دعم عربي لإسرائيل وخذلان لأهل غزة

19 اغسطس 2024
دمار غزة متواصل والهجمات لا تتوقف، 17 أغسطس 2024 (عبد الرحيم الخطيب/ الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **عدوان إسرائيل على غزة ودعم الأنظمة العربية**: منذ 7 أكتوبر 2023، يواصل الجيش الإسرائيلي عدوانه على غزة، مرتكباً مجازر وحصاراً ضد المدنيين، بينما تدعم بعض الأنظمة العربية إسرائيل سراً بإمدادات غذائية.

- **التجارة العربية مع إسرائيل خلال الحرب**: تقرير أشار إلى أن صادرات الدول العربية لإسرائيل لم تتأثر بشكل كبير، حيث ارتفعت صادرات مصر والمغرب بشكل ملحوظ، مما يعكس تواطؤ هذه الحكومات.

- **تأثير الحرب على الأمن الغذائي الإسرائيلي**: الحرب شلت الزراعة في إسرائيل، مما أدى إلى شح الغذاء وارتفاع الأسعار، بينما قدمت الحكومات العربية الدعم الغذائي لإسرائيل، في حين قاطعت شعوبها المنتجات الإسرائيلية.

في صفحات الخزي والعار، سيكتب المؤرخون لعدوان إسرائيل على قطاع غزة الصامد، والمستمر منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، أنه في الوقت الذي كان فيه الجيش الصهيوني يرتكب المجازر اليومية والحصار الغاشم والتجويع الممنهج والإبادة الجماعية بحق المدنيين الأبرياء في القطاع، كانت بعض الأنظمة العربية غير المسؤولة تدعم إسرائيل وجيشها سراً بإمدادات المواد الغذائية التي تعاني نقصاً حاداً فيها، ثم تعلن هذه الأنظمة أنها عاجزة عن إغاثة غزة بالمساعدات الغذائية والأدوية، وتطالب المجتمع الدولي بالوقوف في وجه إسرائيل ومنع الإبادة الجماعية وفك الحصار وإغاثة المظلومين.

وأصبح الدعم العربي لإسرائيل، الذي كان لا يصدق، حقيقة لا تقبل التشكيك، وزادت تعمّقاً بعد إصدار وزارة الصحة الإسرائيلية قراراً بوقف استيراد الفواكه والخضراوات من الأردن، وذلك بسبب اكتشاف جرثومة الكوليرا بمياه نهر اليرموك وفي المنتجات الزراعية المستوردة من هناك. هذا القرار الإسرائيلي رسّخ تصديق أي إنسان عربي أو مسلم أو أجنبي تلك الأخبار التي تتحدث عن الدعم العربي لإسرائيل في وقت العدوان، وافتضح أمر تلك الأنظمة التي تدعم إسرائيل في السر وتخذل غزة في العلن.

وفي تقرير لمعهد السلام لاتفاقيات أبراهام، وهو منظمة مؤيدة لإسرائيل مقرها الولايات المتحدة، أشاد بقوة الدعم التجاري من بعض الدول العربية لإسرائيل منذ بدء الحرب على غزة. وقال إن صادرات الدول "الغربية" إلى إسرائيل انخفضت بنسبة 18% في الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2023، لكن صادرات الدول "العربية" انخفضت بنسبة 4% فقط. وبحسب التقرير، ارتفعت صادرات مصر لإسرائيل بنسبة 168%، وتضاعفت واردات إسرائيل من المغرب بأكثر 200% منذ بدء العدوان على غزة.

ومؤخراً، كشفت بيانات المكتب المركزي للإحصاء الإسرائيلي عن صادرات مصر والإمارات والأردن والمغرب لدولة الكيان بالتزامن مع عدوانها على غزة. حيث بلغت قيمة الصادرات من مصر إلى إسرائيل في شهر مايو/ أيار الماضي فقط نحو 25 مليون دولار، وخلال الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام بلغت من الإمارات نحو 1.2 مليار دولار، والأردن نحو 129.1 مليون دولار، والمغرب 7.4 ملايين دولار. وأكد موقع والاه العبري إنشاء الإمارات جسراً برياً عبر السعودية والأردن وصولاً إلى ميناء حيفا بطول 2000 كيلومتر يحمل شحنات تجارية لإجهاض محاولات الحوثي حصار إسرائيل لوقف عدوانها على غزة.

ومن المؤسف أن إسرائيل التي تفضح الحكومات العربية الداعمة لها بالتزامن مع عدوانها على غزة، نشرت صحف إسرائيلية تقارير عن الدول والشركات "الغربية" التي قطعت علاقاتها التجارية معها بسبب حرب الإبادة الجماعية التي تشنها دولة الاحتلال على غزة. وكشفت المنظمة البحرية الدولية عن تغيير 18 شركةً للشحن البحري مسار سفنها وتجارةٍ تبلغ قيمتُها 200 مليار دولار بعيداً عن البحر الأحمر وقناة السويس، خشية هجمات جماعة الحوثي اليمنية.

