منذ بداية المواجهة الجديدة بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الجاري، عمد الجيش الإسرائيلي إلى تدمير البنية التحتية الاقتصادية وسط مدينة غزة عبر تكثيف الغارات الجوية وتدمير الشوارع والطرق الرئيسية للمدينة والمدارس والمستشفيات.
وركز الاحتلال في عملية القصف الجوي على تدمير الأبراج السكنية والتجمعات التجارية والمولات الحديثة التي تتجاوز كلفة إنشائها مئات الآلاف من الدولارات في سعي واضح منه لإعادة القطاع سنوات كثيرة إلى الوراء تزامنًا مع استمرار الحصار الإسرائيلي للعام السابع عشر على التوالي.
وتعرضت أحياء مثل الرمال وتل الهوا للدمار بشكلٍ كلي وهي أحياء تعتبر من الأكثر حيوية ونشاطًا على الصعيد الاقتصادي، ما تسبب في دمار واسع أتى على غالبية الأبراج والمنشآت الاقتصادية الموجودة بها، فضلاً عن الأضرار غير المباشرة التي لحقت بالبنية التحتية.
ويبدو الاحتلال مركزًا على تكبيد القطاع الذي تسيطر عليه وتدير شؤون حركة المقاومة الإسلامية (حماس) خسائر على المستوى الاقتصادي تشبه إلى حدٍ كبير الخسائر التي تعرض لها لبنان في الحرب التي اندلعت خلال صيف عام 2006، والسعي لتحويله منطقة غير صالحة للعيش.
وإلى جانب هذا، فقد عمد الاحتلال إلى منع كل النشاط التجاري والاقتصادي، وأوقف عمل التيار الكهربائي بالخطوط الواردة للقطاع عبر الأراضي المحتلة عام 1948، فضلاً عن استهداف معبر رفح وبوابة صلاح الدين التي تربطه بالأراضي المصرية.
ومع تركز عمليات القصف والتدمير على البنية التحتية الفلسطينية في القطاع، يبدو المشهد قاتمًا سيما وأن حجم الدمار في الأبنية والطرق والتجمعات الاقتصادية غير محصور، ومن المتوقع أن يسجل أرقامًا غير مسبوقة مقارنة مع الحروب السابقة التي شنها الاحتلال.
من جانبه، يقول رئيس المكتب الإعلامي الحكومي سلامة معروف إن الاحتلال يريد القضاء على ما تبقى من مقومات للبنية التحتية الفلسطينية عبر القصف والتدمير إلى جانب الحصار المطبق الذي فرضه وزير حرب الاحتلال يوآف غالانت، منذ بداية الحرب الحالية.
ويضيف معروف لـ "العربي الجديد" أن الظروف المعيشية والحياتية للسكان تفاقمت جراء عمليات القصف والتدمير التي يقوم بها الاحتلال إلى جانب وقف إمدادات الكهرباء والوقود والمياه.
ويشير إلى أن أحد أوجه المعاناة التي تعصف بالقطاع يتمثل في انقطاع التيار الكهربائي بعد انتهاء الوقود الموجود في غزة ومنع إدخال أي شاحنات جديدة فضلاً عن قطع الخطوط الواردة من الأراضي المحتلة، وهو ما ينعكس بالسلب على الأوضاع المعيشية.
ويلفت رئيس المكتب الإعلامي الحكومي إلى أنه من الصعب الحديث عن تكلفة أولية متعلقة بإجمالي الخسائر المالية المترتبة على الحرب الحالية في ضوء استمرار الاحتلال في قصف الأبنية والمنشآت العامة والسكنية والتجمعات التجارية الرئيسية في القطاع.
وعادة ما كان الاحتلال الإسرائيلي يركز خلال المواجهات السابقة على استهداف الأبراج والتجمعات التجارية في كل جولة تصعيد أو مواجهة مع القطاع، من أجل الضغط على الأذرع العسكرية للقبول بالهدوء ووقف التصعيد وتكبيدها خسائر اقتصادية ومالية أمام الحاضنة الشعبية.
في الأثناء، يقول الباحث والمختص في الشأن الاقتصادي أسامة نوفل إن الاحتلال عمد في بداية هذه الجولة إلى ضرب البنية التحتية الاقتصادية الموجودة في قلب مدينة غزة وتحديدًا في الأحياء التجارية كالرمال وتل الهوا اللذين يعتبران من أرقى الأحياء.
ويوضح نوفل لـ "العربي الجديد" أن الاحتلال عمد إلى استهداف شركة الاتصالات والبنوك والمصارف التابعة لحركة حماس في غزة، إلى جانب السعي بأكبر قدر ممكن للنيل من الشركات ومخازن المصانع في دلالة على سعيه لتدمير مقومات الصمود.
ويلفت إلى أن حجم التسارع في الخسائر المالية كبير جدًا وهو الأمر الذي يجعل من الصعب حصر إجمالي الأضرار الحاصلة بشكل دقيق على اعتبار أن الخسائر تنقسم إلى خسائر مباشرة وغير مباشرة، فضلاً عن الفرصة الضائعة التي ترتبط بالحركة الاقتصادية.
وينوه نوفل إلى أن حجم الخسائر في الحرب الحالية يفوق الحروب السابقة من ناحية الفترة الزمنية على اعتبار أنه لم يمضِ عليها أكثر من 5 أيام فقط، وسط دمار كبير أصاب المنشآت والبنية التحتية والأحياء السكنية التي لم يخلُ حي في القطاع من الدمار.
ويقدر الباحث والمختص في الشأن الاقتصادي دورة الحياة التجارية في القطاع بنحو 3 مليارات دولار أميركي سنوياً يتم تقسيمها على أيام العام، ما يجعل الخسائر المالية المباشرة لا تقل عن 10 ملايين دولار يوميًا دون احتساب الأضرار والفرص الضائعة.
إلا أن نوفل يؤكد على أن الخسائر سترتفع إلى أضعاف هذا الرقم عند احتساب الخسائر المترتبة على التدمير الإسرائيلي للمنشآت والبنية التحتية والمؤسسات فضلاً عن احتساب الخسائر المترتبة عن الفرصة الضائعة لحالة الشلل الاقتصادي بفعل الحرب.