دوافع استيراد الصين والهند للنفط الروسي

27 يونيو 2022
محطة وقود فيء مدينة بومبى الهندية (getty)
+ الخط -

مصالح متبادلة بين روسيا وكل من الصين والهند، في ما يتعلق بتصدير النفط الروسي إليهما. فروسيا تحرص على تصدير نفطها بشكل عام إلى كل من البلدين، من أجل ألّا تزداد معاناتها في ظل حربها على أوكرانيا، التي سبّبت فرض عقوبات اقتصادية من قبل أوروبا وأميركا، وشملت تلك العقوبات جوانب كثيرة، يصفها البعض بأنها بالفعل وضعت روسيا في عزلة اقتصادية عن العالم، باستثناء النفط والمنتجات الحيوية. 

وفي ظل هذه الأزمة العالمية، التي تعتبر روسيا أحد أهم أطرافها، تقدم روسيا نفطها إلى كل من الصين والهند ودول أخرى، تراها صديقة ومؤيدة لموقفها، في ضوء ما يعرف باستراتيجية "النفط الرخيص". فكل من الصين وروسيا تحصلان على النفط الروسي بتخفيض يصل إلى 30% من الأسعار السائدة عالمياً. 

وحسب البيانات التي نشرتها وسائل الإعلام أخيراً، فقد استقبلت الصين نفطاً روسياً في شهر مايو 2022 بكميات 8.42 ملايين برميل، بنسبة زيادة 55% على أساس سنوي. كذلك استوردت الهند أيضاً نفطاً روسياً بنحو 819 ألف برميل يومياً، وهو ما يمثل زيادة ملحوظة بشكل كبير، مقارنة بـ 22.7 ألف برميل يومياً قبل حرب روسيا على أوكرانيا. 

ووفق البيانات أيضاً فإن الهند استوردت 34 مليون برميل من النفط الروسي الرخيص منذ بدء الحرب الروسية على أوكرانيا في 24 فبراير، وهو ما يزيد أكثر من 3 أضعاف قيمة مجمل وارداتها من روسيا، بما في ذلك منتجات أخرى، في الفترة نفسها عام 2021. 

وسعى بعض الدول للاستفادة من ظروف العقوبات أو الحرب، في الحصول على مزايا سعرية لسلع مهمة على رأسها النفط، ليس بجديد، فقد اتبعت إيران ذات استراتيجية "النفط الرخيص" إبان مواجهتها للعقوبات الاقتصادية الغربية خلال فترات مختلفة.

وإن كان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، قد أنهى هذه الميزة التي استفادت منها إيران في فترات سابقة، إذ أعطى فترة استثنائية لمدة 6 أشهر للدول المستفيدة من نفط إيران الرخيص، وبعدها أوقف كل صور تصدير النفط الإيراني باستثناء 300 ألف برميل يومياً، وإن كانت إيران قد أعلنت غير مرة أن صادراتها من النفط مستمرة عبر الأبواب الخلفية بكميات تزيد بكثير على الكمية المفروضة عليها. 

دوافع غير أيديولوجية 

من الأوهام التي قد يتصورها البعض، أن إقدام الصين والهند على استيراد النفط من روسيا، موقف سياسي داعم للموقف الروسي، أو أنه يأتي في إطار توافق أيديولوجي، أو تمتين لموقف روسيا في مواجهتها للإمبريالية العالمية في أوروبا وأميركا. 

أو قد يتصور البعض أن هناك ترتيباً بين كل من الهند والصين من جهة، وروسيا من جهة أخرى، لإعادة رسم النظام العالمي الجديد متعدد الأطراف.

والحقيقة أن الأمر ليس كذلك، فكل من البلدين تربطهما علاقات اقتصادية كبيرة مع أميركا، وفي حالة عرض أميركا أو أوروبا لأي ميزة اقتصادية أو سياسية عليهما، بشأن الملفات العالقة معهما، سنجد البلدين يتخليان عن استيراد النفط الروسي فوراً.

وسيكون العامل الحاسم، هو فقط مقارنة ما تحصل عليه الصين والهند من مصالح اقتصادية وسياسية من طرفي النزاع. فالواقع المعيش يعكس أن لغة المصالح هي اللغة الدائمة، التي تعرفها العلاقات الدولية بامتياز، فالمقولة المشهورة تعبّر عن ذلك بوضوح: "لا يوجد أصدقاء دائمون، ولا أعداء دائمون، ولكن توجد مصالح دائمة". 

المكاسب الاقتصادية 

تعتبر كل من الصين والهند من أكبر مستوردي المواد الأولية على مستوى العالم، ومن بين تلك المواد الأولية، تأتي سلعة النفط الاستراتيجية. وحصولهما على النفط الروسي بنسبة تخفيض تصل إلى 30% من الأسعار السائدة في السوق الدولية، يعطي اقتصاديهما فرصة جيدة، لتخفيض سعر الطاقة، وبالتالي العمل على تهدئة معدلات التضخم. 