موقف تلك الحكومات يعاكس موقف شعوبها العربية التي قاطعت المنتجات الإسرائيلية والغربية الداعمة لإسرائيل، وتسببت في إغلاق فروع لسلاسل ماكدونالد وكارفور وستاربكس وكنتاكي وبيتزا هت في العديد من الدول العربية. وأين تلك الحكومات غير المسؤولة من موقف الحكومة التركية، وقد أوقفت تصدير الأغذية تماماً لإسرائيل في 2 مايو الماضي، بالرغم من أن صادرات تركيا إلى إسرائيل بلغت سبعة مليارات دولار في عام 2022، وفقاً لقاعدة بيانات الأمم المتحدة للتجارة الدولية، وقد ضحت بها احتراماً لمشاعر شعبها الرافض العدوانَ الإسرائيلي.

الأمن الغذائي الإسرائيلي هش بفعل العدوان على غزة

حتى نقف على حجم الدعم والخدمات التي تقدمها بعض الحكومات العربية غير المسؤولة لإسرائيل، في ظل تكتم الحكومة الإسرائيلية الشديد على المعلومات التي تتصل بتداعيات الحرب على الداخل الإسرائيلي، نشرت صحيفة تايمز أوف إسرائيل (إبريل/ نيسان الماضي) مقالاً خطيراً بعنوان "منظمات الإغاثة الإسرائيلية تتدخل قبل عيد الفصح لعلاج أزمة الغذاء بسبب تداعيات الحرب"، ويكشف المقال معاناة الإسرائيليين من شح الغذاء وارتفاع الأسعار بعد هجوم المقاومة الفلسطينية على مستوطنات غلاف غزة.

تقول الصحيفة إن هجوم "حماس" تسبب في شلل الزراعة في إسرائيل، ولا يزال الإسرائيليون يشعرون بالصدمة، رغم مرور الأشهر الطويلة على بداية الحرب. ويجند المتطوعون في بنك الطعام في إسرائيل لتوفير الوجبات لعشرات آلاف الأسر التي أصبحت فقيرة وغير قادرة على تحمل تكاليف الوجبات، وقد هربوا من غلاف غزة والشمال بحقيبة الظهر فقط.

وكشفت الصحيفة لأول مرة عن خسارة قطاع الزراعة في إسرائيل في السابع من أكتوبر ما يقرب من 40% من قوتها العاملة، و30% من أراضي إسرائيل الزراعية، عندما أصبح المركز الزراعي في البلاد (تقصد غلاف غزة) منطقة للحرب وللموت والدمار الشامل. وتقول إن منظمة بني بريث إسرائيل، وهي منظمة خدمات يهودية دولية، تقود حملة لتوفير الطعام خلال عيد الفصح للإسرائيليين الذين فروا من المستوطنات بسبب الحرب. أما أطفال ونساء قطاع غزة، فلا يملكون منظمة خدمات إسلامية دولية تقدم لهم الطعام.

منظمة ليكيت إسرائيل، وهي عبارة عن بنك الطعام الإسرائيلي الذي يجمع الطعام ويوزعه على المحتاجين من خلال 200 منظمة غير ربحية، عملت على توفير الطعام لنحو 1.4 مليون إسرائيلي لا يستطيعون تحمل تكاليف الطعام الصحي حتى يناير/ كانون الثاني الماضي فقط.

توقف إنتاج الغذاء في إسرائيل

يقع حوالي 20% من الأراضي الزراعية في إسرائيل في غلاف غزة. ووفقاً لمقال نشر في صحيفة غلوبس في منتصف أكتوبر/تشرين الأول نقلاً عن رئيس اتحاد المزارعين الإسرائيليين، فإن 75% من الخضراوات المستهلكة في إسرائيل و20% من الفاكهة و6.5% من الحليب تأتي من منطقة غلاف غزة، وتوقفت جميعها عن الإنتاج بعد السابع من أكتوبر. كل هذه الخسائر يمكن أن تثني نتنياهو عن الاستمرار في تدمير غزة وقتل المدنيين لولا دعم الحكومات العربية غير المسؤولة في توفير الأغذية البديلة.

في الوقت نفسه، تحتوي المنطقة المحتلة في شمال إسرائيل، والتي وقعت تحت هجمات حزب الله الصاروخية في لبنان، على ثلث الأراضي الزراعية في الكيان، وفقاً لوزارة الزراعة والتنمية الريفية في إسرائيل، وتوفر منطقتا الجليل والجولان نحو 73% من الإنتاج المحلي من البيض والدجاج. وهذا الإنتاج توقف أيضاً، وكان يمكن أن يكون زاجراً إضافياً لنتنياهو لوقف الحرب، لولا الدعم العربي غير المسؤول.

