية في الضبعة، والتي صارت استثماراتها في المشروع على المحك.
وأوضحت المجلة أن العلاقات مع مصر تحظى باهتمام روسيا بالنظر إلى البحر الأحمر الذي يمثل الأفق الاستراتيجي الممتد حتى القرن الأفريقي.
ويعتبر إنشاء منطقة صناعية روسية في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس جزءا من هذه الاستراتيجية، التي كان من المفترض أن تصل إلى ذروتها مع بناء قاعدة عسكرية روسية في بورسودان. وهنا أيضاً تعاني موسكو من النفوذ الأميركي الطاغي.
وتابعت المجلة أنه مع تجميد التخطيط للقاعدة السودانية، فإن توقف الحوار بشأن محطة الضبعة يشكل عنصراً آخر يشرح لنا كيف أنه بين موسكو وتلك الدول ثمة علاقة قائمة على الإرغام.
وعندما توقف مصر الاجتماع المخطط مع خبراء شركة روساتوم، فإنها تبعث برسالة إلى موسكو. وعندما توقع روسيا اتفاقاً للتعاون مع القوات المسلحة الإثيوبية، فإنها تبعث برسالة إلى القاهرة.
وختمت بقولها إننا حتى هذه اللحظة بصدد تحركات تكتيكية، تعلو فيها القيمة الاستراتيجية للمصالح على الصدامات والمناوشات.