ويساهم حصول الصين والهند على النفط الروسي الرخيص، في تمكينهما من بناء مخزونات استراتيجية، وبخاصة أن حالة الضبابية ما زالت مسيطرة بشأن مستقبل التعافي للاقتصاد العالمي، ووجود مخزونات مرتفعة من النفط لدى كل من الصين والهند، يمكنهما من إدارة أفضل لشؤونهما الاقتصادية المحلية، ويجنبهما تقلبات السوق الدولية، ومواجهة إمكانية استخدام ورقة الطاقة ضدهما من قبل أي طرف مستقبلاً. 

وعلى صعيد الهند، هناك ملاحظة مهمة، وهي أن الدولة تحقق مكاسب كبيرة من استيرادها للنفط الخام من روسيا، منها أولا: أنها تحصل على حسم يصل إلى 30% من الأسعار السائدة في السوق الدولية، والثاني أن الهند تقوم بعمليات تكرير للنفط الخام الروسي، ثم تصدّره إلى الخارج، كمشتقات نفطية، وبالتالي تحقق مكاسب هائلة، وهي تصدّر تلك المشتقات إلى عدة دول، على رأسها أميركا. 

ولا تخفي الهند ممارستها وموقفها تجاه استيراد النفط الروسي، حيث صرحت نيرمالا سيترامان، وزيرة المالية الهندية، بأن مصلحة بلادها وأمن الطاقة الخاص بها "في مقدمة أي اعتبارات"، كذلك صرح مسؤولون آخرون بأن وقف استيراد الهند للنفط الروسي يضر بمصالح مواطنيهم. 

ولا يخفى على أميركا السلوك الصيني والهندي، فهو أمر معلن، وتجري تسويات مالية بشأنه في إطار ما أعلن من قبل روسيا من جهة وكل من الصين والهند، بأن هناك خطوات كبيرة اتخذت بشأن تسوية التعاملات المالية والتجارية بينهم، في إطار العملات المحلية. 

وبلا شك، إن الدافع الأكبر إلى عدم اتخاذ أميركا لقرار وقف استيراد النفط الروسي، الأزمة العالمية التي تمر بها سوق الطاقة، وكذلك حاجة كل من أوروبا وأميركا لاستيراد النفط بشكل كبير، وكل من أميركا وروسيا تسعى بشكل كبير لتهدئة الأسعار الدولية في سوق النفط. 

واتخاذ قرار بوقف استيراد النفط الروسي، من شأنه أن يؤجج أسعار السوق الدولية للنفط، وهو ما يجعل من أزمة التضخم كارثة على الصعيد العالمي، لذلك تسعى أميركا بشكل كبير للعمل على توفير مصادر أخرى تساعد على زيادة المعروض من النفط، وبالتالي انخفاض أسعاره، وجولة جو بايدن المنتظرة للشرق الأوسط تأتي في هذا الإطار. 

حرص روسي 

في الوقت الذي تسعى فيه كل من الصين والهند لتحقيق مصالحها من استيراد النفط الروسي الرخيص، هناك حرص روسي كذلك على الاستمرار في تلك العلاقة، بل وتوسعة دائرة المستفيدين منها، لمواجهة الحصار الأميركي الأوروبي. 

فسعي روسيا للعمل وفق إيجاد شبكة مصالح مع أكبر عدد ممكن من الدول على الصعيد السياسي والاقتصادي، يمكنها من صمودها في المعركة من جانب، ومن جانب آخر يجعلها تخرج من الأزمة بأقل خسائر ممكنة. 

فاتباع روسيا لسياسة أو استراتيجية "النفط الرخيص"، وإن كانت تقلل من مكاسبها، في ظل الأسعار المرتفعة للنفط في السوق الدولية، إلا أنه يمكنها من عدم الوقوع في الخيار البديل، وهو تراجع صادراتها النفطية، التي تعتبر الآن شريان الحياة للاقتصاد الروسي. كذلك إن استمرار العلاقة عبر توسيط النفط، قد تمكن روسيا من اتباع سياسة الصفقات المتكافئة، بمعنى أن تحصل روسيا على سلع وخدمات تنقصها، من أسواق الدول المستفيدة من استراتيجية "النفط الرخيص". 

لا تلوح في الأفق حلول سياسية لأزمة الحرب الروسية على أوكرانيا، وبالتالي ستظل تداعياتها مستمرة، وكما أن للأزمة تداعياتها السلبية، ومتضررين منها، هناك رابحون ومستفيدون منها كذلك، من بينهم الصين والهند، خاصة أن أميركا وأوروبا تستهدفان إطالة أمد الصراع بشكل كبير، بحيث تُستنزَف روسيا اقتصادياً، ويُقصَر الصراع على الدائرة الاقتصادية والمالية بشكل أكبر، مع محاولات تضييق فجوة الصراع العسكري.

المساهمون