أما المزارع التي لم تتضرر بنيتها التحتية أو تدمر، فتوقفت تقريباً عن الإنتاج بسبب نقص العمالة المتاحة، فقد فر نحو 10 آلاف عامل أجنبي من البلاد بعد السابع من أكتوبر، ولم يعد يُسمح لعشرين ألف عامل فلسطيني بدخول إسرائيل، وفقاً لبيانات وزارة الزراعة والتنمية الريفية.

ما يعني أن الإنتاج الزراعي أصبح شبه متوقف في إسرائيل، وهي معلومات خطيرة، نادراً ما تنشرها وسائل إعلام إسرائيلية. وهي تكشف مدى تضرر الأمن الغذائي في داخل إسرائيل بسبب الحرب، وإمكانية توقفها لولا دعم تلك الحكومات العربية غير المسؤولة.

دعم إسرائيل على حساب الشعوب

في شهر مايو الماضي، كشفت الخارجية الإسرائيلية عن مقتل رجل أعمال إسرائيلي يحمل جواز سفر كندياً في مدينة الإسكندرية. وكشفت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية هوية الرجل الذي يتعمد الأمن المصري إخفاءها ويدعي أن سبب القتل جنائي. وقالت إنه يمتلك في الإسكندرية شركة لتصدير الخضراوات والفاكهة من مصر، وإن سبب القتل يتعلق بالعدوان على غزة. وكشفت بيانات ملاحية تضاعف رحلات سفينة حاويات من الإسكندرية التي يعمل فيها رجل الأعمال الإسرائيلي إلى ميناء أسدود الإسرائيلي بالتزامن مع العدوان على قطاع غزة.

ومع سماح الحكومة المصرية بتصدير الخضراوات والفاكهة لإسرائيل، يعاني المواطن المصري من غلاء أسعار الغذاء، وقال الرئيس عبد الفتاح السيسي إن مصر تحتاج إلى مليار دولار شهرياً لاستيراد المواد الغذائية الأساسية، وأعلن البنك الدولي أن أسعار الغذاء في مصر التي تستورد 65% من احتياجاتها الغذائية هي الأعلى على مستوى العالم منذ منتصف العام الماضي.

والإمارات التي دشنت جسراً برياً لإمداد إسرائيل بالمؤن الغذائية في وقت الحرب على غزة تستورد أكثر من 90% من احتياجاتها الغذائية، وفق وزارة الزراعة الأميركية في سنة 2024. وبرر وزير التجارة الإماراتي إمداد الإمارات إسرائيل بالأغذية بقوله: "نحن لا نخلط الاقتصاد والتجارة بالسياسة". ولكن من يقول إن تصدير الأغذية لإسرائيل على حساب المواطن وحرمان غزة تجارةً وليس جريمة سياسية وخيانة لقيم الإنسانية؟

والأردن ليس من الدول الغنية التي لديها فائض في الأغذية، وقد صنفتها منظمة التجارة العالمية في سنة 2022 دولةً تعاني من العجز الغذائي، فهي تستورد نحو 70% من احتياجاتها من المواد الغذائية الأساسية، وفق معهد كارنيغي، 2021، واستوردت منتجات بلغت قيمتها 2.7 مليار دولار، وفق تقرير وزارة الزراعة الأميركية في سنة 2022. فلماذا تغامر الحكومة بدعم إسرائيل على حساب المواطن لديها؟!

ورغم أن خسائر إسرائيل بسبب الحرب لا تقارن بما يعانيه الأطفال والنساء و2.3 مليون مدني في غزة من القتل بالتجويع تارة وبالقصف تارة، تجتهد الحكومات العربية غير المسؤولة في تعويض إسرائيل وجيشها بما يفتقدانه من مؤن غذائية وتدعي العجز عن إغاثة المظلومين في غزة.

وخلافاً لمواقف شعوبها الداعمة غزةَ والرافضة العدوانَ، فإن تزويد حكومات عربية إسرائيل بالأغذية هو دعم لا يمكن تبريره، وتواطؤ ومشاركة في العدوان، وخيانة للمظلومين في غزة، وقد أجهض بلا شك محاولات جماعة الحوثي حصار موانئ اسرائيل وإجبارها على وقف العدوان، وأفشل أيضاً إمكانية وقف العدوان الغاشم تحت ضغط وقف تركيا والدول الغربية وشركات الشحن الكبرى تصدير الأغذية والبضائع لإسرائيل.